في ظل تصاعد التحديات المناخية وتوالي سنوات الجفاف، أصبحت أزمة الإجهاد المائي في المغرب إحدى أبرز القضايا البنيوية التي تهدد التوازن البيئي والاقتصادي والاجتماعي على حد سواء، فقد أضحت الموارد المائية تتناقص بوتيرة مقلقة، وهو ما تؤكده نسبة ملء السدود التي وصلت إلى 35.3% إلى غاية يوم الإثنين الرابع من غشت الجاري، في وقت تتزايد فيه الحاجيات المائية بفعل النمو الديمغرافي والتوسع العمراني والضغط على الفرشاة الجوفية.
هذه الأزمة التي لا تمس فقط المدن ومراكز الاستهلاك الكبرى، بل تضرب بقوة العالم القروي، تسائل النموذج التنموي المغربي، حول مراجعة عميقة لسياسات تدبير الموارد الطبيعية، والتفكير في حلول مستدامة وشاملة تتجاوز الحلول التقنية نحو مقاربات تنموية عادلة ومنصفة، ليبقى السؤال الجوهري هو كيف يمكن للمغرب أن يضمن أمنه المائي في سياق مناخي شديد التقلب؟
أزمة بنيوية وليست ظرفية
وفي هذا الصدد، كشف الخبير البيئي فؤاد الزهراني، أن أزمة الماء في المغرب تعد أزمة بنيوية أكثر منها ظرفية، تتفاقم في ظل التغيرات المناخية المتسارعة وتوالي سنوات الجفاف وقلة التساقطات، مما أدى إلى ضغط متزايد على الموارد المائية، خاصة على مستوى الفرشة المائية وخزانات السدود.
وأكد الزهراني، في تصريح لجريدة “”، أن معدل ملء السدود، الذي لا يتجاوز 35.3%، يعد مؤشرا مقلقا يعكس حجم التحديات التي تواجهها البلاد في هذا المجال، مما يلزم ضرورة التفكير في حل للأزمة وهو ما اعتمد عليه المغرب من خلال البرنامج الوطني للماء الصالح للشرب 2020/2027، والذي تضمن مجموعة من الحلول المتكاملة، أبرزها اللجوء إلى تحلية مياه البحر باعتبارها خيارا استراتيجيا لتعزيز الأمن المائي، رغم تكلفتها الاقتصادية والبيئية والطاقية العالية.
ورغم أهمية مشاريع التحلية، يضيف المتحدث ذاته، فإن التصدي للأزمة المائية كما صرح الخبير، يتطلب كذلك التركيز على بدائل وحلول مستدامة، من بينها إعادة استعمال المياه العادمة بعد معالجتها، وترشيد استهلاك المياه، خصوصا في القطاعين الفلاحي والصناعي، اللذان يعدان من أكثر القطاعات استنزافا للموارد المائية، فضلا عن الحاجة إلى فلاحة ذكية ومستدامة، تقوم على ملاءمة الزراعات مع خصوصيات كل منطقة، ما من شأنه تقليص الضغط على الموارد المائية وضمان استدامة القطاع الفلاحي في ظل الظروف المناخية المتغيرة.
تداعيات قاسية على الفلاحة
وأضاف فؤاد الزهراني، أن أزمة الإجهاد المائي في المغرب لا تقتصر على الجوانب البيئية فحسب، بل تتجلى تداعياتها بشكل قاس ومباشر في المجالات القروية، خاصة تلك التي تعتمد على الفلاحة المعيشية كمصدر دخل أساسي.
فنقص التساقطات وصعوبة الوصول إلى مياه السقي يؤديان إلى استحالة زراعة المحاصيل الأساسية، ونقص الماشية بسبب ندرة مياه الشرب وجفاف المراعي، وهذا ما يقوض الأمن الغذائي الذاتي للأسر القروية، فضلا عن تقلص الإنتاج الفلاحي المحلي الذي ينعكس على القدرة الذاتية للقرى على تأمين حاجياتها الأساسية، ويزيد من تبعيتها للمدن والأسواق الكبرى، في سياق يتسم أصلا بتقلبات الأسعار، وفق المتحدث ذاته.
وفي السياق ذاته، أبرز الخبير، أن الكثير من الفلاحين يعتمدون على حفر الآبار في محاولة يائسة لمواجهة الجفاف، مما يؤدي إلى استنزاف الفرشاة المائية الجوفية وتفاقم الأزمة مستقبلا، ناهيك عن تدهور الأوضاع الاقتصادية التي تدفع العديد من الشباب إلى ترك قراهم بحثا عن فرص بديلة في المدن، مما يؤدي إلى تفريغ البوادي من طاقاتها البشرية.
وأشار المتحدث ذاته، إلى أن هذه الخطوة تساهم في توسع الأحياء الهامشية بالمدن وارتفاع معدلات البطالة فيها، فانهيار النشاط الفلاحي يرفع من مؤشرات الفقر بشكل ملحوظ، خصوصا لدى الفئات التي لا تمتلك بدائل اقتصادية، مما يعمق من هشاشة النسيج الاجتماعي القروي.
المصدر: العمق المغربي