دقّ خبراء في الشؤون الرقمية والعملات المالية المشفرة “جرس الإنذار” بشأن توالي حوادث النصب والاحتيال، التي تصل إلى حد “الاختطاف وطلب فدية” (أحيانًا) في علاقة بمُتداولي العملات المالية المشفرة؛ خاصة مع توقيف مواطن فرنسي مغربي في المغرب، بحر الأسبوع الماضي، للاشتباه في تخطيطه لسلسلة عمليات خطف تستهدف متداولي عملات مشفرة في فرنسا.

ويأتي هذا التوقيف، الذي كان محطّ شكر وإشادة فرنسيين تجاه المغرب وسلطاته الأمنية، ليُظهر جودة التعاون القضائي بين الرباط وباريس، خصوصا في مكافحة الجريمة المنظمة التي باتت تتخذ أشكالا رقمية بتهديدات ناشئة.

وكالة الأنباء الفرنسية رصدت، ضمن معالجتها تداعيات الحادث، “سياقَ تزايد حالات خطف استهدفت منذ يناير 2025 متداولِي عملات مشفرة في فرنسا، مقابل فدية”؛ وهو التاريخ الذي عرف صعودا قياسيًا لقيمة العملات المشفرة بالتزامن مع عودة ترامب إلى البيت الأبيض في ولاية ثانية.

وحذر خبراء، في تصريحات لهسبريس، من تزايد وقوع الفئات الشابة في “فخ الربح السريع”، منبّهين إلى أن المغاربة ليسوا في منأى من شبكات وهمية تسعى إلى الإيقاع بهم، ما يستدعي تشريعات قانونية تحمي المتداولين بصفتهم مستهلِكِين وإحداث منصات رقمية للإبلاغ عن التحايل.

بدر بلاج، خبير مالي متخصص في تحليل أسواق العملات الرقمية، أبرز بدايةً أهمية الموضوع بحكم أنه يتناول “مخاطر الاحتيال في العملات الرقمية وتأثيره على المغاربة”، لافتا إلى أن “الاحتيال في العملات الرقمية ظاهرة عالمية لا تستثني المغاربة، إذ يُقدر حجم الخسائر وفق تقارير موثَّقة مبنية على شكايات متضررين بمليارات الدولارات (يناهز 11 مليار دولار)؛ فيما كان تقرير سابق لجهاز التحقيقات الفدرالي FBI لم يذهب بعيداً بتحديده قيمة 13 مليار دولار كعمليات نصب”.

ونبه بلاج، ضمن تصريح لجريدة هسبريس، إلى أن “ثمّة فراغا قانونيًا مستمرا في المغرب يجعل المواطنين عرضة أكثر للاحتيال؛ وحتى في حال وقوعهم ضحية نصب فإنه تصعب عليهم المطالبة بحقوقهم”، موردا أن أشهر عمليات النصب في المغرب تسمى “Rug pull scams”، وتشمل عمليات الاحتيال “العملات الرقمية الوهمية والتسويق الشبكي الخادع فضلا عن التسويق عبر الإنترنت”.

وأفاد الخبير في العملات الرقمية والمشفرة بأنه “يتم إنشاء عملات رقمية وهمية تشبه العملات الشهيرة لخداع الناس؛ كما أن بعض النّصابين يستخدمون أسماء مشابهة للعملات الرقمية المعروفة للاحتيال وإيهام ضحاياهم بواقعيّة التعاملات وراهنية التداولات…”.

ومضى المتحدث شارحا في السياق: “هناك نوع خطير من الاحتيال يتمثل في إقامة علاقة مباشرة مع الضحية لإقناعه بالاستثمار”، مردفا: “يتم في هذه الحالة إيهام الضحايا بتحقيق أرباح وهمية لجذب المزيد من الاستثمارات (…)”.

وبينما شدد بلاج على وجوب التحذير من “محاولة النصابين الوصولَ إلى حسابات الضحايا في منصات التداول الرقمية” قال إنه “في بعض الدول هناك عصابات تحتجز الأشخاص لسرقة حساباتهم للعملات الرقمية، لكن هذا لم يحدث بعدُ في المغرب”.

ومتفاعلاً مع سؤال لهسبريس نبّه الخبير المالي ذاته إلى أن “المحاذير موجودة وقائمة في استخدام العملات الرقمية، بينما هناك أدوات تساعد المستخدمين على تحديد ما إذا كان المشروع احتياليًا أم لا”، بتعبيره، وقال شارحا: “توجد أدوات تقنية يمكن للشخص العادي استخدامها لتقييم مصداقية المشاريع المالية الافتراضية والعملات الرقمية، كما يمكن تحليل القيمة السوقية، والسيولة، وتوزيع ‘التوكنات’ لتقييم صحة المشروع”، مضيفا إليها “مؤشرات اقتصادية تساعد في تحديد مدى موثوقية ‘التوكن’ أو العملة الرقمية”.

وأوصى بلاج بـ”إنشاء بوابة للإبلاغ عن النصب الإلكتروني على غرار ما هو موجود في الولايات المتحدة”، واسترسل بقوله: “هناك منصات تتيح للمستخدمين الإبلاغ عن عمليات الاحتيال بشكل شفاف ليستفيد الآخرون”، منبهاً إلى “خطر غياب القانون، بما يسهم في ازدهار عمليات النصب في مجال العملات الرقمية”.

وبينما مازال أغلب الضحايا يواجهون صعوبة في الإبلاغ عن الاحتيال بسبب الخوف من التداعيات القانونية، ما يُبرز “حاجة ملحة إلى سن قوانين تحمي المستهلكين وتحارب الاحتيال في العملات الرقمية”، وفق المتحدث، لفت إلى أن “التجارب الشخصية تشير إلى أن الضحايا يخشَوْن من اتخاذ إجراءات قانونية بسبب غياب الدعم القانوني”.

من جانبه دعَم التحذيرات ذاتها حسن خرجوج، خبير الأمن المعلوماتي والرقميات، منبها إلى ما وصفها بـ”الأوهام المتعلقة بالربح السريع عبر الإنترنت، ولاسيما من أشخاص يروّجون لدورات تكوينية بهدف الربح السريع”.

وزاد خرجوج متسائلاً عن “مصدر الأوهام التي تجعل بعض فئات الشباب والمراهقين يتوقفون عن الدراسة ويلاحقون المال والأوهام”، وقال في تصريح لهسبريس: “وجب تحذير الشباب من المسائل المتعلقة بالعملات الإلكترونية، مثل البيتكوين والإيثريوم وغيرها، حيث يتم الإعلان عن تحقيق أرباح خيالية من خلال بيع الدورات التكوينية… غير أن كل ذلك ليس صحيحا، ما يضعهم لقمة سائغة في شبكات التحايل والابتزاز”.

كما حذر المتحدث من “المخاطر الأمنية التي قد تواجه المتعاملين بالعملات الرقمية المشفرة”، ضاربا المثال بـ”عمليات الاختطاف والسرقة التي تحدث في أوروبا الشرقية، ووصلت بقوة إلى بلجيكا وفرنسا ضد المتعاملين بالعملات الإلكترونية”.

ورغم تأكيده أن “المغرب اتخذ خطوات كبيرة في مجال التقنين وتأطير التعاملات الرقمية” فإن الخبير ذاته يشدد على أن “هناك حاجة إلى توجيه النقاش حول التقنين بشكل صحيح، خاصة مع إمكانية أنْ تَظهر جرائم أخرى”، وختم موصياً: “يجب وضع قوانين تجرّم هذه المسائل”.

المصدر: هسبريس

شاركها.