تمهيد:

لا أخفيكم سرا إن قلت لكم، أنني رأيت البشرى في ظهور الدين الجديد، المسمى بـ ( الدين الإبراهيمي )، على عكس ما يراه كثير من العلماء والنقاد، إن هذا المولود المشوه خرج من الرحم ميتا، رغم استماتة خبراء التوليد من كبار الأطباء لإنقاذ الجنين، وتوفير ظروف عيش ملائمة لهذا المسخ، لقد اجتمع دهاة السياسة و المكر و جاؤوا من كل فج عميق، نصارى ويهود ومن سار في ركبهم، من منافقي العرب حكاما و علماء سلطان، إن كل هذه المجهودات المبذولة هي لأجل هدف واحد، وهو إنقاذ مشروع التطبيع من السقوط، لهذا اعتبرت أن مجرد الإعلان عن الدين الجديد، أي ما يسمى زورا ( الدين الإبراهيمي )، و إبراهيم عليه السلام بريئ من هذه الخزعبلات، إن هذا الإعلان هو في رأيي بمثابة قبلة الوداع الأخيرة، لمشروع تورطت فيه مع الأسف الشديد بعض الدول العربية، إذن كيف يمكن للدين الجديد أن يعيد النبض والروح لمشروع التطبيع..؟ وهل التطبيع الرسمي اصطدم بالحائط..؟ وهل هجوم 7 أكتوبر أسهم في تسريع وتيرة انهيار مشروع التطبيع..؟
الفقرة الأولى :
ـ دين “جديد ” في خدمة تطبيع قديم :

بداية نتساءل إذا كان التطبيع ناجحا، لماذا إذن احتاج مهندسو المشروع إلى اختراع ” دين”جديد يسمى ( الإبراهيمية )..؟ في رأيي أن ماكينة التطبيع لحقت بها أعطاب كثيرة، وإن لم يتدارك ميكانيكيو التطبيع إصلاح هذه الأعطاب، فقد يتوقف المشروع كليا وستكون له تداعيات كارثية على مشروع ( اسرائيل الكبرى)، لهذا تم استدعاء نبي توفي لأزيد من 6000 عام، ليصلح ماكينة التطبيع البئيسة في 2025..!!، لقد وقعت مصر “الرسمية” التطبيع مع الصهاينة سنة 1978، ما سمي بـ( اتفاقية كامب ديفيد) أي منذ 47 سنة، و أحدث هذا التوقيع شرخا خطيرا في جدار التضامن العربي، مما جعل الدول العربية في إطار جامعتهم، يحتجون بشدة على هذه الخطوة المتهورة و انتفض العرب ضد مصر، وكتب بالمناسبة الشاعر الكبير أحمد مطر القصيدة المشهورة ( الثور فر من حظيرة البقر )، يقصد المقبور السادات أول”ثور” يقفز فوق حاجز الحظيرة، و يلتحق بـ( إسطبل داوود ) وهو أول الغيث، في ماراثون القفز فوق الحواجز، لقد استمر الفرار والقفز إلى خارج حظيرة البقر، حيث تتابع قفز العجول و دخولها ( الإسطبل ) إلى يومنا هذا، لكن مشكل بني صهيون هو بقاء التطبيع رسمي و عدم وصوله إلى الشعبية، ماذا يفيد توقيع وزير مدفوع، أو رئيس حكومة أو حتى رئيس دولة المقبور السادات، الأمر لا يعدو أن يكون مجرد اتفاقيات رسمية فوقية، قد تستفيد منها النخبة السياسية الإنتهازية أو البرجوازية الفاسدة، إن هذا المشروع بقي محاصرا بقبضات الشعوب من الخليج إلى المحيط، ولم يستطع اختراق حاجز الشعوب المنيع رغم صرف الملايير، لشراء ضمائر سياسيين عملاء انتهازيين، أو علماء سلطان خانوا الله ورسوله، و أقلام أدباء في خدمة التطبيع وأشباه الفنانين و الإعلاميين، الخلاصة أن هذا التطبيع هش ولا يقف على أرضية صلبة، يكفي فقط أن تصل الشعوب للحكم أو من يمثلها حقيقة، ليتم دق آخر مسمار في نعش هذا التطبيع البئيس و الغير مأسوف عليه، الصهاينة وأمريكا و جوقة الأوروبيين وبعض منافقي العرب، يعرفون مصير التطبيع “الرسمي” فمهما حاولوا تثبيته يبقى مؤقتا، وهو إلى زوال لا محالة لهذا تم استدعاء الدين الجديد كحافز يدعم التطبيع، السؤال هو كيف سيتم توظيف الدين في هذه المعمعة..؟ الجواب في الفقرة التالية..
ـ الفقرة الثانية :
ـ التطبيع في غرفة العناية المركزة :

إن التطبيع و منذ توقيع (كامب ديفيد) الأولى، إلى آخر الموقعين لم تعترف به الشعوب وتلقى ضربات عنيفة، حيث تمت تصفية أول رئيس وقع مع الأعداء في حادث المنصة المشهور، كما أن المشروع تلقى ضربات قوية على شكل فضائح، منها التحرش بنساء الدول المطبعة، وبث جواسيس”الموساد” في هذه الدول لزعزعة استقرارها، و نشر الدعارة والشذوذ والمخدرات ومحاولة زرع الفتنة الطائفية، مما جعل مشروع التطبيع يهتز و يترنح، لكن أقوى ضربة تلقاها وجعلته في عزلة محلية وعالمية، هي ضربة السابع من اكتوبر و تداعياتها إلى اليوم، لهذا قلنا انه في غرفة العناية المركزة يحتاج إلى جرعات اوكسيجين، وهذا هو دور ( الديانة الإبراهيمية)، أي تقدم جرعات من “الأكسيجين” الديني المعقم، لقد جربوا كل أنواع التطبيع : ( السياسي ـ والسياحي ـ و الاقتصادي ـ و العسكري ـ و الدبلوماسي..)، كل ذلك فشل بسبب الثقافة الدينية عند أهل المشرق والمغرب، فكلما ظنوا أن طبخة التطبيع قد استوت و نضجت، و استعدوا لجني ثمارها الفاسدة، إلا وكان لهم دين الاسلام بالمرصاد : ( خطب المنابر يوم الجمعة ـ القرآن ـ السنة و السيرة النبوية العطرة ـ علماء مجاهدين..)، وهكذا يفسد عليهم الدين الإسلامي حفل التطبيع، وعملا بنصيحة الشاعر أبو نواس : ( وداوني بالتي كانت هي الداء)، حيث قالوا : ( بما أن الدين هو “الداء” أي المشكل، لابد إذن من تطويعه و إفراغه من كل مضمون إيجابي )، وفي هذا السياق جاء الدين الجديد ( الإبراهيمة )، الذي يجتمع فيه النصارى والمسلمين واليهود، بعد كسر الحواجز النفسية بين هذه الديانات وجعلها دينا واحدا، الحمد لله الذي أحيانا حتى شهدنا توحيد الديانات السماوية، و توحيد كذلك خطب الجمعة في خطة التسديد المعلومة، يا سادة أنتم في فترة تاريخية هي عصر التوحيد، بشرى أزفها للمؤمنين لقد بدأ تطبيق شعائر الدين الجديد، في الإمارات حيث كانت جمعة رائعة وحدت الديانات، حيث شهدها وفد كريم من مسلمي قريش، و يهود المدينة بنو قريظة و بنو قينقاع، و وفد من نصارى نجران والشام، وفي المغرب بدأت تجربة الخلطة : (في عام 2019، خلال زيارة البابا فرنسيس للمغرب، تم تنظيم حفل في معهد تكوين الأئمة و المرشدين، و شمل عرضاً فنياً جمع بين الأذان و ترانيم مسيحية و يهودية )، في الحقيقة لم أصدق نفسي وأنا أشاهد هذا المنظر الجميل، المؤذن الشيخ با عروب ولد رحال جنبا إلى جنب مع الراهب “سيباستيان ديلا كروا “، و بحضور الحاخام الأكبر ( باروخ بن داوود بن افريحة) في أجواء روحانية رائعة، لأول مرة يشاهد فيها الصليب إلى جانب الهلال ونجمة داوود، في الحقيقة بقدر ما فرحت و استبشرت بهذا الإنجاز العظيم، والحدث التاريخي الكبير تأسفت على من قتل قديما في الحروب الدينية الصليبية، لكن من اليوم فصاعدا لن نشهد حروبا بين المؤمنين و الكافرين، ولا حروبا بين المؤمنين و المغضوب عليهم ولا الضالين ولا المشركين، كيف لا وقد أصبحوا إخوانا يجمعهم دين واحد، مرحبا إذن بالديانة ( الإبراهيمية ) التي ستنقذ العالم من شر الحروب، و تنقذ “التطبيع ” طبعا… و ستنشر ثقافة السلام يا سلام… سلم…!!
خلاصة :
نبي الله ابراهيم عليه السلام، قد وقع نزاع في الزمن القديم حول هويته و انتمائه، بين اليهود والنصارى كل يدعي أنه منهم، وهذا قبل بعثة النبي الخاتم محمد صلى الله عليه وسلم، لكن بعد أن أنزل الله القرآن على نبي الهدى، حسم الله عز وجل من فوق سبع سماوات أمر جنسيته و هويته، حيث قال تعالى : { ما كان إبراهيم يهوديا ولا نصرانيا ولكن كان حنيفا مسلما وما كان من المشركين } [آل عمران: 67]، في الحقيقة كان الصراع ثنائيا على انتماء هذا النبي، حيث قالت اليهود أنه منهم، و أقسمت النصارى كذلك على أنه منهم، وبعد البعثة دخل المسلمون على الخط ليصبح النزاع ثلاثيا، وجاء أصحاب الدين الجديد “الإبراهيمية” و قدموا الحل المناسب، مشكورين كثر الله خيرهم ما قصرو، أرادوا إشراك المسلمين معهم في الانتماء لإبراهيم عليه السلام، وهكذا يتم صهر الديانات الثلاث في دين واحد، في الحقيقة أنا مع هذا الحل الذي يوحد ولا يفرق، وعليه أدعوا اليهود والنصارى للإسلام الحنيف، و ننهي المشكل كما يقول المغاربة : ( أو مريضنا ما عندو باس )

المصدر: العمق المغربي

شاركها.