تسعى الدولة المغربية، منذ سنوات، إلى بناء نموذج تنموي جديد قادر على رفع التحديات الاقتصادية والاجتماعية. غير أن جزءاً مهماً من المجتمع ما يزال يعيش تحت ثقل «أمّيات» متعددة تعيق الإصلاح، وتبطئ عجلة النمو، وتحدّ من أثر البرامج والاستراتيجيات الوطنية.

فالتنمية لا تتحقق بالقوانين والمؤسسات فقط، بل بالإنسان أولاً… الإنسان القادر على فهم واقعه، والتفاعل مع محيطه، واستثمار الفرص المتاحة أمامه.

فيما يلي خمس أمّيات أساسية تُعطل الإصلاح وتبطئ الإقلاع التنموي:

1. الأمية القرائية والكتابية… الجذر الأول للتخلف

ما تزال نسبة مهمة من المغاربة عاجزة عن القراءة والكتابة، وهو أمر ينعكس مباشرة على سلوك الفرد وقدرته على الاندماج.

الأمية لا تعني فقط عدم القدرة على قراءة نص أو كتابة جملة، بل تعني غياب الوعي، وصعوبة استيعاب المعلومات، ومحدودية المشاركة في الحياة الاقتصادية والسياسية.

2. الأمية القانونية… جهل بالحقوق والواجبات

القانون لا يحمي فقط، بل ينظم ويوازن ويمنح المواطن أدوات للمطالبة بحقوقه.

ومع ذلك، يجهل عدد كبير من المواطنين أبسط القواعد القانونية:
حقوقهم في الخدمات العمومية، واجباتهم الضريبية، القوانين المنظمة للشارع، العقود، التوظيف…
وجهل القانون يجعل المواطن عرضة للاستغلال، ويخلق سلوكيات فوضوية أو غير مسؤولة.

3. الأمية الصحية… أفكار خاطئة تكلف المجتمع الكثير

لا يظهر التخلف الصحي فقط في ضعف البنية الاستشفائية، بل أيضاً في سلوك المواطن:

انتشار الممارسات التقليدية الضارة
التأخر في زيارة الطبيب
ضعف الوعي بالوقاية
عدم احترام نصائح المختصين

هذه «الأمية الصحية» ترفع كلفة العلاج، وتثقل كاهل الأسر، وتؤثر على الاقتصاد والإنتاجية.

4. الأمية الرقمية… إنسان خارج الزمن الرقمي

رغم انتشار الهواتف الذكية، ما يزال جزء كبير من المجتمع يجهل أبسط المهارات الرقمية:
ملء استمارة، تحميل وثيقة، إرسال بريد إلكتروني، تتبع ملف إداري…

هذه الفجوة الرقمية تُقصي المواطن من خدمات أساسية وتجعله في تبعية دائمة للآخرين.
في زمن الرقمنة، من لا يمتلك المعرفة التقنية يعيش خارج إيقاع العصر.

5. الأمية الاقتصادية… سوء تدبير المال وتعطيل فرص النجاح

تتجلى الأمية الاقتصادية في:

غياب ثقافة الادخار
ضعف التخطيط المالي الأسري
الاستهلاك غير الضروري
عدم فهم المفاهيم الاقتصادية البسيطة (السعر، الاستثمار، المخاطرة…)

من لا يفهم الاقتصاد اليوم يجد نفسه خارج دائرة الفرص والإنتاج.

خلاصة: بناء الإنسان… الركيزة الأولى لكل إصلاح وتنمية

إن تجاوز هذه الأمّيات لا يتحقق فقط عبر البرامج الحكومية أو الأوراش الكبرى، بل يحتاج إلى ثورة ثقافية ومجتمعية تبدأ من المدرسة، وتستمر داخل الأسرة، وتُدعم عبر الإعلام ووسائل التواصل.
فجميع هذه الأمّيات تجعل المواطن الحلقة الأضعف في مسار التنمية، وتحدّ من أثر كل إصلاح.

ولا يمكن للمغرب أن يحقق إقلاعاً حقيقياً دون بناء «الإنسان القادر»: القادر على القراءة والفهم، على معرفة حقوقه وواجباته، على استعمال التكنولوجيا، على تدبير حياته الاقتصادية، وعلى تبني سلوك صحي وقانوني سليم.

فالإصلاح الحقيقي يبدأ من الإنسان، وتنمية المغرب لن تكتمل إلا ببناء هذا الإنسان الذي يشكّل أساس كل تقدم وعماد كل نهضة.

المصدر: العمق المغربي

شاركها.