بعد أسابيع من الترقب والانتظار أفرجت الأمانة العامة للأمم المتحدة أخيرا عن النسخة العربية من القرار 2797 الصادر عن مجلس الأمن بشأن الصحراء المغربية، لتضع بذلك حدا للجدل الذي أثارته تحفظات الجزائر على صياغة الوثيقة، وتؤكد المنظمة الدولية تمسكها بلغة النص الأصلي دون أي تعديل أو تغيير في الجوهر.

وفي هذا الصدد أكدت الصياغة العربية أن الأمم المتحدة لم تُغيّر شيئا من الإطار الذي صاغه حامل القلم الأمريكي، وأن الجزائر تظل طرفا رئيسيا في هذا النزاع الإقليمي، رغم محاولاتها المتكررة لحصر العملية السياسية بين المغرب والبوليساريو.

وفي ما يتعلق بالمقترحات السياسية شدد القرار في نسخته العربية على أن المبادرات المقدمة من الأطراف لا تطرح كخيارات أو بدائل بقدر ما تناقش ضمن الإطار الوحيد الذي حدده مجلس الأمن، والمرتبط حصرا بمسار الحكم الذاتي الذي تقدم به المغرب؛ وهي إشارة لقطع الطريق أمام أي محاولة لتمرير مبادرات خارج هذا السقف أو تصويرها كحلول موازية.

ومع نشره رسميا بست لغات يضع القرار 2797 نهاية لمحاولات إعادة تأويل مضمونه أو قراءته بصورة انتقائية؛ إذ تعيد هذه النسخة بصياغتها الرسمية تأكيد ثوابت العملية السياسية، وتمنح النقاش زخما جديدا يقوم على الشفافية واحترام المرجعية الأممية، وذلك بعد أسابيع من الجدل الذي أثارته الضغوط الجزائرية ومحاولة التأثير في لغة القرار ومصطلحاته القانونية.

تهدئة ظرفية

في هذا الصدد يرى الفاعل السياسي دداي بيبوط أن اعتماد مجلس الأمن القرار 2797، وتجديد ولاية بعثة المينورسو لعام إضافي، شكل منعطفا حقيقيا في طريقة تعاطي المجتمع الدولي مع نزاع الصحراء المغربية، قاطعا مع روتينية النقاش التي كانت تنحصر في تمديد المهمة الأممية أو تقليصها.

وأضاف بيبوط، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن الترافع السياسي والدبلوماسي المغربي، المستند إلى التوجيهات الملكية السامية، أفرز واقعا دوليا جديدا تجلّى في تنامي الدعم الدولي لمقترح الحكم الذاتي، وتزايد الاعترافات بمغربية الصحراء، وترجمة ذلك ميدانيا من خلال افتتاح القنصليات بمدينتي العيون والداخلة؛ وهو ما توج باعتماد قرار أممي تاريخي يضع مبادرة الحكم الذاتي في صدارة أي مفاوضات مستقبلية.

وأوضح الباحث في التاريخ المعاصر والحديث أن ما يُروَّج حول إمكانية تعدد القراءات للقرار 2797، أو انفتاحه على خيارات من قبيل تقرير المصير المؤدي إلى الانفصال، لا يعدو أن يكون محاولة لخلق تهدئة ظرفية في السياق الجزائري وداخل المخيمات، مشيرا إلى أن “جوهر القرار يعكس تحوّلا فعليا في التعاطي مع هذا النزاع الإقليمي”.

وبخصوص المقترحات السياسية أكد المصرح لهسبريس أن مجلس الأمن تبنى لأول مرة مقترح الحكم الذاتي لعام 2007 كأساس «جدي وواقعي» و«أكثر قابلية للتطبيق»، داعيا الأطراف إلى الانخراط في مفاوضات دون شروط مسبقة؛ وهو ما يجعل من مبادرة الحكم الذاتي قاعدة وحيدة للمسار السياسي، وليست خيارا موازيا أو بديلا ضمن سلة أخرى من المقترحات.

ولفت المتحدث ذاته الانتباه إلى أن القرار 2797 يمثل تطورا جوهريا مقارنة بالقرارات السابقة التي كانت تكتفي بالإحاطة بالمبادرة المغربية أو الترحيب بها ضمن أخرى، دون التنصيص على مكانتها المرجعية أو أسبقيتها، بينما يضع القرار الجديد الخطة المغربية لأول مرة كوثيقة أساسية تؤطر العملية السياسية المقبلة، وتابع: “إن غياب أي إشارة في نص القرار إلى تنظيم استفتاء على الاستقلال يعكس اعترافا ضمنيا بعدم قابلية هذا الخيار للتطبيق، وعدم قدرته على توفير تسوية عادلة ودائمة للنزاع أو وضع حد لمعاناة المحتجزين بمخيمات تندوف”.

وفي هذا السياق سجل دداي بيبوط أن القرار الأممي الأخير ينقل الملف إلى مرحلة جديدة أكثر وضوحا وتوازنا، ويمنح زخما إضافيا للمسار السياسي، الذي يرسخ مبادرة الحكم الذاتي كحل وحيد ذي مصداقية لإنهاء هذا النزاع الإقليمي المفتعل.

إقبار الاستفتاء

مينة لغزال، منسقة تحالف المنظمات غير الحكومية الصحراوية، قالت إن القرار الأممي رقم 2797 يؤكد مركزية مقترح الحكم الذاتي الذي تقدمت به المملكة المغربية منذ 11 أبريل 2007 كحل عادل وجدي، قادر على تلبية تطلعات الصحراويين في الاستقرار والأمن ولم الشمل مع عائلاتهم بالأقاليم الجنوبية للمملكة، مضيفة أن “الحكم الذاتي الحقيقي تحت السيادة المغربية يشكل الحل الأكثر جدوى وقابلية لحل النزاع المفتعل”.

وأوضحت لغزال، ضمن تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن القرار رحب بالتزام أعضاء مجلس الأمن بتسهيل تقدم العملية السياسية والمفاوضات القادمة بدون شروط مسبقة وبحسن نية، في إشارة إلى توافق دولي واسع مع الموقف الذي طالما دافع عنه المغرب وحلفاؤه، لافتة إلى أن “التصويت على القرار يعكس دعما قويا لمقترح المملكة وإجماعا بين الدول العربية والغربية والإفريقية على جدية وواقعية الخطة المغربية”.

واسترسلت المتحدثة بأن القرار رقم 2797 يجعل من مقترح الحكم الذاتي الأرضية الوحيدة للتفاوض على حل سياسي يهدف إلى كسر الجمود وإنهاء حالة تأبيد النزاع، مشيرة إلى أن “المملكة المغربية أكدت بهذا القرار لحظة تاريخية وانتصارا دبلوماسيا مدويا يعزز موقفها في أي مفاوضات مستقبلية، ويقطع الطريق أمام محاولات إدراج خيار الاستفتاء الذي تطالب به البوليساريو والجزائر”.

وأكدت الفاعلة الحقوقية ذاتها أن القرار يهدف إلى ضخ زخم جديد في العملية السياسية المتعثرة تحت رعاية المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة ستافان دي ميستورا، ويضع أساسا أكثر تركيزا للمحادثات، مبرزة أن أي محاولة للجزائر أو البوليساريو لتعطيل المسار لن تغير من الطبيعة المرجعية للعملية التي تميل بوضوح لصالح موقف المغرب.

ونبهت المصرحة نفسها إلى أن القرار يعزز عزلة تنظيم البوليساريو والجزائر إذا اعتبرتا أن العملية متحيزة لصالح المغرب، مؤكدة أن “هذه المرجعية الواضحة توفر قاعدة ثابتة لأي مفاوضات مستقبلية، وتقطع الطريق أمام أي محاولة لتقديم بدائل لا تتوافق مع مقترح الحكم الذاتي المغربي”.

وخلصت مينة لغزال إلى أن القرار رقم 2797 يشكل فرصة لإعادة دينامية العملية السياسية، ويضع حدا للجمود المستمر منذ عقود، مشددة على أن “الحل الأممي المستند إلى الحكم الذاتي المغربي يمثل الخيار الأكثر واقعية وعدالة لجميع الأطراف المعنية”.

المصدر: هسبريس

شاركها.