الأكاديمي إبراهيم بورشاشن يقرّب تاريخ الفلسفة الإنسانية من جمهور العربية
سلسلة فكرية جديدة عممتها جامعة محمد بن زايد للعلوم الإنسانية، يقدمها مدير الدراسات الفلسفية بها، الأكاديمي المغربي إبراهيم بورشاشن، وتقرب تاريخ الفلسفة الإنسانية من جمهور العربية.
هذا التاريخ المختصر للفلسفة منذ ما قبل سقراط يقدَّم عبر حلقات تقلّ مدتها عن ساعة من الزمن، وتروم “تقريب المواضيع والإشكالات الكبرى التي عرفها تاريخ الفلسفة الممتد في الزمان والمكان” للناشئة والجمهور العام، بالمنطقة المتحدثة باللسان العربي.
ونفى بورشاشن عن السلسلة التشجيع على التعرف على الفلسفة كثقافة عامة فقط، بل يقدم تاريخها بوصفه تاريخ مختبر لـ”تطور الأفكار، ومدرسة لتعلم الاختلاف، والنسبية المعرفية”.
وتابع واصفا إياها بـ”المدرسة” التي تعلم أن “الأفكار تتميز بطابع من الاستقلال، وأنها تحمل في ذاتها حجيتها، وأن الاعتراض عليها بالحجج والأدلة مظنة إغناء الفكر وتجويده”.
وواصل: “للتفكير النقدي أهمية قصوى في تاريخ الفلسفة وحياة المجتمعات، ونسبية المعرفة حقيقة جلية يقدمها لنا تاريخ الفلسفة على طبق من ذهب، ويوقفنا تاريخ الفلسفة على الحوار المبدع بين الفلسفة والأسطورة، والفلسفة والمِلَّة، والفلسفة والعلم؛ وهو حوار غني عرفته الإنسانية عبر تاريخها المتشبع، لكن مع اليونان أنشأ هذا الحوار التفكير النظري”.
وزاد شارحا: “أضفت الفلسفة اليونانية طابعا عقلانيا على الأسطورة، كما أنشأ هذا الحوار الغني التفكير الفلسفي في المسيحية واليهودية والإسلام، كما يظهر ذلك في أعمال فيلون اليهودي، والقديس أوغسطينوس المسيحي، وأبي نصر الفارابي المسلم؛ فالحوار بين العقل واللاعقل ظل يغذي الفلسفة باستمرار”.
وأضاف مدير الدراسات الفلسفية بجامعة محمد بن زايد: “في تاريخ الفلسفة سعي حثيث لعقول كبار في مضمار البحث عن الحقيقة، لم تشغلهم شؤون الحياة ولا تصاريفها عن التعبد في محراب الحقيقة”، مبرزا ما في تاريخ الفلسفة هذا من “لفت لعناية الشباب والطلاب إلى أهمية المعرفة الوجودية، ومنزلتها الكبرى في سياق التاريخ الحضاري للعلم، وأهمية الأدوات المختلفة التي تُنال بها عند مختلف الأمم التي ركبت قطار التفكير النظري من عقل وتجربة وحدس وتطهير”.
ومن شأن الاطلاع على تاريخ الفلسفة أيضا تيسير التعرف على إسهام “محبة الحكمة” في “تطوير الفكر النظري”؛ فـ”يندر أن تجد عالما لم يكن له شفوف في الفلسفة، أو فيلسوفا لم يكن على اطلاع بقضايا العلم، حتى العصر الحديث مع الوضعية الفلسفية مع أوغست كونت على الأقل”.
ويُتوسّل بتدريس “تاريخ الفلسفة”، أيضا، في تشرّب “الحضور القوي للفكر الفلسفي الأخلاقي، والجمالي، والحقوقي، في عنايته بالخير والحق والجمال، والتأكيد على التناسق والانسجام والكمال”، وهذا وفق بورشاشن: “معطى جدير بالاهتمام في عصر بدأ يفقد كثيرا من المعنى، حتى إن الحاسة الأخلاقية لتكاد أن تضمر فيه لولا بقية من أهل العلم والحكمة من جميع أنحاء العالم، يسعون إلى إعادة الروح إلى جسد الحضارة المعاصرة”.
ومن بين القضايا التي تشير إليها السلسلة “الأصل الشرقي للفلسفة”، الذي كان من بين من اعترف به أفلاطون، مع الحديث عن ما يوجبه هذا المعطى من “إعادة النظر في القول الفلسفي وتاريخه”.
وتأتي هذه الحلقات بعد سلسلة السنة الماضية، 2022، التي قدمها إبراهيم بورشاشن، في إطار مركز الدراسات الفلسفية التابع للجامعة، بعنوان “فلاسفة مسلمون”، واهتمت بتجارب أعلام من قبيل الكِندي، وابن طفيل، والفارابي، وابن باجة، والغزالي، وابن رشد، وابن سينا.
وبيّنت هذه الحلقات “المعالم الكبرى للفلسفة الإسلامية من خلال الوقوف عند أعلامها الكبار”، فـ”الفلسفة الإسلامية (…) نشأت في ظل حضارة دينها الإسلام وكتابها القرآن الكريم، ولسانُها عربيٌّ مبين، وأجواؤها منفتحة على حضارات عريقة تفاعلت معها الحضارة الإسلامية وأخرجت أحسن ما فيها، واستفادت الفلسفة الإسلامية من حضارات متعددة أبرزها الحضارة اليونانية. لذلك، تعددت عوامل نشأة الفلسفة عند المسلمين بين عوامل داخلية وأخرى خارجية”.
والأكاديمي المغربي إبراهيم بورشاشن، مدير مركز الدراسات الفلسفية بجامعة محمد بن زايد بالإمارات وعضو هيئة التدريس بها، متخصص في الفلسفة الإسلامية، وقد صدرت له كتب؛ من بينها “مع ابن طفيل في تجربته الفلسفية”، و”الفقه والفلسفة في الخطاب الرشدي”، و”الوحي والفلسفة.. مدخل لفهم تراثنا الفلسفي”.
المصدر: هسبريس