الأغلبية تمتطي صهوة المعارضة.. هل تعصف التسخينات الانتخابية بانسجام الحكومة؟

على بعد أكثر من عام من موعد الانتخابات التشريعية بالمغرب، بدأ يتصاعد بشكل واضح “خطاب المعارضة” لدى بعض القياديين في الأحزاب المشكلة للتحالف الحكومي، وهو ما فسره مراقبون بأنه مجرد “تسخينات انتخابية”، في السنة الأخيرة من عمر الحكومة الحالية.
هذا النوع من الخطاب وجد موطأ قدم له بالبرلمان، بحيث انتقد الفريق النيابي للبام تدبير قطاع الماء الذي يديره الوزير الاستقلالي نزار بركة، فيما انتقد الفريق الاستقلالي استمرار “تعقيد المساطر والإجراءات الإدارية”، وهو انتقاد صريح موجه لقطاع تدبره البامية غيثة مزور.
هذا النوع من الخطاب المعارض لم يتوقف عند هذا الحد، بل وجد طريقه إلى لسان الأمين العام لحزب الاستقلال ووزير التجهيز والماء، نزار بركة، الذي انتقد في تجمع حزبي بإقليم الجديدة، قبل أيام، استمرار ارتفاع الأسعار ودعا التجار إلى أن “يتقوا الله” في المواطن، مهاجما المضاربين في الأسعار.
يأتي كل هذا في وقت أشادت فيه رئاسة الأغلبية الحكومية، بـ”التراكمات الإيجابية التي حققتها” و”التماسك والانسجام الذي يطبع عملها، والتقائية مواقفها تجاه مختلف القضايا الحيوية بالمملكة”، وهو ما يسائل هذا التماسك والانسجام ومدى صمود التحالف الحكومي كلما اقترب موعد الانتخابات.
“تحالف مصطنع”
في هذا الصدد، أشار المحلل السياسي ورئيس مركز شمال إفريقيا للدراسات والأبحاث وتقييم السياسات، رشيد لزرق، إلى أن الحكومات تكون في المغرب دائما ائتلافيه، نظرا لطبيعة نمط الاقتراع الذي ينسجم مع طبيعة المجتمع المغربي، بحسب تعبيره.
لذلك، يقول لزرق في تصريح لجريدة “العمق”، فإن الحكومة تشكلت من الأحزاب الثلاثة الأولى بحسب نتائج الانتخابات، التجمع الوطني للأحرار والأصالة والمعاصرة والاستقلال، وهي نفسها الأحزاب المشكلة لمجالس أغلب الجماعات الترابية، لذلك فأي اختلال في الانسجام الحكومي يمكن أن ينعكس على الجماعات”.
فـ”كلما اقتربت الانتخابات تكون خطورة المناوشات بين أحزاب التحالف الحكومي أخطر، ويمكن أن تؤدي إلى تصدع التحالف على مستوى الحكومة وعلى مستوى والجماعات الترابية”، يقول المتحدث، مشيرا إلى أن تقارب نتائج الأحزاب المشكلة للحكومة في الانتخابات الماضية هو ما يعزز التنافس اليوم.
هذا التنافس، بحسب رشيد لزرق، لم يظهر في بداية تشكيل الحكومة حيث بدا التحالف بين الأحزاب “منسجما وقويا”، لكن “تبين فيما بعد أنه مصطنع”، فأضلاع التحالف الحكومي “ترى نفسها بأنها انتخابيا قريبة من قيادة الحكومة القادمة، وهذا يؤجج الصراع”.
وأوضح أن التصريحات الأخيرة لنزار بركة تأتي في هذا السياق، فهي عبارة عن “تسخينات انتخابية”، و”تكتيك انتخابي غايته التنصل من المسؤولية السياسية”، مشيرا إلى أن التنافس سيلبغ أوجه في الأمتار الأخيرة من الولاية الحالية، “وهناك مؤشرات على انفجار التحالف قبل موعد الانتخابات”.
“تحالف وليس اندماج”
لكن القيادي في حزب الاستقلال والمستشار البرلماني، عبد القادر الكيحل، فقد هون من تأثير خرجات قياديين في أحزاب التحالف الحكومي على انسجام الأغلبية، قائلا إن ما يميز هذا الحالف هو التوافق بين مكوناته، منبها إلى أنه “لا يعني اندماجا بين الأحزاب”.
وتابع الكيحل، في تصريح لجريدة “العمق”، أن مكونات الأغلبية الحكومية تطرح القضايا الأساسية وتناقشها في إطار هيئة رئاسة الأغلبية، وانتقد “إخراج بعض التصريحات (تصريحات قياديين في أحزاب التحالف الحكومي) عن سياقها”.
ومن هذه التصريحات التي “تم إخراجها عن سياقها” يقول الكيحل، التصريح الأخير لنزار بركة، موضحا أن خطاب الأمين العام لحزب الاستقلال جاء موجها إلى بعض التجار والفاعلين الاقتصاديين الذين يتاجرون في الأزمات، وليس إلى الحكومة أو أحد مكوناتها، بحسب تعبيره.
وأوضح أن الحكومة اتخذت جملة من الإجراءات لمواجهة الغلاء والتضخم، ضمنها تخصيص الدعم لمجموعة من المواد مثل دعم استيراد المواشي واللحوم الحمراء، “لكن الملاحظ أنه على الرغم من الأموال التي صرفت في الدعم إلا أن الغلاء ظل لصيقا بعدد من المنتجات ولم ينعكس الدعم بالشكل المطلوب على المواطن”.
وخلص القيادي في حزب الاستقلال إلى أن خطاب نزار بركة كان موجها إلى “مستغلي الأزمات”، فالأمر “يتعلق ببعض السلوكات التي ترتبط بفئة من المواطنينن، وبركة باعتباره فاعلا سياسيا وأمينا عاما لحزب سياسي، فهو يوجه رسائله إلى المواطنين”.
ولم يلمس عبد القادر الكيحل أي تأثير في هذه التصريحات على عمل الحكومة أو انسجام مكوناتها، منبها إلى أن “الأحزاب السياسية موجودة من أجل التدافع، والتحالف الحكومي لا يعني الاندماج”، بل يعني “احترام ميثاق الأغلبية، وإلى حدود اليوم الكل ملتزم بهذا الميثاق”.
المصدر: العمق المغربي