الأشعري يخوض في الرواية والخطاب البصري
في مداخلة له بعنوان “الرواية والأثر”، قال الروائي والشاعر المغربي محمد الأشعري إن “التأمل في الوشائج التي انتسجت بين الكتابة عموما والرواية على وجه الخصوص وتجربة الفنون التشكيلية في المغرب التي هي تجربة حديثة جدا، يبين أنها كانت تجربة مخلخلة”، ولذلك تساءل الأديب المغربي: “كيف كان الشعراء والروائيون والقصاصون يكتبون نصوصهم قبل انفجار التجربة التشكيلية في حقلهم الثقافي؟”.
وشدد الأشعري، في مداخلته التي ألقاها ضمن “ملتقى الرواية العربية”، على أن “اللغة والبناء والرؤية في أي لغة كانت تتفاعل وتتأثر وتغتني وتتحول بحسب تطورات النظام البصري المحيط بها”، ومن ثم، التساؤلات حول العلاقة بين الرواية والأثر هي تساؤلات قد تبدو مفتعلة، خصوصاً ونحن نعرف أن مستويات تلقي التجربة التشكيلية ليست متجانسة ولا متساوية ولم تكن إلا في لحظات سريعة من تاريخنا الثقافي موضوع تفكير وتحليل وحوار مشترك”.
وبعد تأكيده أن مداخلته ستصب في الحديث عن التجربة المغربية حصراً، قال وزير الثقافة الأسبق: “هي أسئلة تبدو مفتعلة أيضا، لكونها قد توحي بأن انفجار هذه التجربة التشكيلية قد حدث في أرض خلاء لم تكن تتوفر على نظام بصري متعدد التعبيرات”، مبينا أن “هذا النظام البصري كان متواجدا بطرق أخرى، وكان حاضراً عبر المعمار والزخرفة والنسيج والطرز والحلي والوشم والكوريغرافيا، وكانت له وشائج قوية مع اللغة، من الناحية الشكلية والروحية أيضا”.
وتابع قائلا: “لاحظنا أن عددا من المهتمين بهذا النظام البصري الذي يرجعه البعض إلى مرحلة ما قبل التاريخ، إلى مرحلة النقوش الصخرية الكثيرة في مناطق عدة بالمغرب، يرون أنه ظل مفتقرا في جل أطواره إلى ما وسم الظاهرة في الغرب، أي ربط المنتوج البصري بالفرد، أو الشخص المبدع، وليس بالتراث الجمعي فقط، وارتكازه تاريخيا على سند اللاهوت، الذي شكل فيه الاحتفاء بالمعبود بعدا أساسيا في تكوين النظام البصري”.
وأضاف المتحدث في محور “الرواية العربية والخطاب البصري” ضمن موسم أصيلة الثقافي الدولي الـ44: “كانت ملاحظة هامة تساعد على فهم الصدمة التي مثلها الانتقال الطارئ من النظام القديم إلى النظام الجديد، الذي كان مستفزا بأسئلته وقضاياه”، بالرغم “من القضايا التي أحاطت به، كالانفصام الواضح بين التشكيل والمدينة أو بين التشكيل والمعمار، أو بالحضور الخجول للنحت الكلاسيكي، الذي من أبرز إنجازاته في الغرب إعادة إنتاج الجسد كبعد روحي وكبعد حسي جمالي”.
وعد صاحب رواية “العين القديمة” أن “من المهم أن نعود إلى تحليل هذه الصدمة، لأن ذلك سيمكننا من فهم أفضل للميكانيزمات التي تحكمت في تشكيل ثقافتنا البصرية الحديثة، ومن فهم أفضل للشروخ التي ما تزال مفتوحة أو كامنة في هذه الثقافة”، معتبرا أن “من المفيد أن نتساءل: كيف تلقينا ونحن نشتغل كشعراء وكروائيين في قلب اللغة هذه اللغة الجديدة؟ وهل هي أولا لغة؟ وهل هذه الشبكة من الرموز والإشارات من المساحات والأحجام من المواد والحركات هي تعبير فوق لغوي؟”.
وفي محاولة البحث عن الوشائج بين النثري والبصري، ذكر المتحدث ملاحظة لعبد الكبير الخطيبي أثارته بخصوص الرسام المغربي الجيلالي الغرباوي ونظيره أحمد الشرقاوي عندما اعتبرهما نص له “إشارتين لغويتين”، وأوضح: “الأولى من لغة الغرب، أي الغرباوي، الذي تكوّن في باريس، والثانية من لغة الشرق بمعناها الأوروبي، باعتبار أن الشرقاوي تكون في أوروبا الشرقية”، وعلق الأشعري: “لا أظن أن الملاحظة تعتمد فقط على التمييز بين التكوينين، بل هي مسألة تمييز بين الرمزية القلقة التي اتسمت بها أعمال الغرباوي، والإشراق الداخلي للشرقاوي”.
وأورد الروائي المغربي: “نحن أمام لغتين إذن، وفق تعبير الخطيبي، وضعتنا فجأة وجها لوجه أمام اللغة الأدبية التي نكتب بها، وأمام تحولاتها التي استغرقت قرونا عديدة؛ فعربيّتنا اليوم لا علاقة لها، إلا من الناحية الفونيتيكية والتركيبية، باللغة القديمة، كما وضعتنا أمام تاريخها السياسي والاجتماعي وأمام تحررها وقيودها وأمام إمكاناتها الفعلية أو المحتملة، وأيضا أمام قصورها المزمن”.
وهنا أشار مبدع رواية “القوس والفراشة” إلى “الغليان الذي عرفه الحقل الأدبي في نهاية السبعينات والثمانينات من القرن الماضي فيما يتعلق بعلاقة التشكيل بالأدب، وحول علاقة التشكيل المغربي بجذوره التاريخية من جهة أخرى”، موضحا أن “في هذه الفترة تناسلت نصوص كثيرة اشترك فيها أدباء وفنانون تشكيليون، خصوصا في مجال الشعر”، وزاد: “في نفس الآن نشطت الكثير من الجمعيات والمؤسسات الثقافية في تقديم هذه التجربة وفق منظور نقدي”.
وأكد الأشعري أن هذا البعد النقدي كان “يسائل علاقة ما تنتجه هذه الحركة في ارتباطه بجذورها الثقافية وبالأسئلة الجديدة التي تطرحها على الفن والأدب في نفس الآن”، لافتا إلى أن “هذا النقاش كان منتِجاً لحوار متعدد الأبعاد والمقاربات ولامس قضايا ليست من صميم الإبداع ولكن لها علاقة بالمجتمع، كقضايا الهوية والحرية واستقلال الحقل الإبداعي، وفي هذا الإطار نشطت الكثير من التجارب مثل تجربة المجلات الثقافية المتخصصة في التشكيل، قبل أن يحدث نوع من الفصام فيما بعد”.
المصدر: هسبريس