الأسعار الحالية غير مبررة
لطالما كانت السياحة الداخلية ركيزة أساسية للاقتصاد الوطني، وتشكل فرصة مهمة لاستكشاف جماليات الوطن وتنشيط الحركة الاقتصادية في مختلف المناطق. إلا أن هذا القطاع الحيوي يواجه تحديات كبيرة في الآونة الأخيرة، أبرزها الارتفاع الملحوظ في أسعار الخدمات السياحية.
هذه الزيادات التي طالت الفنادق والمطاعم والمقاهي، أصبحت حديث الساعة على منصات التواصل الاجتماعي، حيث عبّر المواطنون عن استيائهم من هذه الممارسات التي تحرمهم من الاستمتاع بعطلاتهم في وطنهم، ما جعهلم يتسائلون عن الأسباب الكامنة وراء هذا الارتفاع، وهل هناك آليات كافية لضبط الأسعار وحماية حقوق المستهلك؟.
في هذا السياق، أوضح المحلل الاقتصادي، عمر الكتاني، أن في ظل تصاعد تكاليف السياحة الداخلية، أصبح العديد من المغاربة يفضلون التوجه إلى وجهات أوروبية مثل إسبانيا، حيث تقترب تكلفة السياحة هناك من تلك المتواجدة داخل المغرب، إن لم تكن أقل، ما يعكس تدهوراً ملحوظاً في قطاع السياحة الداخلية، والذي كان في وقت سابق خياراً مفضلاً للكثيرين.
وفقاً لما صرح به المحلل الاقتصادي عمر الكتاني، فإن السياحة الداخلية أصبحت مكلفة بشكل يثير الدهشة، مما أدى إلى تحول عدد كبير من السياح المغاربة نحو الخارج.
وأضاف المتحدث أن مدة الإقامة السياحية داخل البلاد قد تقلصت أيضاً، حيث بات المواطن الذي كان يقضي أسبوعين في إجازته يختصر الآن مدة إقامته إلى أسبوع واحد بسبب ارتفاع التكاليف.
وأشار المحلل السياسي، إلى الانخفاض الملحوظ في عدد ليالي المبيت داخل الفنادق، حيث بدأ المواطنون يفضلون الفنادق ذات التكلفة المنخفضة لتقليل النفقات.
وحسب الخبير فإن هذه المظاهر تعكس بوضوح الأزمة التي تعاني منها السياحة الداخلية جراء الارتفاع غير المسبوق في الأسعار، حيث باتت تكلفة قضاء ليلة واحدة في فندق خمس نجوم تصل إلى 2000 درهم.
ويرى الكتاني أن هذا الارتفاع الكبير في الأسعار لا يمكن تبريره سواء بزيادة تكاليف المواد الأولية أو اليد العاملة، مشيرا إلى أن العديد من العاملين في القطاع يسعون لتعويض الخسائر التي تكبدوها خلال فترة جائحة كورونا، عبر رفع الأسعار بنسبة تتراوح بين 60 و70 بالمئة، ما يؤدي إلى تأثيرات سلبية على الاقتصاد الوطني وقطاع السياحة الذي يلعب دوراً حيوياً في توفير فرص العمل.
وفي سياق متصل، أكد المتحدث أن انتشار ظاهرة التسول في المدن السياحية بات يؤثر سلباً على جاذبية هذه المدن للسياحية، سواء كانوا مغاربة أو أجانب، مشيراً إلى أن هذه الظاهرة أصبحت مشكلة بنيوية وليست ظرفية.
كما أعرب المحلل الاقتصادي في تصريح لـ “العمق” عن شكوكه حيال دقة الإحصائيات التي تقدمها وزارة السياحة، مشيراً إلى أنه يتم احتساب الزوار الذين يمرون عبر البلاد مروراً مؤقتاً كجزء من السياح، بالإضافة إلى احتساب مغاربة المهجر على أنهم سياح، وهو أمر غير منطقي، حسب الكتاني، معتبرا أن العدد الحقيقي للسياح الفعليين قد لا يتجاوز 6 ملايين.
وخلص المتحدث بالتأكيد على أن الدولة تستفيد من ارتفاع الأسعار من خلال زيادة الضريبة على القيمة المضافة التي تذهب مباشرة إلى خزينة الدولة أو يتم توجيه جزء منها إلى الجماعات الحضرية والقروية، رغم أن تأثير هذه الإيرادات على مستوى الإنجازات ما زال محدوداً.
جدير بالذكر أن بوعزة الخراطي، رئيس الجامعة المغربية لحقوق المستهلك، أكد في تصريح سابق لـ “العمق” أن الإقبال الكبير على السلع والخدمات، يؤثر بشكل مباشر على الأسعار وفقًا لقانون العرض والطلب، إذ أنه كلما ارتفع الطلب على سلعة معينة، ارتفع سعرها، مشيرا إلى أن الإعلان عن الأسعار يعد أمرًا إلزاميًا وضروريًا لضمان الشفافية والنزاهة في السوق.
وأوضح الخراطي أن البعض يستغل هذه الفترة لزيادة الأسعار على حساب المواطنين، إلا أن الأهم يكمن في الالتزام بالإشهار بالأسعار وفقًا للقانون الصادر سنة 2000، الذي يهدف إلى حماية حقوق المستهلكين وضمان نزاهة التعاملات التجارية.
وأضاف المتحدث أن العديد من المواطنين لم يستوعبوا بعد وجود قانون يمنح البائع الحق في تحديد سعر السلع والخدمات التي يقدمها، وفي نفس الوقت يمنح المستهلك الحق في رفض شراء هذه السلع إذا كانت الأسعار غير مناسبة لهم. مشددا على أن المستهلك يجب أن يتبنى مبدأ عدم شراء السلع مرتفعة الثمن لدفع البائعين إلى خفض الأسعار.
المصدر: العمق المغربي