كلما حل موسم الامتحانات الإشهادية، يطفو على السطح مشكل التصدي لظاهرة الغش الذي تنامى مؤخرًا بشكل ملفت، حتى أصبح في اعتقاد الكثير من التلاميذ أنه حق مشروع . مما يضع الأستاذ المكلف بالحراسة على المحك، فيجد نفسه مجبرا على أن يختار بين ما يمليه عليه ضميره وواجبه الأخلاقي والمهني ، وبين خوفه على نفسه وسلامته من أن يلحقه الأذى من التلاميذ أو أولياء أمورهم الساعين لتحقيق النجاح بأي شكل من الأشكال وبكل الطرق الممكنة.
يعي الأستاذ تمام الوعي بأن التلميذ يتعرض لضغوطات كثيرة قد تكون أسرية أو مجتمعية من خلال تمجيد النتائج الرقمية، بحيث تصبح النقطة المحصلة غاية في حد ذاتها لا وسيلة. فمحيط التلميذ، وفي أوقات كثيرة، قد لا يعطي قيمة لجهده المبذول طيلة السنة بقدر ما يركز على ضرورة حصوله على معدلات مرتفعة، خاصة أنها شرط ضروري لولوج المعاهد والمدارس العليا. كما أن الأسرة تخلت عن دورها الحقيقي في غرس قيم المثابرة ، الاعتماد على النفس ،الجد ،العدل و الإنصاف. ناهيك عن مشاكل التوجيه المدرسي ؛ فمعظم تلاميذنا، للأسف، لا يسلكون المسارات التعليمية وفقًا لميولهم وقدراتهم، بل يتتبعون المسارات التي يعتقد أنها ستضمن لهم الانفتاح على سوق العمل. يُضاف إلى كل هذا مشكل ضعف استيعاب المواد المدرسية نظرًا لصعوبتها أو لعدم توفيق الأستاذ في شرحها وتبسيطها وتحبيبها للمتعلم، علاوة على إشكاليات الدعم التربوي و نظام التقويم الذي قد لا يكون مرنًا وعادلًا أو يعتمد تصميم امتحانات قد تكون صعبة وغير واضحة.
أي أن التلميذ لا يتحمل وحده مسؤولية الغش، بل إنه نتيجة لتحالف مجموعة من الشركاء.
لكن الغريب، وفي زمن تغير منظومة القيم وتراجعها، أن الغش لم يعد يرتبط لزامًا بكل هذه الضغوطات على التلميذ، بل أصبح حقًا مكتسبًا تشجع عليه الأسر والمجتمع، وطريقًا سهلًا للنجاح نابعًا من قرار شخصي لتلاميذ يبحثون عن الاستفادة من الفرص بأقل جهد ممكن، بل ويشجعون أقرانهم على هذا الفعل ويتأثرون ببعضهم البعض. وكل أستاذ يحاول منعهم فسيصطدم بدفاع قد يكون عدوانيًا مع تلاميذ مروا من تطبيع داخلي مع الغش، بل ووجدوا له تبريرًا أخلاقيًا جديدًا.
فيجد الأستاذ نفسه، بتمثله الأكاديمي والأخلاقي للغش، في مواجهة شرسة مع تلاميذ وأولياء أمور صنعوا تمثلًا اجتماعيًا مختلفًا له، بعيدًا كل البعد عن قيم النزاهة وتكافؤ الفرص والعدالة. كل هذا يولد لدى الأستاذ شعورًا بالضغط النفسي والتوتر والخوف، كما يؤثر على أدائه وعلاقاته مع التلاميذ وأولياء أمورهم، كما ويجعله يصل إلى التفكير في جدوى تعبه وجهده طول السنة. خصوصًا أنه يعلم أن الحل متمثل في تغيير السياسة التعليمية التي تركز على نسب النجاح، وفي توفير كاميرات مراقبة و أجهزة للكشف على وجود هواتف محمولة في قاعات الامتحان، بالإضافة إلى وسائل تكنولوجية وبرامج أو تطبيقات تمنع الوصول إلى الموارد غير المصرح بها، مع التركيز على مراجعة البرامج التعليمية والاعتماد على تقويم مستمر عوضًا عن التقويم الشامل، وتعليم مهارات فعالة تغني عن اللجوء للغش كوسيلة للنجاح.
وفي غياب دعم نفسي للأساتذة وتدريب في إدارة الامتحانات، وفي عدم وجود حماية حقيقية لهم من الاعتداءات التي قد يتعرضون لها أثناء تصديهم للغش، فإن البعض منهم، للأسف، يختار مكرهًا طريق التساهل والتغاضي عن الغش، مما يعمق الأزمة ويجعله يحس أنه شريك مباشر في هذه الجريمة وخيانة الأمانة. فهو أكثر من يعرف أن التطبيع مع الغش له عواقب وخيمة، كفقدان المصداقية للشهادات والدرجات العلمية، والتشكيك في قدرات الخريجين، وبالتالي فقدان الثقة في النظام التعليمي، مما قد يصاحبه تدهور تام لجودة التعليم وتأثير سلبي على فرص العمل.
ولا يمكننا الإنكار أن هناك من الأساتذة من يساهمون بسلوكياتهم غير المسؤولة في تكريس مبدأ الغش، بل وتحريض زملائهم والتلاميذ على المساهمة في هذا الفعل اللاأخلاقي، وهم أيضًا من تجدهم أول من يغشون في امتحانات ترقياتهم، مما يطرح تساؤلات عدة حول تمثل مفهوم الغش لديهم ولدى مجموعة من أطياف المجتمع، ومدى وعيهم بحدود مسؤولياتهم. لحسن الحظ، تبقى هذه الفئة قليلة مقارنة بالسواد الأعظم من الأساتذة الذين يحملون همّ التربية ويبحثون عن حلول فعالة للتصدي لظاهرة الغش.
في الختام، فلابد من العمل على محاربة هذه الظاهرة في شموليتها من خلال التفكير في نموذج تربوي موحد يكون مبنيًا على مراعاة القيم الأخلاقية والدينية وملزمًا للأسرة، تجنبًا لأي انزلاق تربوي قد يؤدي إلى انهيار القيم العليا للمجتمع.وأيضا بتطبيق قواعد وقوانين حازمة للتصدي للغش ، لأن تفشيه له آثار سلبية على الأستاذ والتلميذ والمجتمع ككل، بل وعلى التنمية الوطنية في جميع المجالات. وإذا كنا دائمًا ما ننادي بتوفير بيئة آمنة للتعلم، فهذا الأمن يجب أن يشمل المتعلم والأستاذ وجميع الشركاء التربويين.
المصدر: العمق المغربي