عبر تيار الأساتذة الباحثين التقدميين في النقابة الوطنية للتعليم العالي عن رفضهم لمضامين المذكرة لوزارية عدد 32542 بتاريخ 22 ماي 2025 بشأن ترقية الأساتذة الباحثين في الدرجة برسم سنة 2023، معتبرين أنها تعبر عن “منحى بيروقراطي مجحف يهدد الاستقرار والأمن الوظيفي والقانوني”، وأنها تجسد اختلالا في العدالة المجالية ولا تحترم التعدد المعرفي بين التخصصات الجامعية.

وسجل التيار في بيان توصلت جريدة “العمق” بنسخه منه، “قلقه العميق” إزاء “المنحى البيروقراطي” المذكور وإزاء “الاخلال بمبدأ تكافؤ الفرص، الذي يمهد لتراجعات خطيرة عن مكتسبات تاريخية ناضلت من أجلها أجيال من المناضلات والمناضلين”.

وشدد على أن “التأويل البيروقراطي التعسفي للمادة 9 من النظام الأساسي الجديد، والذي يفرض اعتماد “الجامعة بصفتها مؤسسة عمومية” كمؤسسة جامعية، بدل اعتماد الكلية أو المدرسة أو المعهد كمؤسسات جامعية مستقلة ذات سيادة أكاديمية، يعد مسا صريحا بمبدأ العدالة، وتهميشا للتخصصات، وانتهاكا لحق الأستاذ في التمثيلية الميدانية”.

وفي الوقت الذي اعتبر أن المذكرة الوزارية تأتي في سياق جامعي “يتسم بالتوترات المتصاعدة”، تساءل تيار الأساتذة الباحثين التقدميين عن “الأساس القانوني لما يسمى بلجنة العشريات المشار إليها في المراسلة المكملة؟”، وعن “مرجعيتها التنظيمية؟”، و”من خول لها صلاحية التقييم خارج الضوابط القانونية المعمول بها؟”.

وأبرز أن “فرض آليات تقييمية جديدة خارج أي إطار قانوني واضح، وبدون نقاش تشاركي مع الهياكل النقابية، يعد تجاوزا مرفوضا ومصدرا للشكوك حول جدية ما يسمى بالإصلاح”.

كما تساءل أيضا يكيف “سيتم احتساب نسبة 40% للترقية في ظل وجود نظامين أساسيين مختلفين ولكل نظام لجانه الإدارية المتساوية الاعضاء (اللجان الثنائية) الخاصة، وما هي مساطره المحددة”، وذلك على مستوى الجامعة.

وأوضح البيان “من جهة، هناك النظام الأساسي الخاص بالأساتذة الباحثين في التعليم العالي، الذي يتسم بتنوع في التخصصات، واختلاف بين الحقول المعرفية والعلمية، وتباين في شبكات ومعايير التقويم بين الكليات والمدارس والمعاهد والمراكز. في حين، النظام الأساسي الخاص بالأساتذة الباحثين في كليات الطب والصيدلة وطب الأسنان، يتميز بمساطر ولجان مستقلة”.

وتابع “وكيف يمكن، في ظل هذا الواقع التعددي، فرض معالجة موحدة أو مقاربة تجميعية دون الوقوع في خرق لمبدئي الإنصاف والتمايز المؤسساتي والعلمي؟”.

واعتبر البيان ذاته أن “أي محاولة لتذويب الفوارق البنيوية والتنظيمية بين النظامين داخل مقاربة مركزية مفتقدة للمشروعية القانونية، هي إجهاز صريح على الاستقلالية الوظيفية، وتقويض لمنطق الاستحقاق، وتشويه لمبدأ التقييم الأكاديمي الموضوعي، بل وتحول الغنى المعرفي والتخصصي الذي تزخر به الجامعة العمومية المغربية إلى عبء بيروقراطي يفرغ الإصلاح من مضمونه”.

وفي سياق متصل، سجل تيار الأساتذة الباحثين التقدميين غياب العدالة المجالية في اعتبار الجامعة مؤسسة بدل اعتبار الكلية أو المدرسة أو المعهد هي المؤسسة، مبرزا أنه على سبيل المثال لا يمكن “مقارنة جامعة بحجم جامعة ابن زهر، التي تضم أكثر من 23 مؤسسة جامعية، وتغطي خمس جهات، وتمتد على 53% من التراب الوطني، مع جامعات لا تتجاوز 6 أو 7 مؤسسات جامعية”.

هذا الأمر اعتبره التيار “تأويلا بيروقراطيا” وأيضا “محاولة يائسة تهدف في جوهرها إلى تقليص حصيص الترقية، بدافع خفض التكلفة المالية”.

واسترسل “فإثارة هذه التساؤلات لا تقتصر على البعد التقني، بل تجسد دفاعا مشروعا عن كرامة الأساتذة الباحثين وعدالة الجامعة”، مضيفا “أما تجاهلها، فهو تواطؤ مع مسار إداري تقنوقراطي يفرغ الإصلاح من مضمونه، ويحول الجامعة من فضاء للمعرفة والكرامة إلى فضاء للإقصاء والتهميش”.

إلى ذلك، عبر التيار عن إدانته الصريحة لهذا “المسار الإداري الجائر”، وطالب بفتح نقاش مؤسساتي ووطني شفاف حول تأويل النصوص المؤطرة لترقية الأساتذة الباحثين، وبتفعيل التمثيلية المحلية عبر المؤسسات الجامعية (كليات، مدارس، معاهد)، لا على مستوى الجامعة أو لجان فوقية تقنية تفتقر إلى المشروعية القانونية، إضافة إلى ضمان الإنصاف الأكاديمي، وصون التنوع المؤسساتي، واحترام التعدد المعرفي بين التخصصات الجامعية.

ودعا المكتب الوطني واللجنة الإدارية للنقابة الوطنية للتعليم العالي إلى “تحمل مسؤوليتهما التاريخية في الدفاع عن مفهوم “المؤسسة الجامعية” ككيان بيداغوجي وتنظيمي محلي مستقل”، كما دعاهما إلى “اتخاذ موقف نضالي واضح إزاء هذه الانحرافات الخطيرة والدعوة بتعجيل عقد اجتماع اللجنة الإدارية للنقابة الوطنية للتعليم العالي”، على حد تعبيره.

وطالب “جميع مكونات النقابة، من هياكل جهوية ومحلية وتيارات فكرية وسياسية، بتحمّل مسؤولياتها الكاملة في هذه اللحظة المفصلية، والتصدي الحازم لمحاولات تحويل الجامعة إلى مقاولة بيروقراطية بلا روح ولا تمثيلية حقيقية”، إلى “تحصين مفهوم “المؤسسة الجامعية” ضد أي تأويل بيروقراطي يفرغها من جوهرها.

وشدد على ضرورة احترام القوانين والمراسيم التنظيمية ذات الصلة، وعلى الخصوص: القانون المنظم للتعليم العالي (00.01) الفصل الأول الخاص بالجامعات “المواد 3 و4 و5” والفصل الثاني الخاص بالمؤسسات الجامعية “المواد 19و20 و21 و23” ؛ المادة 1 من المرسوم رقم 2.04.89 الصادر بتاريخ 7 يونيو 2004؛ المادة 9 من المرسوم رقم 2.23.545 الصادر بتاريخ 2 غشت 2023؛ المادة 14 من المرسوم رقم 2.96.793 بتاريخ 19 فبراير 1997.

كما أكد التيار في بيانه ذاته على “احتساب نسبة 40% للترقية على مستوى المؤسسة الجامعية (الكلية أو المدرسة أو المعهد)، لا على مستوى الجامعة”، داعيا إلى احترام خصوصية تنوّع التخصصات واختلاف شبكات التقويم بين مؤسسة وأخرى.

وأوضح أن “المعايير المعتمدة في كلية العلوم، مثلاً، لا تنطبق على كلية الآداب والعلوم الإنسانية أو كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية أو أي كلية أو مدرسة أو معهد تابع للجامعة، حيث تختلف الحقول العلمية، ومنهجيات البحث، ومعايير النشر. وبالتالي، فإن اعتماد شبكة تقييم موحّدة في فضاء جامعي متنوع هو أمر غير عادل وغير ممكن عمليًا”.

وشدد على أن “الجامعة ليست آلة تقنية لإنتاج الشواهد والمعايير، بل هي فضاء للكرامة، والحرية، والمعرفة، والنقد”، وأضاف أن “الهندسة الصامتة التي تحاك اليوم، من خلال لجان العشريات والتقييمات المركزية، لا تستهدف نظام الترقية فقط، بل تستهدف صورة الجامعة، وتحول الأستاذ إلى كائن إداري منزوع الصوت والموقع”.

المصدر: العمق المغربي

شاركها.