الأحزاب موالية للنظام المغربي .. والمؤسسة الملكية منحتني كل شيء
في أحدث حلقات برنامج “شهادات للتاريخ”، الذي تعدّه هسبريس وتقوم بتنشيطه الإعلامية نعيمة المباركي، يحلّ السياسي محمد بنعيسى ضيفاً وشخصية محورية لمناقشة مساره السياسي؛ وهو المعروف بتقلّده عدة مناصب مهمة في دواليب صناعة القرار في عهد الملك الراحل الحسن الثاني، إذ عينه وزيراً للثقافة، ثمّ سفيراً للمملكة المغربية لدى الولايات المتحدة الأميركية، قبل أن يصبح وزيراً للخارجية منذ 1999 إلى غاية 2007.
بنعيسى، المستشار البرلماني عن حزب الأصالة والمعاصرة في الولاية الحكومية الحالية، ورئيس مجلس جماعة أصيلة منذ أزيد من 40 سنة، يعدّ حاليا الأمين العام لمؤسسة منتدى أصيلة، التي تشرف على موسم أصيلة الثقافي الدولي. هذا الملتقى الذي يعتبر من أكثر الفعاليات الثقافية المغربية شعبية في الوسط الثقافي المتوسطي والشرق أوسطي والإفريقي، بحكم انفتاحه على شخصيات ثقافية من مختلف المشارب. وهنا تكمن نقطة قوّة ضيف هسبريس: القدرة على الجمع بين قبعة السياسي وقبعة المثقف.
في هذه الحلقة الخامسة تطرق بنعيسى، الذي يُلقّب بـ”الوزير العاشق للثقافة”، إلى كيفية التحاقه بـ”حزب الجرار”، مبينا أنه كان يتقدم مستقلا (بعد التصدع الذي حدث مع التجمع الوطني للأحرار، وتابعناه في الحلقة الرابعة)، وحين اقتربت الانتخابات الأخيرة (8 شتنبر)، كان سيتقدم مرة أخرى مستقلا، رغم أن من معه كانوا يتقدمون لخوض الاستحقاقات باسم “البام”.
وتابع ضيف “شهادات للتاريخ”: “في تلك الفترة كنت أعتبر جميع الأحزاب موالية للنظام، ليس بمعنى الاستسلام، ولكن بوصفها مدافعة عن النظام”، مضيفا: “الفرنسيون يتحدثون عن الدفاع عن الجمهورية، ونحن يجب أن يكون دفاعنا منحازا إلى جانب الملكية، فهي الضامن الأساسي لبقاء المغرب كما هو الآن”، وزاد: “في إنجلترا كل طفل يغني كل صبيحة أغنية ‘ليحفظ الرّب الملكة’ (God save the queen)؛ ولهذا كان عندي إيمان راسخ بهذا الموضوع”.
وأضاف المتحدث سالف الذكر أن “كل الأحزاب الآن صارت موالية للنظام، ولم يعد هناك حزب معارض؛ وهذا مكسب كبير”، مسجلا أن “الملك (محمد السادس) فتح بدوره أبوابا كبيرة للحريات، خاصة الحريات (العامة) وحقوق الإنسان وحقوق المرأة والعناية بقضية الأسرة”، وتابع: “الأحزاب وجدت هذه الدفعة الجديدة، ولم أكن أجد عمليا خطّا يفصل بين ‘الأحرار’ وبين ‘البام’، فهما كانا متشابهين، لكن مختلفين عن الأحزاب التقليدية، مثل الاستقلال والاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية والحركة الشعبية وحزب التقدم والاشتراكية”.
وعودة إلى “مربط الفرس” بخصوص ركوبه “الجرار” في الاستحقاقات الأخيرة حكى المتحدث أنه وجد أن هناك صداقة قوية تجمعه بعبد اللطيف وهبي (الأمين العام للحزب حينذاك)، مضيفاً أنه وجد أيضا حاجة إلى توقيع سياسي مختلف بالنظر إلى حساسية الاستحقاقات الأخيرة، لأنه في يوم واحد كان يتطلّب اختيار عضو المجلس البلدي وعضو مجلس الجهة وعضو المؤسسة التشريعية؛ “وبخصوص كثرة الألوان فقد كان يمكن أن يخلق ذلك لبسا بالنسبة للمصوتين، فمنهم العارف والبسيط”.
ومضى بنعيسى شارحا: “حينئذ أجرى عبد اللطيف وهبي زيارة حبية إليّ في أصيلة، وقال لي صراحة: ‘نريدك أن تترشح باسم الحزب’”؛ فتدخلت المباركي بسؤال: جاء ليستقطبك؟. وبدا أن توصيف الاستقطاب تسبب في غضب “غير معلن” لدى ضيف هسبريس الذي تفاعل قائلا: “أنا رجلُ تجربة (Un vieux renard)، كنت من بين مؤسسي حزب التجمع الوطني للأحرار، وليس في هذا السن سيتم استقطابي”، لتستدرك المُحاوِرة: “المقصود كقيمة مضافة تحيل على أن بنعيسى يعني دائرة أصيلة؟”، فردّ: “هذا بالنسبة إليه (وهبي)”.
“الناس كانوا يأتون لقضاء العديد من أغراضهم، أقصد في إطار الحلال وليس الحرام. ولم يكن ممكنا أن أكون رئيس بلدية ولا أنتمي إلى أي حزب. وحين جاء عندي وهبي أخبرته بأنني سأتقدم باسم ‘البام’. لم تكن هناك صفقة أبداً. وقضية رئاسة مجلس المستشارين جاءت في ما بعد، حين عاد إليّ الأمين العام وقتها”، يورد بنعيسى شارحا أن وهبي في هذه الزيارة أشعره بأن المكتب السياسي اتضحت له الحاجة إلى الحفاظ بشكل دائم على رئاسة الغرفة الثانية.
وكشف المتحدث ذاته أنه ردّ على وهبي بالجواب التالي: “أنا لست قانونيا ولا أعرف حقيقة جوانب دستورية كثيرة، ورئيس مؤسسة تشريعية يتعين أن يكون لديه هذا الإلمام”، وزاد: “كما قلت له إنني لست من النوع الذي يجلس على كرسي ويوزّع الكلمة هنا وهنا، ولهذا الفريق من المستشارين وذاك”، وتابع: “أخبرته بأنني كبرتُ.. لكنّه ألحّ، فكان جوابي النهائي بأنني لا أرغب بكل صراحة، ولكن ليفعل الحزب ما يشاء. هذا ما حصل”.
وتفاعلا مع سؤال بخصوص تغييبه من المكتب السياسي بعد تنحية وهبي من الأمانة العامة اعتبر المستشار باسم “الجرار” أن هذا الأمر “يتم بناء على التصويت في المجلس الوطني والاتفاق مع الرئاسة المشتركة”، وأضاف: “أنا لم يعد لديّ أيّ طموح؛ فلا وجود لأي شرط سياسي مع وهبي. أنا رجل بسيط ومتواضع وسعيد بنفسي كما أنا، وليس بالمنصب أو غيره، وسلوكي وتصرفي يعكس ذلك في كل مكان”.
وجوابا عن سؤال هل سيترشح باسمه في الاستحقاقات المقبلة (2026)، قال بنعيسى: “لا أعرف، هذا مرتبط بالتطورات الصحية، فأنا أقع الآن في أواخر الثمانينات، ولست صغيرا. الإنسان يجب أن يقدر سنه، وأن يعرف ماذا يمكنه أن يقوم به وهو في حلة صحية جيدة”؛ فقاطعته المباركي لتشعره بأن السؤال كان يعني هل مازالت صورة الحزب في وضعها الحالي تغري بروفايله السياسي لخوض مغامرة انتخابية جديدة باسم الأصالة والمعاصرة، فردّ: “من الصعب أن يعطي الإنسان رأيه في شيء لا يشارك فيه”.
وأردف المتحدث ذاته، في ختام الحلقة الخامسة من برنامج هسبريس: “أنا أحترم الإخوة الذين تولوا المسؤولية، لكني لا أعرف ما الذي يتقرر، فأنا لست في المكتب السياسي وليست لدينا لجنة مركزية. عملي السياسي فيه فتور منذ زمن طويل، وقيمتي وتجربتي لم تعد تسمح لي بأن أتحدث وأخطب لأثير الانتباه. الملك الحسن الثاني، وخاصة الملك محمد السادس، أعطياني كلّ شيء، واليوم لا ينقصني أي شيء”.
المصدر: هسبريس