الأبعاد النفسية لهوس الجزائر بالمغرب .. هزيمة “حرب الرمال” وعقيدة العداء
أكد “المجلس الأطلسي”، مركز تفكير أمريكي، في ورقة تحليلية حديثة نشرها في موقعه الإلكتروني، تحت عنوان “هوس الجزائر بالمغرب.. قتل آفاق المصالحة”، أن “الجزائر استخدمت ومنذ ما يقرب من خمسة عقود النزاع حول الصحراء كواجهة لاستعدائها المغرب”، مسجلا أن وراء دعم الجزائر للبوليساريو “تكمن حالة أكثر تعقيدا بكثير من تصميم هذا البلد على الانتقام من المظالم التاريخية، ومنع المغرب من استعادة الأراضي التي من شأنها زيادة عمقه الإستراتيجي وتزعمه لمنطقة المغرب العربي بلا منازع”.
ومن أحدث علامات الهوس الجزائري بالمغرب أشار المصدر ذاته إلى “مصادرة قمصان نادي نهضة بركان المغربي لكرة القدم بعد أن سافر لاعبوه إلى الجزائر في 19 أبريل، للعب مباراة نصف نهائي كأس الاتحاد الإفريقي لكرة القدم؛ فيما بررت الجزائر قرارها بأن معدات الفريق تحمل خريطة ‘غير شرعية’ للمغرب تتضمن الصحراء”، موردا أن الكثيرين يعتبرون أن أحد الدوافع الرئيسية لعداء الجزائر تجاه المغرب هو “التركيب الأيديولوجي للمؤسسة الجزائرية وإستراتيجيتها في السعي وراء الشرعية الشعبية”.
وأردف مركز التفكير ذاته بأن “فلسفة الجزائر العملية كانت دائما تستند إلى تحفيز الحماس الشعبي والقومي ضد أعدائها، فعلى على مدى العقود الثلاثة الماضية كانت هذه الدولة في حاجة وباستمرار إلى خلق أعداء خارجيين لحشد الدعم الوطني وتحويل الرأي العام عن المشاكل الاقتصادية والاجتماعية والسياسية التي تعيشها البلاد”.
بعد نفسي وحرب الرمال
لم يتجاهل المصدر ذاته ما وصفه بـ”البعد النفسي للعداء المزمن بين البلدين”، لافتا إلى أن “القادة العسكريين والسياسيين الجزائريين يحملون مظالم لم تحل بعد ضد المغرب”، وزاد: “بالإضافة إلى ذلك يعد المغرب أحد أقدم الملكيات في العالم، وقد تمكن من الحفاظ على سيادته طوال معظم تاريخه، وهو ما لا يمكن قوله عن الجزائر”، التي لا يتجاوز عمرها 62 عاما، مؤكدا أن هذا المعطى “يجعل النظام الجزائري مترددا في استكشاف الماضي بالكامل، خوفا من أن الغوص العميق في تاريخ البلاد قد يضفي مصداقية على ادعاء بعض النقاد بأن الجزائر الحديثة هي من صنع فرنسا الإمبريالية”.
وأشار “المجلس الأطلسي” إلى أن “المغرب كان مؤيدا قويا لحركة التحرير الجزائرية، وساهم ماليا ولوجستيا في المجهود الحربي ضد الهيمنة الفرنسية”؛ غير أنه ومع استقلال الجزائر سرعان ما “قامت القيادة الجزائرية بتبييض هذه الحلقة الموثقة جيدا من التضامن والكرم المغربي، وقدمت رؤى حول رغبة الجزائر الراسخة في أن تكون زعيمة المغرب العربي بلا منازع”.
وسجل المصدر ذاته أن “هزيمة الجزائر أمام المغرب في حرب الرمال عام 1963 شكلت حاجزا نفسيا لديها، إذ نشأت أجيال من النخب العسكرية والسياسية مع فكرة الانتقام من الإذلال الذي عانت منه بلادهم على يد المملكة”، مضيفا أن “استياء الجزائر من المغرب تحول بمرور الوقت إلى رغبة راديكالية في الانتقام من خلال تعزيز النزعة الانفصالية على الأراضي المغربية”.
وبين التقرير في هذا الصدد أن “دعم الجزائر جبهة البوليساريو هو تتويج لإستراتيجية النخبة الجزائرية لتحقيق الأسبقية الإقليمية من خلال إنشاء دولة تابعة جنوب المغرب”، متابعا: “بينما تعلن الجزائر دعمها ‘الشعب الصحراوي المضطهد’ فإن هدفها الأساسي هو إبقاء المغرب تحت السيطرة من خلال إثارة النزاع حول منطقة الصحراء وإطالة أمده لمنع الرباط من إعادة فتح قضية الحدود الجزائرية المغربية التي لم يتم حلها بعد”.
ولفتت الوثيقة ذاتها إلى أن “إنهاء نزاع الصحراء بالنسبة للجزائر من شأنه أن يوفر للمغرب مستوى من العمق القاري الإستراتيجي الذي سيعزز بشكل كبير مكانته كقوة مهيمنة إقليمية”؛ وذلك في إطار التنافس بين البلدين الذي “دخل مرحلة جديدة عام 2017 عندما انضم المغرب إلى الاتحاد الإفريقي في وقت استغلت الجزائر غيابه من أجل خلق أجندة إفريقية موازية بشأن مسألة الصحراء”.
نتائج مغربية وتدخلات أمريكية
أشار التقرير إلى الاستياء الجزائري من النفوذ القاري المغربي المتنامي، وتتجلى مظاهره في “ثلاثة جهود إقليمية قامت بها الجزائر في السنوات الأخيرة لاحتواء القيادة الصاعدة للرباط، أولها محاولة إحياء مشروع خط أنابيب الغاز عبر الصحراء لعرقلة مشروع خط الأنبوب المغربي النيجيري، ثم التخطيط لإنشاء مناطق تجارة حرة مع النيجر ومالي لمواجهة مبادرة المغرب الأطلسية؛ وأخيرا سعي النظام الجزائري إلى إنشاء اتحاد مغاربي بدون المغرب”.
وأبرز مركز التفكير الأمريكي عينه أن “الدبلوماسية الإفريقية المغربية تحقق نتائج معنوية، مقابل تراجع النفوذ الدبلوماسي للجزائر في جميع أنحاء القارة؛ والأهم من ذلك أن دبلوماسية الرباط أصبحت تمتد الآن إلى دول مثل كينيا وإثيوبيا ورواندا ونيجيريا”.
وشدد المصدر ذاته على أن التطورات التي شهدتها قضية الصحراء تؤكد بوضوح أن “أحلام تقرير المصير قد دفنت، وأن التسوية هي الطريق الوحيد القابل للتطبيق للتوصل إلى حل دائم وممكن سياسيا في ملف الصحراء”، لافتا إلى أن “العداء بين البلدين وصل إلى مستويات مثيرة للقلق، ما يثير مخاوف من اندلاع مواجهة عسكرية بينهما، وسط ضرورة قيادة واشنطن حملة دبلوماسية قوية لمنع هذا السيناريو”.
وأوصى “المجلس الأطلسي” الولايات المتحدة بـ”إيلاء المزيد من الاهتمام لتعاونها العسكري مع المغرب، والضغط على الحكومة الجزائرية للالتزام بأحكام قرارات مجلس الأمن الدولي بشأن قضية الصحراء منذ عام 2018، التي تدعو الجزائر إلى التعاون الكامل مع الأمم المتحدة في سعيها نحو حل سياسي واقعي للنزاع”.
وخلص التقرير إلى أن “هذا الهدف سيظل بعيد المنال إذا تمسكت واشنطن بدبلوماسية متوازنة تمنعها من دعم سيادة المغرب على الصحراء بشكل لا لبس فيه”، مضيفا: “لقد حان الوقت للولايات المتحدة لكسر هذه السياسة، ويجب عليها مواءمة خطابها السياسي وإجراءاتها من خلال إعادة تأكيد اعترافها بسيادة المغرب على الصحراء الغربية، مع دعوة الجزائر إلى المشاركة الكاملة في العملية السياسية التي تقودها الأمم المتحدة”.
المصدر: هسبريس