بين كثافةِ أرقام المبادلات الخارجية المحصورة إلى حدود منتصف سنة 2025 الجارية لم يمُر تطور تحويلات المغاربة المقيمين بالخارج، من يناير إلى نهاية يونيو، دون “قراءة تحليلية متأنّية” بالنسبة لعددٍ من المحللين والأكاديميين الاقتصاديين، حسب ما استقته هسبريس.

وفقا لبيانات رسمية صدرت، مؤخرا، عن “مكتب الصرف” وهو المؤسسة العمومية المعنية بإحصاءات المبادلات الخارجية للمغرب، بلغت قيمة تحويلات المغاربة المقيمين بالخارج ما مجموعه 55,86 مليار درهم مع متم شهر يونيو 2025، مسجلة بذلك تراجعًا ملحوظًا بنسبة 2,6% مقارنة مع الفترة ذاتها مع متم النصف الأول من العام 2024، حينَ بلغت 57,35 مليار درهم، ما يمثل، من حيث “القيمة المطلَقة”، انخفاضا للتحويلات المالية لـ”مغاربة العالم” بـ 1 مليار و483 مليون درهم.

المعطيات الإحصائية الرسمية كشفت “اتجاها تصاعديًا” في حجم التحويلات خلال الفترة الممتدة من 2021 إلى 2024، قبل أن تسجل انكماشًا “طفيفًا” سنة 2025، كما تبيّن من خلال استقراء هسبريس مسار “مُنحنى تطور” هذه التحويلات، الوارد في الوثيقة.

ويرى محللون، استطلعت هسبريس وجهات نظرهم، أن “التراجع المُسجّل في تحويلات مغاربة العالم يصعب اختزاله في اعتبارات ظرفية سطحية”، بل هو نتيجة تحولات بنيوية في علاقة الجالية بالمؤسسات المغربية، وفي إدراكهم مخاطر التحويلات في ظل سياق دولي متشدد في ما يخص الشفافية والرقابة المالية.

“خلْفَ الأسباب المعلنة”

رشيد ساري، محلل اقتصادي رئيس المركز الإفريقي للدراسات الإستراتيجية والرقمنة، أبرز أن “تحليل تراجع تحويلات مغاربة العالم في النصف الأول من السنة يستدعي قراءة متأنية تتجاوز الأسباب المعلَنة/الرائجة”.

وفي تصريح لجريدة هسبريس قال ساري: “رغم ما يبدو ظاهرياً من تبريرات لتراجع تحويلات مغاربة العالم، كالحديث عن الأزمة الاقتصادية في أوروبا أو ارتفاع تكلفة السياحة في المغرب، إلا أن هذه الأسباب تظل غير كافية لتفسير الانخفاض المسجّل بنسبة 2,6% بنهاية يونيو 2025، خاصة إذا استحضرنا السياق السابق الذي شهد تدفقاً مستمراً وأرقاما قياسية حطمتْها التحويلات حتى في ذروة أزمة جائحة كوفيد19”.

وبينما تُوجّه الأنظار نحو “ارتفاع الأسعار أو ضعف النشاط السياحي كمبررات أساسية”، وفق المحلل ذاته، “يَغيب عن النقاش العمومي تحليل أعمق لبنية التحويلات وسلوك الجالية المغربية في علاقتها بوطنها الأمّ ومؤسساته المالية”.

وأضاف المتحدث ذاته معددًا بعض “العوامل الحقيقية التي يُحتمل أن تكون وراء هذا التراجع”، حسب قراءته؛ لعل أبرزها تأثير “اتفاقيات تبادل المعلومات المالية” التي وقّعها المغرب مع دول أوروبية، “ما خلق تخوفاً لدى جزء من مغاربة العالم من القيام بتحويلات مصرفية مباشرة إلى المغرب، مخافة تتبعهم ضريبياً في بلدان الإقامة”.

“تراجع الاستثمار العقاري للجالية” ثاني العوامل المفسرة، بحسب المصرح، إذ “لوحظ توقُّف عدد من أفراد الجالية عن الاستثمار، خصوصاً في قطاع العقار، بل إن البعض بدأ تصفية وبيع ممتلكاته داخل المغرب، ما يُعزى إلى خشية الوقوع في إشكالات ضريبية مع دول المهجر”.

واسترسل ساري مستحضرا ما وصفه بـ”التردد في السفر خلال شهرَي يونيو ويوليوز”، مستدلا بـ”معطيات ميدانية عن أن حركة عبور مغاربة العالم خلال الشهرين المذكورين كانت ضعيفة نسبياً، قبل أن تبدأ في الارتفاع مع بداية شهر غشت الجاري؛ والسببُ لا يتعلق بالكلفة السياحية، بل بواقع يرتبط بتقاطع الجوانب الاجتماعية والإدارية، إذ إن فئة مهمة من الجالية تستفيد من إعانات شهرية من دول الإقامة، وتسافر فقط في الفترة التي يُسمح لها فيها بذلك، دون التأثير على هذه المساعدات، وهو ما يجعل غشت الشهر الأنسب لقضاء العطلة”.

ويؤكد المتحدث أن “ثمة حاجة إلى طمأنة الجالية؛ فالوضع الحالي يتطلب تواصلاً أكثر فعالية من قبل المؤسسات المالية المغربية مع مغاربة العالم، لضمان الشفافية وتقديم تطمينات واضحة بأن التحويلات المالية لن تترتب عليها عواقب ضريبية أو قانونية”، منبها إلى أن “غياب ذلك قد يؤدي إلى تفاقم التراجع، ويُضعف الثقة، وهو ما ستكون له تبعات اقتصادية كبيرة على المديين المتوسط والبعيد”، في تقديره.

وختم المحلل ذاته بالتشديد على أن “المطلوبَ اليوم هو خطاب رسمي واضح، ومبادرات مؤسساتية جادة، لاستعادة ثقة الجالية وتحفيزها على الاستمرار في دعم عجلة الاقتصاد الوطني”.

تأثر المدخرات

في قراءة أخرى يرى عبد الرزاق الهيري، مدير مختبر “تنسيق الدراسات والأبحاث في التحليلات والتوقعات الاقتصادية” بجامعة سيدي محمد بن عبد الله فاس، أن “انخفاض التحويلات يعود إلى عامليْن: الأول هو ارتفاع تكاليف المعيشة والتضخم الذي أثر في مدَّخرات أفراد الجالية في الخارج، أما الثاني فيسائل غياب أو قلة فرص استثمارية واعدة أمام هذه الفئة في المغرب؛ وبالتالي فهذا يدفعنا الى مساءلة السياسات العمومية لفائدة مغاربة المهجر”.

وأضاف الهيري، ضمن تصريح لهسبريس، أن “التحويلات المالية هي جزء من مدخرات المغتربين، وتؤثر عليها ديناميات التضخم الاقتصادية”، مستدركا بأنه “مازالت هناك فرصة لارتفاع التحويلات في الصيف الجاري لتصل إلى مستوى العام الماضي، عند نهاية السنة الحالية (النصف الثاني)”.

ولفت المتحدث إلى معطى دال، وهو أن “تحويلات مغاربة المهجر تضاعفت مقارنة بفترة ما قبل جائحة كورونا”، مستحضرا أن “معظمَها تُستخدم لتمويل العمليات الاستهلاكية والاستثمارية، على السواء”.

وفي السياق ذاته شدد المصرح على أن “ثمّة حاجة لتقييم السياسات العامة لدعم استثمارات المهاجرين المغاربة”، لاسيما أن “استثمارات أفراد الجالية تلعب دورًا محوريًا بفضل كفاءاتهم التي تفيد وطنهم الأم”.

وأوصى أستاذ الاقتصاد بـ”دعم الاستثمارات بفتح آفاق جديدة بعيدًا عن قطاع العقارات الذي يواجه مشاكل إدارية وضريبية مستعصية أحيانا(…) مع أهمية تعزيز القوانين لحماية استثمارات أفراد الجالية وزيادة ثقتهم ودرجة الأمان”.

وختم المتحدث للجريدة بأن “التحويلات عامل قوي في تقوية احتياطي العملة الصعبة للمغرب، الذي يسعى إلى زيادة هذا الاحتياطي بطرق شتى”.

المصدر: هسبريس

شاركها.