مع بداية العد العكسي لانتخابات 2026 التشريعية، بدأت تظهر معالم حرب ضروس بين الأحزاب السياسية المتنافسة على الفوز برئاسة حكومة “المونديال”؛ إذ يتوقع أن تكون المجالس المنتخبة مسرحا لها من خلال لعبة التسريبات والتسريبات المضادة.
وبدأت إرهاصات المواجهة المنتظرة تظهر مبكرا من خلال تنامي الحديث عن الصفقات الكثيرة في عدد من مجالس المدن والجماعات القروية، وعن الخروقات التي يرجح أن تكون قد شهدتها.
الحديث المتواتر في الأسابيع الأخيرة عن الخروقات المسجلة في عدد من المجالس المنتخبة يعزز هذا التوجه، ويذكي نار الخلاف بين الفرقاء السياسيين الذين يجتهد كل واحد منهم لضرب الطرف الآخر والنيل منه، عبر كشف وتسريب أي شائبة يمكن أن تضر به وبحزبه في سياق المعركة التي يباح فيها استعمال وتوظيف مختلف الأساليب المشروعة وغير المشروعة.
في تعليقه على الموضوع، يرى عبد الحفيظ اليونسي، أستاذ القانون الدستوري بجامعة الحسن الأول بسطات، أن النظام الانتخابي المعتمد على مستوى الجماعات الترابية بالمغرب يفرز في الغالب تحالفات من أحزاب متعددة، وهي تحالفات “غالبا ما تكون هشة وتنفجر عند حدوث خلافات بين مكوناتها”.
وقال اليونسي، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، إن الخلافات التي تعرفها المجالس المنتخبة تكون على حساب “الساكنة؛ إما تعطيلا للميزانية السنوية أو عند برمجة الفائض الحقيقي في دورة فبراير أو رفضا للتصويت على مقررات مهمة”، معتبرا أن “ما يقع بالجماعات بموجب المادة 70 بعد مرور ثلاث سنوات من الفترة الانتدابية خير مثال على ذلك”.
وأضاف المحلل السياسي ذاته أنه أمام هذا المعطى القانوني الموضوعي، “تبرز عوامل ذاتية مهمة ومؤثرة، خصوصا بروفايلات المنتخبين الترابيين”، مبرزا أنها غالبا ما تكون “غير جديرة بمسؤولية تدبير الشأن العام المحلي، سواء من حيث الكفاءة التدبيرية أو حتى على مستوى أخلاق السياسة”.
وقال شارحا: “هذا ما يفسر كثرة الصراعات التي تأخذ أشكالا مؤسفة ومنفرة للناس من العمل السياسي والتدبير”، وسجل أن البعض من هؤلاء المنتخبين يعتبر “المؤامرات وتعطيل عمل المجلس ذكاء انتخابيا، والصحيح أن هذا التعطيل إذا لم يكن له مبرر المصلحة العامة هو جريمة ترتكب في حق التنمية المحلية وفي حق الساكنة”.
كما شدد اليونسي على أن الخروج مما سماه “المأزق التدبيري” يفترض العمل على “واجهتين: الأولى موضوعية وهي النظام القانوني المنظم للانتخابات، والثانية ذاتية تتحمل مسؤوليتها الأحزاب والدولة؛ أي قطع الطريق على بروفايلات تنتج مثل هذه المسلكيات”، حسب تعبيره.
من جهته، سجل عبد الله أبو عوض، محلل سياسي أكاديمي، أنه “لا يمكن التعميم على جميع المنتخبين، ولكن يمكن تشخيص أن بعض المنتخبين ليس لهم من العمل السياسي إلا تأثيث المشهد ومحاولة استفراغ ضعفهم وفشلهم في تتبع مسار الآخرين الذين لهم تدبير الشأن المحلي”.
وأفاد أبو عوض، في تصريح لهسبريس، بأن هذا الأمر يطرح سؤالا عريضا حول “استجابة الأحزاب لتوجيهات الملك في خطبه حول تخليق العمل والممارسة السياسية”.
وتأسف المحلل السياسي ذاته للممارسات “الكيدية” التي قال إنها “تشوه صورة الوطن من قبل بعض السياسيين الذين يختبئون وراء وسائل السوشال ميديا ويعملون من خلالها على تشويه الخصم السياسي، من دون احتساب عواقب ذلك على صورة المغرب خارجيا ومدى انعكاسها على الداخل”.
واعتبر أبو عوض أن الخطاب الأخير للملك محمد السادس بمناسبة الوحدة والقرار التاريخي للأمم المتحدة حول الصحراء المغربية، يحمل “كل الأحزاب المسؤولية في الخروج من نفق الحسابات إلى فضاء المواطنة، وطرد كل مدعي السياسية من العمل السياسي”.
وأوضح أن الصراع الانتخابي عند السياسي الذي يحترم الوطن والشعب، هو “السياسي الذي يقدم آليات للحوار والتواصل مع الشعب، ويقدم برامج عملية ويخرج للرقابة التنموية، ويترافع عن مصالح البلاد والعباد”.
واستدرك قائلا: “لكن ما نراه هو شكل من بعض السياسيين الذين يقفون على ترويج أنفسهم بالبهرجة واستغلال المناسبات الوطنية لوضع برامج استهلاكية لا تنفع الساكنة إلا بما هو ترفيه للحظات، وليعبدوا الأرض للانتخابات القادمة لنيل ما هو أفضل من مكانتهم السياسية التي هم عليها”.
كما أشار أبو عوض إلى أن الصراع السياسي القائم ومن خلال المقاربة السياسية، “هو قائم بين الأطراف، وليس بين القيادات، إلا ما يخرج من المعارضة ضد الحكومة”، مبرزا أن ذلك واضح للعيان باعتباره “وظيفة سياسية، أما ما هو واقع عند الأطراف والهوامش يخرج عن نطاق المعقول والاستجابة لإرادة صاحب الجلالة في توجيه الممارسة السياسية بما هو تخليق لها”، معتبرا أن انتخابات 2026 ينبغي أن تشكل محطة “مساءلة ملكية ووطنية للأحزاب عن آليات اختيار منتخب يستجيب للتوجيهات الملكية ويستجيب لتطلعات الشعب”، وفق رأيه.
المصدر: هسبريس
