تتفتح الدورة الخريفية للبرلمان المغربي هذه المرة في سياق اجتماعي وسياسي مختلف تماما عن الدورات السابقة من الولاية التشريعية الحالية، وذلك لحجم الترقب الشعبي المنتظر لمضمون الخطاب الملكي، وهذا الترقب لا يرتبط بنوعية مشاريع ومقترحات القوانين التي سوف تعرض على السلطة التشريعية، ولكن لما سوف يمكن أن يحمله رئيس الدولة وأمير المؤمنين من إجابات وقرارات على الحراك الاجتماعي الغير المسبوق الذي تعرفه بلادنا.

أن افتتاح الدورات السابقة من الولاية التشريعية الحالية كانت تمر في ظروف عادية ودون انتظارات شعبية واجتماعية، بحكم أن الافتتاح هو محطة دستورية يقوم فيها الملك بافتتاح الدورة دون أن تكون هناك قضايا محددة ولا مواضيع مسبقة، بحيث يقوم الملك انطلاقا من مسؤولياته السياسية بالوقوف عند بعض المواضيع ويعطي توجيهات إلى السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية بإعطاء الأولوية في التشريع والسياسات العمومية لموضوعات محددة.

فخطاب الملك في الدورة الخريفية من السنة التشريعية الأولى أكد على الأولويات الاستراتيجية لمواصلة مسيرة التنمية ومواجهة التحديات الخارجية، والسنة التشريعية الثانية ركز فيه على إشكالية الماء ومجال النهوض بالاستثمار، والسنة التشريعية الثالثة خصصه الملك لزلزال الحوز ولبرنامج الدعم الاجتماعي المباشر، والسنة التشريعية الرابعة تناول فيها قضية الوحدة الترابية واعتراف الجمهورية الفرنسية بسيادة المغرب على أقاليمه الجنوبية.

وافتتاح الدورة الخريفية من السنة التشريعية الخامسة والأخيرة من هذه الولاية التشريعية، تتميز بسياق مختلف، سياق يتصف ببروز حركة احتجاجية شبابية بامتداداتها الاجتماعية وتقاطعها مع مطالب اجتماعية عامة تتعلق بالصحة والتعليم والتشغيل ومحاربة الفساد، إلى المطالبة بإقالة حكومة أخنوش، ومطالب بتدخل الملك للتفاعل مع انتظارات الشباب.

والسؤال الذي يطرح هل يمكن أن يكون خطاب افتتاح الدورة الخريفية المكان المناسب للإعلان عن القرارات التي ينتظرها الشارع؟ الجواب عن هذه السؤال سيبقى مجرد اجتهاد، هل سيحمل الخطاب توبيخا للحكومة عن تقاعسها في التجاوب مع المطالب الاجتماعية وعن عدم القيام الوزراء المشرفون على عدد من القطاعات الاجتماعية بما يتطلب من نجاعة وكفاءة ومسؤولية.

كما أنه ربما سيتوجه إلى الطبقة السياسية والأحزاب السياسية للقيام بوظائفها في التأطير والانفتاح على طاقات وكفاءات المجتمع المختلفة الشبابية والنسائية، لأن اللحظة توضح بالملموس والواقع أن الأحزاب السياسية والمؤسسات المنتخبة لم تعد محل ثقة من طرف عموم المواطنين والمواطنات.

يمكن للخطاب السياسي أن يعطي توجيها صارما للحكومة والبرلمان على حد سواء لإصلاح قطاع الصحة والتعليم ومراجعة الأولويات والنزول إلى الميدان لمتابعة حل المشاكل عن كتب، كما يمكن أن يحمل الخطاب الإعلان سلة من الإجراءات ذات الطبيعة السياسية من قبيل الدخول في عدد من الترتيبات لتغيرات حكومية بمهام محددة وأهداف ووسائل واضحة لإصلاح الاختلالات التي يعرفها قطاع الصحة في الزمان والمكان.

ولكن السؤال الذي يطرح هل الزمن السياسي يسمح بتعديلات حكومية واسعة؟ وهل التعديل الحكومي يمكن أن يكون المفتاح للجواب عن انتظارات ومطالب حركة جيل زيد؟ وهل ما أفسدته الممارسة السياسية والإدارية لعقود يمكن تغييره في الوقت الميت للحكومة الحالية؟

أعتقد أن الأمر يتجاوز ذلك، لأن الأمر ليس بعملية تقنية تتطلب تغيير قطع الغيار حتى تعود آليات تدبير وصناعة القرار العمومي إلى حالته الطبيعية، بل أن الأمر أعقد من ذلك وتوجد في ملعب البنيات المختلفة التي تشكل النظام السياسي المغربي.

قد يحمل الخطاب الملكي في افتتاح هذه الدورة أو في القرارات التي يمكن أن يتخذها إجابات عن الوضع القائم، والتي سبق أن عبر عنها في خطاب العرش 2025 حينما أكد أن المغرب لا يمكن أن يسير بسرعتين وأنه لابد من تدارك الفوارق الاجتماعية والمجالية وشكل هذا الخطاب خريطة الطريق للحكومة للنهوض بالتنمية الترابية.

والأحزاب السياسية التي تعتبر جزء من بنية النظام السياسي مطالبة بتقديم أجوبة عن الوضع القائم، ولكن هل لها القدرة والشرعية والمصداقية للقيام بذلك؟ فالأحزاب السياسية تآكلت شرعيتها وشاخت نخبها ولم تعد قادرة على إنتاج النخب السياسية والإدارية والتقنية التي تواكب تطورات المجتمع.

فأغلب نخبها أصبحت تبحث عن الغنائم واستغلال مواقعها الانتدابية من أجل خدمة مصالحها ومراكمات الثروات، وما المتابعات القضائية لعدد من البرلمانيين والمنتخبين الجماعيين إلا العنوان البارز على نوعية النخب التي تهيمن على المشهد الحزبي والانتخابي.

ويكفي أن نتابع ما نراه في منصة التواصل الاجتماعي عن مستوى دورات المجالس التربية لنصلي صلاة الجنازة على مجالسنا.

نحتاج اليوم إلى جيل زيد في أحزابنا لتحقيق الانسجام والتناغم بين متطلبا الإصلاح الاجتماعي والسياسي، لترميم ما تعرضت له الأحزاب السياسية من تجريف على مدى ثلاث عقود من الزمن، وأن نعترف أن سياسة الانفتاح على الأعيان وما يسمى بالكفاءات وتلبيسها لباس الحزبي، لم تؤد إلا إلى قتل السياسي والمناضل، وأن الرهان على المقاعد رغم أهميته لم يؤدي إلا إلى استنبات كيانات سياسية مصطنعة سرعان ما استحكمت في الأجهزة الحزبية.

المصدر: العمق المغربي

شاركها.