يعيش التحكيم المغربي في الموسم الجاري هزّات ارتدادية أثّرت على الجو الطبيعي للممارسة، آخرها إعلان الحكمة الدولية، بشرى كربوبي، اعتزالها، بسبب ما اعتبرتها “ممارسات من مدير المديرية التقنية الوطنية للتحكيم وأعضائها”، وهي الخطوة التي خلّفت تفاعلا واسعا من طرف الفاعلين في كرة القدم الوطنية.

وبرّرت كربوبي قرارها بأن هذه “الممارسات” قد “أربكت المسير وشوشت على الإنجازات السابقة والمنتظرة بل وأجهزت على المشروع” وفق تعبيرها، وذلك في إطار رسالة وجّهتها إلى رئيس الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم، فوزي لقجع، مُعربة عن أسفها لاتخاذ هذا الاتجاه بعد مسار تحكيمي امتد لـ25 سنة.

وظلّ الورش التحكيمي بالمغرب عُرضة على الدوام للكثير من السجالات وأيضا الانتقادات، ورغم التعيينات الجديدة التي تمت، صيف سنة 2024، بتنصيب رضوان جيد مديرا للمديرية الوطنية للتحكيم وبوشعيب لحرش رئيسا للجنة المركزية للتحكيم، استمرت هذه التجاذبات والمؤاخذات المُسجّلة على الأداء التحكيمي بالمسابقات الوطنية.

تذبذب وفُقدان للبوصلة

لم تنجح كل الوصفات التي تم اختبارها لمداواة جراح التحكيم في السنوات الأخيرة، وما إن كانت وُضعت تجربة تحت الاختبار حتى جرى إنهاؤها ووأدها والمرور إلى أخرى، وهو ما جعل القائمين على هذا الشأن يفتقدون للاستمرارية في الرؤى ويعوزهم الثبات على مستوى تنفيذ الاستراتيجيات بديمومة على المدييْن المتوسط والبعيد.

قبل بضع سنوات، حاولت اللجنة المركزية للتحكيم إرساء تقليد جديد بمراجعة العمليات التحكيمية المُثيرة للجدل في كل جولة من جولات البطولة الاحترافية القسم الأول، وبثها بشكل أسبوعي ومرئي، في إجراء أرادت من خلاله الإجابة عن الانتقادات المُثارة بعد المباريات وامتصاص غضب الجماهير.

غير أن هذا الموعد لم يصمد طويلا، وسرعان ما تم طيّه في المواسم الأخيرة، في مشهد يعكس الضبابية التي تلف مُقاربة المسؤولين المغاربة للشأن التحكيمي، الذي يُعد نقطة خلافية بين الجماهير والأندية الوطنية، دون أن يتوقّف نزيف هذه الانتقادات أو يُقلّص على الأقل، بما لا يضرب في مصداقية المنافسات الكروية الوطنية.

وفي هذا الصدد، قال الحكم المغربي السابق، محمد الموجه، إن “التحكيم الوطني يخوض مسارا متذبذبا ويعاني من مشاكل جمّة، مما يجعله في حاجة ماسة إلى وقفة تأمل موضوعية تُتيح معالجة الأعطاب وتجاوز هذه التعثرات التي تُفرمل التوجه نحو ممارسة تحكيمية ترتقي إلى تطلعات مختلف الفرقاء”.

وفي تعليقه على إعلان كربوبي استقالتها من مزاولة التحكيم، اعتبر الموجه، في تصريح لجريدة “”، أن هذا المعطى “مجرد تحصيل حاصل لما يعاني منه التحكيم الوطني”، مُردفا بالقول: “الأكيد أن هذا القرار الذي اتخذته بشرى كربوبي مبني على تراكما ووصل بها الأمر إلى تحمُّل ما يفوق طاقتها، لا يمكن لحكمة من هذا الوزن أن تُقدّم استقالتها من دون أسباب موضوعية”.

مشروع أُقبر في بداياته

في سياق بحثها الدائم عن مُسكّنات توقف بها آلام التحكيم الوطني، عمدت الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم، شهر مارس الفارط، إلى الاستعانة بخدمات وخبرة الحكم الأمريكي ذو الجنسية المغربية، اسماعيل الفتح، وإسناد مهمة تطوير التحكيم الوطني له، وسط خطابات تبشيرية آنذاك بأن هذا المجال سيتغلب على مكامن خلله وسيُصبح نموذجا يُحتذى به قاريا ودولياً.

وفي غضون أربعة أشهر فقط، توارى الفتح عن الأنظار وعاد أدراجه إلى الولايات المتحدة الأمريكية، في غياب أي توضيح رسمي من الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم، لحدود الآن، حول أسباب “اختفاء” الفتح، وعدم استكمال المهام التي أُنيطت به، وهو ما يُثير الكثير من التأويلات وعلامات الاستفهام.

وفي هذا النطاق، اعتبر الموجه في حديثه للجريدة، أن “غياب الفتح ينبغي أن تُجيب عنه الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم وتُقدّم عنه تفسيرات لوسائل الإعلام والرأي”، مُستطردا بالقول: “لقد قدّموا لنا الفتح قبل بضعة أشهر كأنه المُقوّم والقادر على معالجة ما يعاني منه التحكيم الوطني”.

وتجسَّدت الأزمة التي يشكو منها التحكيم بالكرة المغربية في الحضور المتواضع للحكام المغاربة ضمن كأس أمم أفريقيا 2025 التي ستُقام بالمملكة، إذ عرفت القائمة تواجد حكميْن رئيسييْن فقط، إضافة إلى حكميْن مساعديْن وحكم في غرفة تقنية “الفار”.

 

المصدر: العمق المغربي

شاركها.