أثار إعلان الحكومة عن إحصاء نحو 33 مليون رأس من الماشية تساؤلات حول استمرار غلاء اللحوم الحمراء، وانتقادات بغياب برنامج فعّال لإنتاج الأعلاف. كما أثار قرار إعادة فرض الرسوم الجمركية والضريبة على القيمة المضافة على استيراد الأغنام والماعز والحليب المجفف تساؤلات حول تأثيره على السوق.
وكشفت وزارة الفلاحة، أمس الثلاثاء، عن ارتفاع أعداد رؤوس الماشية بالمغرب إلى 32.8 مليون رأس، في ظل تسجيل تراجع في عدد الأبقار والإبل بحوالي 30%، وأعلنت إلغاء قرار تعليق الرسوم على الاستيراد وضريبة القيمة المضافة المطبقة على عملية استيراد الأغنام والماعز والحليب المجفف.
ارتفاع الأسعار
ورغم ارتفاع أعداد المواشي، خصوصا الأغنام والماعز، خلال الأشهر الماضية نتيجة تعليق شعيرة النحر ودعم الاستيراد وعوامل أخرى، إلا أن أسعار بيع اللحوم الحمراء ظلت مرتفعة، وهو ما أثار استياء عدد من المستهلكين.
وفي هذا الصدد، أوضح هشام جوابري، الكاتب الجهوي لتجار اللحوم الحمراء بالجملة بمجازر الدار البيضاء وعضو “الفيدرالية المغربية للفاعلين في قطاع المواشي”، في تصريح لـ”العمق”، أن أسعار اللحوم الحمراء مستقرة حاليًا بالأسواق.
وأضاف أن أثمان اللحوم الحمراء، بما فيها لحم الغنم، لن تعرف ارتفاعًا خلال الأشهر القادمة، كما لن تتأثر بقرار إعادة فرض الرسوم على الاستيراد وضريبة القيمة المضافة، وستظل في حدود المعقول، مشيرًا إلى وفرة رؤوس الأغنام حاليًا بالمغرب.
وكشف جوابري أن المهنيين سيستوردون في الشهر المقبل 50 ألف رأس من أبقار البرازيل، كما أوضح أن ثمن بيع اللحم يتراوح بين 80 و120 درهمًا للكيلوغرام، مبرزًا أن المستورد من البرازيل هو الأرخص، على عكس تلك المستوردة من إسبانيا والأبقار المحلية.
وقال إن باب الوزارة مفتوح دائمًا للمهنيين للتشاور وتلقي ملاحظاتهم، حيث تعقد اجتماعات دورية معهم رفقة “أونسا”، مشيرًا إلى أن الأشهر القادمة ستوضح إذا كان لقرار وقف تعليق الرسوم الضريبية تأثير أم لا، لأن الأغنام حاليًا متوفرة، والأبقار ما زال استيرادها مستمرًا.
لكن عبد الحق بوتشيشي، المستشار الفلاحي المعتمد من طرف وزارة الفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات، أشار إلى أن أسعار اللحوم الحمراء، خصوصًا لحم الغنم، تختلف من منطقة إلى أخرى وبين جزار وآخر.
وتابع، في تصريح لـ”العمق”، أن الأسعار تتراوح تقريبًا بين 65 و100 درهم للكيلوغرام، موضحًا أن حجم الكبش يتحكم في الثمن، إذ كلما كان صغيرًا كان ثمن الكيلوغرام مرتفعًا، والعكس صحيح. ونبه إلى عامل آخر يساهم في الغلاء يتمثل في “تجار الأزمات”.
وأوضح أن عددًا من الجزارين وبائعي اللحوم “مدفوعين بالجشع”، يعمدون إلى رفع هوامش الربح بشكل كبير في ظل عدم تسقيف الأسعار، فـ”هناك من يشتري المواشي بأثمان زهيدة ويبيع اللحم بـ100 أو 120 درهمًا للكيلوغرام الواحد، نظرًا لوجود فراغ قانوني في سلسلة المراقبة”.
عائق استيراد الأعلاف
ووصف البوتشيشي نتائج الإحصاء بكونها أرقامًا مهمة، ستوفر قاعدة بيانات يمكن اعتمادها لصياغة استراتيجية لتكوين القطيع وتوجيه الدعم، مشيرًا إلى أنه على الرغم من الانتعاشة التي عرفها القطيع، إلا أن المغرب في حاجة إلى 30 مليون رأس من إناث الأغنام على الأقل.
وأشاد الخبير ذاته بقرار وقف تعليق رسوم الاستيراد وضريبة القيمة المضافة المطبقة على عملية استيراد الأغنام والماعز والحليب المجفف، قائلاً إن الخطوة في صالح الفلاح، مضيفًا أن قرار الإعفاء من الرسوم الضريبية “استفاد منه فئة من المستوردين، وأثره لم يظهر بشكل كبير على الأسعار”.
وانتقد المتحدث تحديد نهاية شتنبر لإعادة فرض رسوم الاستيراد، قائلاً إن ذلك منح مهلة شهر للمستوردين لمضاعفة ما يستوردونه بشكل كبير، “كان من المفروض أن يطبق القرار في أقرب وقت، مثلا في غضون أسبوع”.
وبخصوص استيراد الحليب المجفف، أوضح أن إقبال عدد من شركات إنتاج الحليب على استيراده بشكل كبير أدى إلى تدمير القطيع، حيث إن بعض الشركات قلصت حصة ما تشتريه من الفلاحين الصغار مقابل الاعتماد على الحليب المجفف، وهو ما دفع هؤلاء الفلاحين إلى التخلص من أبقارهم في المجازر.
وانتقد البوتشيشي اعتماد المغرب على استيراد الأعلاف بدل التوجه لإنتاج أعلاف محلية، منبهًا إلى أن ذلك يرفع الكلفة بالنسبة للكساب، وهو ما ينتج عنه غلاء اللحوم الحمراء. كما انتقد زحف عدد من الضيعات لإنتاج مواد فلاحية موجهة للتصدير على أراض كانت في الأصل مراعي للماشية.
ودعا إلى ضرورة اعتماد برامج لإنتاج الأعلاف، “فما دمنا نستوردها لا يمكن أن نضمن إعادة تكوين القطيع ولا أن ينخفض ثمن اللحم. يجب أن تتجه الدولة لدعم إنتاج الأعلاف محليًا، وضمنها النباتات الزيتية التي تساهم في إنتاج الزيت وتُستعمل بقاياها كأعلاف”.
ومن أهم أسس بناء قطيع من الماشية، يقول البوتشيشي، التزاوج الذي تعد الإناث فيه عنصرًا مهمًا، موضحًا أن المغرب في حاجة على الأقل إلى 30 مليون نعجة لضمان إعادة تكوين القطيع، وهذا يقتضي توفير أعلاف بأسعار في متناول الفلاح.
المصدر: العمق المغربي