اخبار المغرب

استعمال المياه العادمة في سقي الزراعات يجلب تخوفات صحية وبيئية

تواجه الزراعة المغربية تحديات بيئية متزايدة، تتجلى أساساً في شح الموارد المائية الذي يدفع بعض الفلاحين إلى تبني ممارسات غير قانونية مثل استخدام المياه العادمة في سقي الأراضي الزراعية.

وقد شنت السلطات بعمالة النواصر بجهة الدار البيضاءسطات حملة لضبط المخالفين، ما أسفر عن حجز معدات سقي غير قانونية تُستخدم لري مساحات شاسعة من الأراضي بالمياه العادمة.

الواقعة التي شهدتها منطقة أولاد صالح تمثل جزءًا من مشكلة أوسع تواجه الفلاحين في ظل نقص المياه، إذ إن اللجوء إلى المياه العادمة ليس مجرد تصرف فردي، بل يعكس أزمة أعمق تتمثل في التغيرات المناخية وندرة المياه الصالحة للري. في هذا السياق، يثار التساؤل حول دوافع هذه الممارسات غير القانونية وآثارها البيئية والصحية، بالإضافة إلى الجهود الممكنة لمواجهة هذه التحديات بطرق أكثر استدامة.

بهذا الخصوص، قال محمد بنعطا، خبير زراعي ناشط بيئي، إن الجفاف الذي يعاني منه المغرب في السنوات الأخيرة يدفع البعض إلى اللجوء إلى “هذه الممارسات غير المشروعة”، موضحا أن “المياه العادمة يجب أن ترسل إلى محطات المعالجة لتصبح صالحة للاستخدام، سواء في الزراعة أو حتى للشرب، كما يحدث في بعض الدول المتقدمة مثل الولايات المتحدة”.

وأضاف بنعطا، ضمن تصريح لهسبريس، أن الخطر الحقيقي يكمن في نوعية المحاصيل التي تروى بهذه المياه غير المعالجة، مؤكدا أن “سقي الخضروات الورقية مثل السلطة والقزبر والنعناع عبر غمرها بمياه عادمة، يمثل خطراً مباشراً على صحة الإنسان”، مفسّراً أنه في هذه الحالة تصبح هذه النباتات كمصفاة تحتفظ بالميكروبات والفيروسات الموجودة في المياه العادمة، مما يجعلها تشكل خطراً على الصحة العامة.

من جانب آخر، أوضح أن الأشجار المثمرة “قد تكون أقل عرضة للخطر إذا كان هناك حاجز بين المياه العادمة ومنتوج الأشجار”، مشددا على أن “اللمس المباشر للمياه الملوثة للنباتات هو ما يجعلها خطرة، بينما يقل هذا الخطر في حالة عدم وجود اتصال مباشر”.

وخلص الخبير الفلاحي الناشط البيئي ذاته إلى التأكيد على “ضرورة وجود محطات معالجة للمياه العادمة في المناطق الزراعية”، قائلا في هذا السياق: “بدلا من أن تذهب هذه المياه الملوثة إلى البحر وتسبب التلوث، يجب أن يتم جمعها ومعالجتها بشكل مناسب لتستفيد منها الزراعة بشكل آمن ومستدام”.

من جانبه، قال كمال أبركاني، أستاذ بالكلية متعددة التخصصات بالناظور، إن بعض الفلاحين “يجدون أنفسهم مضطرين لاستخدام هذه المياه بعد أن يكونوا قد استثمروا في زراعاتهم من بذور وأسمدة، ما يجعلهم يسعون بأي طريقة لإنقاذ محاصيلهم، رغم أن هذا الخيار غير قانوني ومضر”.

وأضاف أبركاني، في حديث لهسبريس، أن “هذه الممارسات تُظهر غياب الوعي لدى بعض الفلاحين حول الأضرار الكبيرة التي يمكن أن تلحقها هذه المياه بالمستهلك والبيئة”، مشيرا إلى أن هناك حاجة ماسة إلى تنظيم حملات توعية لتحسيس الفلاحين بخطورة استخدام المياه العادمة غير المعالجة. وأكد أن العقوبات القانونية رغم أهميتها لا تكفي وحدها، بل يجب أن تواكبها حملات تحسيسية فعالة لتوعية المزارعين بخطورة هذه الممارسات.

وأوضح الخبير في الهندسة الزراعية أن “المياه العادمة تحتوي على بكتيريا وفيروسات ومواد كيميائية سامة، مثل المعادن الثقيلة والفطريات، التي يمكن أن تنتقل إلى المحاصيل الزراعية وتضر بالمستهلك بشكل مباشر”. وذكر أن من بين هذه الملوثات “الاشريكية القولونية” و”الستافيلوكوك (المكورات العنقودية)”، وهما نوعان من البكتيريا التي تشكل خطراً كبيراً على صحة الإنسان عند استهلاك الخضروات والفواكه الملوثة بها.

وأشار أبركاني إلى أن استخدام المياه العادمة يمكن أن يؤدي أيضا إلى تلوث التربة والمياه الجوفية، مما يخلق مشاكل بيئية طويلة الأمد، مذكّراً بأنه بالرغم من أن المغرب يسمح في الوقت الحالي بسقي المساحات الخضراء بالمياه العادمة المعالجة، إلا أن الاعتماد عليها في الري الفلاحي لا يزال يحتاج إلى أبحاث علمية تثبت خلوّها التام من المخاطر.

وفي ختام تصريحه، دعا الأستاذ الجامعي ذاته إلى تعزيز المراقبة على الفلاحين، خاصة في المناطق القريبة من المدن التي يتوفر فيها الوصول إلى مياه الصرف الصحي. كما طالب بإجراء تحليلات بيولوجية وكيميائية للخضروات والفواكه المعروضة في الأسواق لضمان سلامتها، مشيرا إلى أن “التحليل المختبري يمكن أن يساعد في تتبع مصدر التلوث وتحديد الزراعات التي تم ريها بالمياه العادمة”.

المصدر: هسبريس

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *