في رسالته الأخيرة الموجهة إلى الأمين العام للأمم المتحدة حاول إبراهيم غالي، زعيم الانفصاليين في تندوف، استدعاء لغة “الشرعية الدولية” بالتذكير بأن المنظمة الأممية تأسست باعتبارها ركيزة للسلم والأمن الدوليين، ومدافعة عن حقوق الإنسان و”الشعوب المظلومة”، غير أنه سرعان ما انقلب على هذا الخطاب، متهماً المنظمة ذاتها بعجزها عن فرض حل الاستفتاء المزعوم في الصحراء المغربية، والتعامل مع “المواقف غير المسؤولة والقائمة على منطق المقايضة التي اتخذتها بعض الحكومات في الآونة الأخيرة”، وفق تعبيره.

وطالما دأبت جبهة البوليساريو، على لسان عدد من قياداتها، على اتهام الأمم المتحدة بالفشل في تسوية نزاع الصحراء، وميلها لصالح الطرح المغربي، إذ سبق للمسمى خطري أدوه، الذي يشغل حالياً منصب “سفير” البوليساريو لدى الجزائر، أن حمل في تصريحات سابقة الأمم المتحدة مسؤولية الوضع في الصحراء، معتبرًا أن “المغرب ما كان تمكن من فعل ما فعله لولا دعم الأسرة الدولية ودعم الأمم المتحدة، ومجلس الأمن، والأمين العام للأمم المتحدة”.

ويرى مهتمون أن هذه الازدواجية في خطاب البوليساريو تجاه الأمم المتحدة تكشف تناقضا جوهريا في مقارباتها، إذ تحاول إظهار تمسكها بالشرعية الدولية لاستدرار التعاطف الدولي والحفاظ على حضورها السياسي على الساحة الإقليمية والدولية، لكنها في المقابل لا تتردد في الطعن في مصداقية المنظمة، واتهامها بالفشل والتواطؤ كلما اصطدمت قراراتها بالواقع الذي لا يخدم مشروعها الانفصالي.

مأزق انفصالي

في هذا الصدد يقول محمد عطيف، أستاذ العلاقات الدولية بجامعة شعيب الدكالي بالجديدة، إن “التناقض الواضح في خطاب إبراهيم غالي تجاه الأمم المتحدة، بين المديح والاتهام، يعكس في جوهره مأزق الجبهة الانفصالية، التي لم تستطع صياغة رؤية سياسية واقعية أو استراتيجية واضحة، فكلما شعرت أن قرارات المنظمة الأممية لا تسير في اتجاه أطروحتها المتجاوزة، انتقلت من لغة الإشادة إلى لغة الهجوم، في محاولة بائسة لتغطية عجزها وفشلها المتكرر”.

وأضاف أن “هذا التناقض لا يُظهر مرونة سياسية، بل يعكس هشاشة كيان وهمي فقد القدرة على إقناع المجتمع الدولي”، مبرزًا أن “هذه الازدواجية ليست سوى أسلوب ضغط إعلامي يسعى إلى ابتزاز الأمم المتحدة والتأثير على صورتها أمام الرأي العام. غير أن ما يغيب عن الجبهة هو أن المنظمة الأممية حدّدت بشكل واضح أولوية الحل السياسي الواقعي والتوافقي، وهو ما ينسجم تمامًا مع المبادرة المغربية للحكم الذاتي. لذلك فإن مهاجمة الأمم المتحدة لا تضعف المغرب، بل على العكس تُظهر الجبهة كطرف يرفض الانخراط في المسار الأممي بمسؤولية”.

وأوضح عطيف، في تصريح لهسبريس، أن “محاولات الجبهة تسييس القانون الدولي ما هي إلا انعكاس لافتقارها لأي سند قانوني فعلي، بعدما تزايد الاعتراف الدولي بمغربية الصحراء، واتسعت دائرة دعم مقترح الحكم الذاتي”، مسجلاً أن “رسالة غالي الأخيرة لا تمثل سوى صرخة عجز تحاول الجبهة من خلالها تعليق فشلها على الأمم المتحدة. وبينما المغرب ماضٍ بثبات في ترسيخ سيادته وتكريس موقعه كفاعل مسؤول في المنطقة، تظل الجبهة حبيسة الشعارات والاتهامات، وهو ما يفضح هشاشة مشروعها الانفصالي أمام قوة الحقائق التي يفرضها المغرب على الأرض”.

احتواء للفشل

فيما يرى جواد القسمي، باحث في العلاقات الدولية والقانون الدولي، أن “هذا التناقض الذي تسقط فيه الجبهة عبر زعيمها إبراهيم غالي تجاه منظمة الأمم المتحدة يمكن تفسيره كجزء من استراتيجية سياسية تحاول تحقيق أهداف صعبة ومعقدة، وهو مؤشر أيضًا على التحديات الكبيرة التي تواجهها الجبهة الانفصالية”.

وأوضح الباحث ذاته، في حديث مع هسبريس، أن “هذا التناقض في الخطاب يمكن فهمه من خلال الرغبة في الاستفادة من الشرعية الدولية، من خلال هذا المدح وإظهار الاحترام تجاه الآليات الأممية، وسعي الجبهة ورغبتها في التعامل معها، مما يعزز موقفها أمام المجتمع الدولي، ثم بعد هذا المدح تأتي محاولة الضغط بتوجيه الهجوم واللوم مباشرة إلى الأمم المتحدة”.

وأبرز أن “هذا النقد ليس مجرد تعبير عن الإحباط، بل هو محاولة لتحميل الأمم المتحدة مسؤولية عدم إحراز تقدم في ملف الصحراء، في محاولة لاستمالة مواقف المنظمة”، لافتًا إلى أن “هذا الخطاب يعكس ازدواجية تكتيكية تهدف إلى التأثير على قرارات الأمم المتحدة، عبر كسب التعاطف وإظهار الجبهة كطرف ملتزم بالسلام، وهو أمر يفنده واقع الجبهة وتحركاتها، ومنها خرقها علانيةً وقف إطلاق النار، ثم إن هذا الخطاب هو تغطية جلية لفشل الجبهة ومحاولة تحميلها المسؤولية للأمم المتحدة فيما يخص الجمود الذي يعرفه الملف”.

وخلص الباحث عينه إلى أن “جبهة البوليساريو الانفصالية تسعى عبر هذا الخطاب إلى تسييس القانون الدولي، إذ تسعى إلى استغلاله للضغط على المجتمع الدولي والمغرب دون التمسك باحترام مبادئ هذا القانون، وهي تحاول تحويل المسؤولية بتأطير فشلها في المسار السياسي على أنه نتيجة “تواطؤ” الأمم المتحدة”.

المصدر: هسبريس

شاركها.