اختبارات الأسئلة متعددة الاختيارات في الجامعات تثير جدلا تعليميا بالمغرب
بعد تقديم خطة إصلاح التعليم العالي المغربي، ظهرت في الآونة الأخيرة نقاشات كثيرة حول نظام الأسئلة متعددة الاختيارات QCM، بشكل بلغ إلى قبة البرلمان المغربي، حيث اعتبرت أصواتٌ أن هذا النظام “غير عملي” و”يشجع على الغش” و”يمعن في اغتيال العقل النقدي والمهارات التحليلية للباحثين المغاربة”.
عبد الرحيم بوعيدة، النائب البرلماني عن الفريق الاستقلالي للوحدة والتعادلية، المحسوب على الأغلبية، خصص نقدا لهذا الخيار خلال جلسة الأسئلة الشفهية الشهرية الموجهة إلى رئيس الحكومة، بمجلس النواب، يوم الاثنين 12 يونيو الجاري، معتبرا أنه “سهل عملية الغش في الامتحانات”.
لكن الأمر لا يتوقف عند هذا الحد؛ بل هناك جامعيون دافعوا عن هذا النظام من الاختبار على اعتبار أنه يسهل عملية التصحيح ويضمن تكافؤ الفرص بين الطلبة، نظرا لطابعه العملي سواء في إجراء الامتحانات أو في تصحيحها.
مكسب للجامعة
سعيد الصديقي، مدير مختبر الدراسات السياسية بجامعة سيدي محمد بن عبد الله، سجل أن “نموذج الاختبارات QCM لا يمكن أن يكون آلية للمزايدة”، معتبرا أن “كل ما يقال عنه في أحيان كثيرة ينم عن فهم خاطئ للخدمات المهمة التي يقدمها هذا الشكل من الاختبار سواء للأساتذة وللطلبة أو المتبارين أيضا”.
ودعا الصديقي، في تصريحه لجريدة هسبريس، إلى أن “يتم التفكير في تطبيقه حسب التخصصات؛ فهناك مواد تقنية تحتاج إلى نموذج QCM، وهناك أيضا مواد في العلوم الاجتماعية والإنسانية تحتملُ هذا الخيار من امتحان الطلبة”، مفضلا ألا “يتم الاتجاه إليه في كل المواد والتخصصات، باعتباره بديلا قد لا يستوعب الحاجات التي يريدها الأستاذ، بما أن هناك مواد تتطلب أن يظهر الطالب قدراته في الفهم والنقد والتفكيك والتحليل والنقاش”.
وأضاف الصديقي أيضا أن نظام الأسئلة متعددة الاختيارات هو خيار عملي في الحالات التي يود فيها الأستاذ أو منظم المباراة أن يعرف مدى تملك الطلبة للدرس ولأفكاره أو لنظرياته الكبرى واتجاهاته الفكرية”، مؤكدا أنه “إذا أردنا تطبيقه في العلوم الإنسانية، فيجب ألا يكون ذلك شاملا لكل التخصصات، بل أن ننتقي التي سيكون فيها امتحان QCM مفيدا وعمليا”.
كما أن هذا النظام من الامتحان، قال المتحدث، “يسهل عملية التصحيح على الأستاذ؛ وبالتالي يمنح دقة أكثر ومصداقية مضاعفة لعملية التصحيح، بحيث يكون التنقيط بناء على الأجوبة الصحيحة وليس بناء على مزاج المُصحح”، مفيدا أنه “يساهمُ بشكل ممتاز في التخفيف من أعباء كثيرة، خصوصا في الكليات ذات الاستقطاب المفتوح. كما أنه يستطيع أن يتضمن عددا كبيرا وهائلا من الأسئلة، بحيث يمكن أن يغطي المقرر كاملا”.
الصديقي لا يتفق مع الرأي القائل إنه “يساعدُ على الغش، من خلال سهولة تبادل الأجوبة عبر الإشارات”، مسجلا أنه في التجارب الناجحة لهذا النموذج في الامتحانات، يتم وضع أوراق عديدة، أي أمثلة متباينة، تتضمن نفس الأسئلة؛ لكن ترتيبها يكون مبعثرا بين ورقة وأخرى بشكل عشوائي، يصعب على الطلبة أو الممتحنين تقاسم الأجوبة.
هذه التقنية، حسب المتحدث، تجعل الأوراق مختلفة من حيث الشكل فقط، لكن المضمون لا يمسه أي تغيير، والحد الأدنى هو وضع ثلاثة نماذج، بمعنى أن كل ورقة لا تشبه أخرى في ترتيب الأسئلة فحسب.
وأجمل الباحث بأنه “هذا النموذج يجب النظر إليه بشكل إيجابي؛ فهو لا يشجع على الغش بقدر ما يحصن جامعاتنا ومباريات التوظيف ببلدنا من مختلف أشكال الغش التي كانت متداولة بشكل يسيء إلى منظومتنا التربوية ونظامنا التعليمي وفرص الشغل عندنا”.
“نظام غير عملي”
تعتبر مليكة بنضهر، المتخصصة في التواصل والإعلام والمهتمة بمجال التربية والتعليم، أن “تكثيف الاعتماد على نظام اختبارات الأسئلة المتعددة جاء في ظل الإصلاحات البيداغوجية التي بدأها وزير التعليم العالي، عبر اعتماد وتفعيل الإصلاح البيداغوجي لسلكي الإجازة والدكتوراه ابتداء من السنة الجامعية 20232024”.
بنهضر قالت، في تصريحها لهسبريس، إن هذا الإصلاح، عموما، يتماشى مع توجهات المخطط الوطني لتسريع تحول منظومة التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار (2030 PACTE ESRI)”، عادة ذلك “خطة مهمة للنهوض بقطاع التعليم العالي ببلدنا، تأسست في إطار تقييم مسبق لدفاتر الضوابط البيداغوجية، ومن ثم جرى التهييء ليكون الموسم المقبل خاضعا لنظام تعليمي إصلاحي جديد”.
لكن، الجانب الآخر، الذي تراه بنضهر، فهو أن “هذه المستجدات بالإضافة إلى التكثيف في اعتماد اختبارات QCM ليس عمليا إلى ذلك الحد المُتصور، وقد يجعل الطلبة يشعرون بالظلم، مما يمكن أن يعرض النظام التعليمي الجامعي إلى اختلالات أخرى من شأنها تكريس مبدأ الهدر الجامعي”.
وأوضحت المتحدثة أن هذا الأمر قد يبدو واضحا إذا ساهمت الجامعات في تعزيز الفوارق المجالية والاجتماعية للمؤسسات الجامعية”، مسجلة أن الرقمنة في مجال الاختبارات بدورها قد تشكل رقما صعبا على مستوى التتبع لا بالنسبة للطلبة أو حتى للمؤسسات الجامعية”.
وختمت المتخصصة في التواصل والإعلام والمهتمة بمجال التربية والتعليم متسائلة “حول الرأسمال البشري ومدى اهتمامنا به تكوينا ومواكبة لمواجهة التحديات العالمية الكبرى الخاصة بغزو التكنولوجيات الحديثة اليوم، وهل سنضمن فعلا الشفافية على المستويات الإجرائية للإصلاح عبر هذا النظام من الاختبارات وغيره؟”، مع الإشارة إلى تأكيد الباحثة على مدى أهمية هذا الإصلاح في ظل الاحتياجات لسوق الشغل، مع إشكال تأهيل الطلبة بمهارات تقنية ومختزلة من خلال طرق امتحانهم، بشكل لا يراعي أهمية الجوانب الفكرية والثقافية”.
المصدر: هسبريس