سجّل أكاديميون مغاربة أنه مع انطلاق الاحتجاجات التي تدعو إليها حركة “جيل زد” بالمغرب، بدا واضحا أن “تضامن الأغلبية الحكومية بات أمام اختبار حقيقي”، معتبرين أن “الأمر ظهر جليّا مع تصريح فاطمة الزهراء المنصوري، منسقة القيادة المشتركة لحزب الأصالة والمعاصرة، حين دفعت بأن ‘القول بحل جميع المعضلات غير واقعي’، قبل أن يأتي تصريح نزار بركة، الأمين العام لحزب الاستقلال، بأنه لا يشارك بقبعته الحكومية في برنامج تلفزيوني”.

وأكد الأكاديميون الذين تحدثوا إلى هسبريس أن “الأحداث الاحتجاجية الأخيرة فرضت تغييرا واضحا في سردية الحكومة حيال منجزاتها؛ إذ انتقلت من خطاب يدعي كمال كل سياساتها إلى رؤية نسبية تلتمس من الجماهير المزيد من الوقت لتكمل هذه المشاريع”، مبرزين أن “التعالي على الشرائح الشعبية والاستخفاف بآمالها البعيدة وضع الأغلبية أمام اختبارات عسيرة”.

“مخاضات صعبة”

عبد الحفيظ اليونسي، أستاذ القانون الدستوري، قال إن “الأصل في التدبير الحكومي هو الدفاع عن المنجزات، إن وُجدت، وتقديم المصلحة الوطنية على حساب المصلحة الحزبية، خاصة إذا تعلق الأمر بضرورة اتخاذ قرارات قد تبدو لا شعبية. كما أن الحكومات الائتلافية يُفترض فيها أن تشتغل بمنطق التضامن فيما بينها تجاه حصيلة الحكومة التي تسهم في تسييرها، وذلك في إطار ما يُعرف بالتضامن الحكومي”.

وأضاف اليونسي، ضمن تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن “التجارب الحكومية في المغرب أبانت أن الحزب الذي يقود الحكومة غالبا ما يتحمل وحده تبعات القرارات المتخذة، بينما تنشغل الأحزاب المشكلة للائتلاف الحكومي بالتحضير للانتخابات منذ بداية الولاية الانتدابية للسلطة التنفيذية”، بدل الالتزام الجماعي بالمسؤولية السياسية تجاه المواطنين.

واعتبر أستاذ القانون الدستوري أن “ما نعيشه اليوم في المغرب يشير إلى منطق جديد في تدبير الحكومة، وهو منطق وأسلوب رفضه الحراك الشبابي الأخير، وهو رفضٌ اتخذ أحيانا طابعا احتجاجيا عنيفا بما يفيد سقوط الحكومة شعبيا”.

وخلص المصرح لهسبريس إلى أن “ما تقوم به بعض مكونات الأغلبية الحكومية تجاه حزب التجمع الوطني للأحرار يدخل صراحة في خانة الانتهازية السياسية”، موردا أن “ميل حزب التجمع الوطني لأحرار مؤخرا نحو التواضع والنسبية في تقديم حصيلته، هو موقف متأخر، ويُظهر أن الحزب يفتقر إلى عمق جماهيري حقيقي يمكّنه من تجاوز مثل هذه الهزات التي عادة ما ترافق العمل الحكومي”.

“الإجماع صعب”

عبد الحميد بنخطاب، أكاديمي باحث في العلوم السياسية، قال إن “الحكومة اتخذت سلسلة من السياسات العمومية والقرارات الجريئة، لكن التساؤل المطروح هو: هل هذه القرارات تُرضي الجميع؟”، وأجاب: “لا أعتقد ذلك، كما هو الحال في أي سياسة عمومية في العالم، فهي لا تكون دائما محل اتفاق أو إجماع بين مختلف الفاعلين السياسيين، سواء من حيث التوجهات أو المرجعيات أو الأهداف”.

وأضاف بنخطاب، في تصريح لهسبريس، أن “الحديث عن اتفاق مطلق حول السياسات العمومية يبقى أمرا مستبعدا”، مشيرا في المقابل إلى أن “ما يؤاخذ على الحكومة الحالية هو ضعف أدائها التواصلي مع الشارع منذ البداية وحتى اليوم”، وزاد: “لقد نبّهنا إلى ذلك مرارا وتكرارا، حيث إن هناك خللا في التواصل الأساسي وغيابا للمقاربة البيداغوجية التي تفسر وتشرح وتقدّم المعلومات للمواطنين حول ما تقوم به الحكومة”.

وفي تقييمه لطبيعة العلاقة بين الحكومة والمجتمع، ذكر بنخطاب “أننا أمام حكومة تبدو متعالية عن الشارع”، وأن ذلك سببا في الوصول إلى الأزمة الحالية، وبيّن أن “لا أحد من الفرقاء الحكوميين من مصلحته أن يتحمل مسؤولية أي فشل، أو أن يظهر أمام الشارع وكأنه مسؤول عن تقصير داخل هذه الحكومة”، مضيفا أن “كل طرف يحاول أن ينأى بنفسه عن مكامن الخطأ ومشاكل التواصل، حتى لا يظهر بمظهر المسؤول السياسي عن الإخفاقات”.

لكن المتحدث لفت الانتباه أيضا إلى ما وصفه بـ”الإشكال القانوني” المرتبط بالوحدة الحكومية، قائلا: “مهما حاول الأمين العام لحزب الاستقلال، نزار بركة، التبرؤ من مسؤوليته داخل هذه الحكومة، فإن المنطق القانوني والسياسي يقتضي الاعتراف بوجود وحدة حكومية”، وأردف: “حتى وإن لم يكن موافقا تماما على ما تقوم به الحكومة، فإن هناك وحدة قانونية كما يتحدث عنها الدستور، وهناك أيضا وحدة سياسية، بالنظر إلى أننا أمام فرقاء داخل تحالف حكومي يحوز على الأغلبية”.

المصدر: هسبريس

شاركها.