تعيش جماعات ودواوير إقليم أزيلال، منذ أيام، موجة احتجاجات اجتماعية سلمية، خرج خلالها سكان دواوير جبلية عديدة للمطالبة بفك العزلة وتحسين خدمات التعليم والصحة والماء والكهرباء والبنية التحتية. وفي الوقت نفسه، أصدر المكتب الإقليمي للعصبة المغربية للدفاع عن حقوق الإنسان بيانًا يعكس قلقه ويطالب بحلول عاجلة ومستدامة.

جذور الاحتجاجات.. تاريخ طويل من النضال

لم تكن هذه التحركات وليدة اللحظة؛ بل هي امتداد لنضال اجتماعي متجذر منذ عقود، غذته السياسات المتعاقبة التي عمّقت شعور السكان بالعزلة والإقصاء. منذ أواخر التسعينيات، لجأت الساكنة إلى مسيرات واعتصامات للتعبير عن رفضها للوضع القائم وللفت انتباه المسؤولين إلى معاناتهم اليومية.

وقد شهدت المنطقة احتجاجات بارزة مثل مسيرة آيت بلال عام 1999 نحو مدينة مراكش، التي شارك فيها أكثر من 1400 شخص للمطالبة بتعبيد الطرق وإنشاء مستوصف وتجهيز السوق الأسبوعي وفك العزلة عن دواوير المنطقة، وأسفرت عن توقيف عدد من المحتجين بعد تدخل القوات العمومية.

وفي فبراير 2009، خاضت نساء ورجال آيت عبدي مسيرة شاقة لمسافة تفوق 80 كيلومترًا، مطالبين بقنطرة على وادي عطاش وشق طرق وبناء مستوصف وتجهيز مركز صحي وربط المنطقة بالكهرباء والاتصالات وتعويض السكان عن الخسائر الفلاحية والمادية.

واصلت الساكنة، خلال السنوات التالية، احتجاجاتها شملت اعتصامًا مفتوحًا عام 2013 للمطالبة بتجهيز المركز الصحي، ومسيرة آيت بلال 2015 احتجاجًا على نقص التجهيزات الطبية، إضافة إلى وقفات بين 2016 و2019 في آيت عباس وأنركي ودوار تاغية للمطالبة بفك العزلة وإنشاء ملحقات مدرسية وتحسين شبكة الطرق رغم تدخل بعض القوات لفض الاعتصامات.

بداية شرارة الاحتجاجات الصيفية

خرج المئات من سكان آيت بوكماز، يوم الأربعاء 9 يوليوز من السنة الجارية، في مسيرة سلمية نحو مقر ولاية جهة بني ملال خنيفرة، احتجاجًا على التهميش المستمر وتجاهل مطالبهم.

وطالب السكان المحتجون بتحسين البنية التحتية وإصلاح الطرق الجهوية الرئيسية، خصوصًا الطريق رقم 302 والطريق رقم 317، لتسهيل التنقل اليومي وتقليل العزلة. وكانت هذه المسيرة شرارة الموجة الاحتجاجية الحالية.

ركزت التحركات أيضًا على القطاع الصحي، مطالبين بتوفير طبيب قار في المركز الصحي الوحيد وتحسين تغطية شبكة الهاتف والإنترنيت لدعم التعليم عن بعد، إضافة إلى إحداث ملعب رياضي للشباب في ظل غياب البنيات الترفيهية، لمواجهة الفراغ بين الفئات الشابة.

اليوم، تواصل الاحتجاجات بوتيرة شبه يومية

في تامدة نومرصيد، خرجت ساكنة دواوير تيزة وآيت فراج وتباشكوت وأورير في مسيرة سلمية نحو مقر عمالة أزيلال، رافعين شعارات تطالب بإصلاح الطريق الرابط بالمنطقة وإنشاء مستوصف محلي وتوفير ملاعب للقرب وتمكين الأطفال من التعليم الأولي.

أما في بني عياط، فتحولت وقفة أمام مدرسة لعوينة المركزية إلى مسيرة شارك فيها التلاميذ وآباؤهم، احتجاجًا على الأضرار التي لحقت بالمؤسسة جراء فيضانات أبريل الماضي. وأكد المحتجون أن “الأقسام غير صالحة لاستقبال التلاميذ؛ ما يهدد الموسم الدراسي ويزيد الفوارق التعليمية، خصوصًا بين الفتيات اللواتي يضطررن أحيانًا للتوقف عن الدراسة”.

تيلوكيت وآيت عباس.. مطالب أساسية

في تيلوكيت، تحدى سكان دوار آيت عبي المسالك الجبلية الوعرة، حاملين لافتات تطالب بشبكة طرق معبدة وماء صالح للشرب ومستوصف محلي وكهرباء للمنازل. وقال السكان: “نعيش في عزلة حقيقية، الوصول إلى أي خدمة يستغرق ساعات، وقد أصبح صبرنا محدودًا”.

وفي آيت عباس، شارك سكان 11 دوارًا في مسيرة احتجاجية صوب مقر العمالة، مطالبين بملحقة إعدادية بدوار أكمير لتقريب المدرسة من التلاميذ وتقليل أعباء التنقل اليومي.

إسكسي وتنانت.. مطالب متنوعة

ولم تتوقف التحركات الاجتماعية عند هذا الحد؛ فقد خرجت سكان إسكسي قيادة واويزغت في مسيرة صوب العمالة، مطالبين بتسهيل مساطر البناء وربط دواوير كوانين بالكهرباء؛ فيما فتحت السلطات المحلية حوارًا أوليًا معهم لتشكيل لجنة لدراسة مطالبهم.

وفي اليوم نفسه، خرجت ساكنة دوار أباينو بجماعة تنانت في مسيرة مشابهة، مطالبين بخدمات أساسية متنوعة؛ مما يعكس أن الاحتياجات في الإقليم مترابطة ومتقاربة حول التعليم والصحة والبنية التحتية والماء والكهرباء.

البيان الحقوقي: دعوة للحلول العاجلة

تزامنًا مع الاحتجاجات الاجتماعية، أصدر المكتب الإقليمي للعصبة المغربية للدفاع عن حقوق الإنسان بيانًا أشار فيه إلى أن التحركات الأخيرة تعكس عمق الخصاص التنموي الذي تعانيه المناطق القروية والجبلية بإقليم أزيلال، مؤكدًا أن السكان يطالبون بحقوق أساسية طال انتظارها.

وأضاف البيان أن الاحتياجات المتعلقة بالطرق والماء الصالح للشرب والكهرباء والمراكز الصحية والتعليم تُعد حقوقًا دستورية وإنسانية، محذرًا من أن استمرار غياب حلول عملية قد يعيق التنمية المحلية ويؤثر على استقرار المجتمع، داعيًا السلطات إلى التدخل بشكل عاجل وفعال لتلبية هذه المطالب.

وأوضحت الوثيقة سالفة الذكر أن استمرار صرف المال العام في مناسبات شكلية وفارغة من الأثر التنموي يبرز فجوة بين الاحتياجات الحقيقية للسكان والخيارات المتخذة، داعيًا إلى إعطاء أولوية للحوار البناء ووضع برامج تنموية مستدامة.

كما شدد المصدر عينه على ضرورة تفعيل مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة وإخراج “قانون الجبل” لدعم المناطق الجبلية والقروية وتعزيز العدالة المجالية.

وأشار البيان أيضًا إلى أن عدم معالجة هذه القضايا في الوقت المناسب قد يزيد من الاحتقان الاجتماعي ويؤثر على استقرار المنطقة، مؤكّدًا على أهمية العمل المشترك لكل الفاعلين المحليين والإقليميين لإيجاد حلول عملية وعاجلة لتلبية مطالب المواطنين.

الحاجة إلى مقاربة شاملة

أشار خبراء إلى أن الاحتجاجات المستمرة تؤكد حاجة الإقليم إلى رؤية متكاملة تراعي خصوصيات الوسط القروي والجبلي، وتستجيب للاحتياجات الأساسية للسكان في التعليم والصحة والماء والكهرباء والبنية التحتية، بما يضمن تحسين جودة الحياة وتحقيق العدالة المجالية.

المصدر: هسبريس

شاركها.