اتهامات لمستشفى تطوان بـ”طرد” سيدة حامل في حالة مخاض.. والملف يصل البرلمان

يعيش المستشفى الإقليمي بمدينة تطوان على وقع جدل واسع عقب اتهامات وجهها رئيس جماعة تازروت بإقليم العرائش، وقابلة (مُولِّدة) بنفس المنطقة، بـ”رفض المستشفى استقبال امراة حامل وطردها بطريقة مهينة رفقة زوجها ومولدة تابعة للمركز الصحي مولاي عبد السلام بن مشيش وسائق سيارة إسعاف تابع لجماعة تزروت”.
وفي الوقت التي وصل فيه الملف إلى البرلمان، تعهدت إدارة المستشفى الإقليمي بمدينة تطوان بتقديم التوضيحات اللازمة حول هذا الموضوع، مشيرة إلى أنها ستصدر بلاغا تفصيليا حول الواقعة، (ستورده جريدة “العمق” حال توصلها به).
وتعود تفاصيل الواقعة إلى الساعة العاشرة والنصف من مساء الخميس 17 أبريل الجاري، حين نُقلت سيدة حامل في وضعية مخاض، على وجه الاستعجال، من جماعة تازروت بإقليم العرائش إلى مستشفى سانية الرمل بتطوان، رفقة مولدة تابعة للمركز الصحي بتازروت عبر سيارة إسعاف جماعية.
وبحسب ما جاء في مراسلة وجهها رئيس جماعة تازروت، أحمد الوهابي، إلى عامل إقليم العرائش، تتوفر جريدة “العمق” على نسخة منها، فإن “الطبيب المدوام بمستشفى تطوان رفض استقبال السيدة الحامل بمبرر أن المستشفى لا يستقبل الحالات الواردة إليه من مناطق جغرافية غير محسوبة عليه إداريا، وبأن الحالة المعنية يتوجب توليدها بالمستشفى الإقليمي للا مريم بالعرائش”.
وأضاف الوهابي أن الطبيب المذكور “أصر على موقفه رغم إحاطته من قبل المولدة المرافقة بإكراه بعد المسافة الذي يتجاوز 113 كلم التي تفصل جماعة تزروت عن العرائش، مقابل 56 كلم التي تفصلها عن تطوان، والتي استدعتها الحالة الحرجة للمرأة الحامل”.
وكشف المسؤول المنتخب عن “اتخاذ إجراء التوجيه إلى مستشفى سانية الرمل بتطوان عبر التنسيق الإقليمي الذي أكد بأن المندوب الإقليمي للصحة بتطوان أحيط علما بالحالة من قبل نظيره مندوب الصحة بالعرائش، وعبَّر عن الموافقة على استقبال تلك الحالة”، مشيرا إلى أن ذلك “لم يجدي أي نفع”، وفق تعبيره.
واتهم رئيس الجماعة المذكور، الطبيب المداوم في تلك الليلة بـ”تعريض المولدة والمرأة الحامل وزوجها وسائق سيارة الإسعاف الجماعية، للطرد ولإهانات شديدة واعتداءات لفظية مشينة”، مشيرا إلى أن ذلك تم بحضور الحارس العام بالمستشفى وبمساعدة حراس الأمن الخاص.
وتابع في مراسلته إلى عامل العرائش، بأن القابلة اضطرت، عقب ذلك، إلى نقل السيدة الحامل عبر سيارة الإسعاف الجماعة في حالة صعبة إلى مستشفى محمد الخامس بطنجة الذي استقبلها وخضعت فيه للولادة، حسب قوله.
تقرير “القابلة”
وبالعودة إلى المولدة التي رافقت السيدة الحامل إلى مستشفى تطوان، فقد توصلت جريدة “العمق” بتقرير لها عن تفاصيل ما وقع، وجهته إلى المندوب الإقليمي لوزارة الصحة بالعرائش، تشير فيه إلى أن حالة السيدة الحامل كانت تستدعي تحويلاً استعجالياً إلى مستشفى مجهز بطبيب اختصاصي في التوليد، موضحة أن المركز الصحي بتازروت “لا يستجيب لأدنى شروط العمل الأمن في مصلحة الولادة”.
القابلة التي تعمل بالمركز الصحي تازروت، أوضحت في تقريرها أن السيدة الحامل كانت تتابع بالمركز طيلة شهور الحمل، مع توفرها على سوابق توليد قيصري وإجهاض، مشيرة إلى أنها حررت لها ورقة تحويل جديدة إلى المستشفى، حيث تم التنسيق في الموضوع عبر المنسق الإقليمي الذي أكد أن المندوب تواصل مع نظيره بتطوان، وتم الاتفاق على استقبال السيدة بمستشفى سانية الرمل.
وبحسب القابلة، فقد تم تسليم السيدة لمصلحة الولادة مع ورقة التحويل بعد الوصول إلى مستشفى تطوا، مضيفة: “وبينما كنت أشرح للقابلات هناك تفاصيل الحالة، خرجت مؤقتا من القاعة لأطمئن الأسرة، وفوجئت بشخص ينادي بصوت مرتفع “واااا العرايش شكون لي جا من العرايش؟، تقدمت لأوضح له أنني القابلة من مركز تازروت التابع للعرائش وجئت لمرافقة السيدة بناءً على التنسيق الرسمي”.
وتابعت في التقرير ذاته: “فإذا بي أفاجأ بأسلوب عدواني ومهين، حيث أجابني الطبيب المكلف بالحراسة بعبارات جارحة ومهينة، من قبيل عيطي للمندوب يجي يولدا، “إشنو” كديري تماك فداك المركز؟ سكسفتي ومجا لعندي؟ ما كتخدميش وكتشدّي الصالير” ثم أضاف: راه ما تدخلش هاد السيدة، ديها منين جبتيها”.
وأضافت في تقريرها: “أجبته بهدوء أنني قمت فقط بدوري كممرضة مسؤولة، وأن تحويل الحالة لا يتم بقراري بل وفق تنسيق رسمي، وإن كان له اعتراض فليقم بتحويلها بنفسه”، مردفة: “لكنه تمادى في السب والتهديد قائلا: “والله ما تتحركي من هنا، غادي نعيط البوليس، ونلسق ليك مونتيف، وغادي نديرك مجلس تأديبي” حسب قوله.
وأشارت القابلة إلى أن الطبيب استدعى بالفعل الحارس العام وشرطي المستشفى، مضيفة: “تم منعي من المغادرة، وطلب مني الشرطي بطاقة تعريفي، فرفضت إعطاءها امتثالاً لتوجيه المنسق، مبررة أنني أديت واجبي فقط، فردّ عليّ الشرطي بطريقة مستفزة: “الكاميرا شاعلة وسجلتك كتقولي لا”، وراهم البوليس غادي يجيو يديوك تعطيهم المعلومات ديالك”.
وكشفت أنه خلال هذه المدة، “كانت السيدة الحامل مستلقية في الممر، تصرخ ألماً، وتم منع دخولها أو إسعافها، رغم توسلات أسرتها للطبيب والحارس العام، خاصة بعد أن تمزق كيس السائل الأمنيوسي”، موضحة أنه “أمام هذا الوضع المأساوي، اضطرت إلى إعادة السيدة إلى سيارة الإسعاف ونقلها إلى مستشفى محمد الخامس بطنجة، وهناك تم استقبالها بكل احترام ومهنية، ووضعت مولودها في ظروف سليمة”.
واعتبرت أنها ظلت “تحت وقع الصدمة، منهارة نفسيا، ومهانة أمام أسرة المريضة والزملاء نتيجة المعاملة التي تلقتها في مستشفى عمومي، أثناء قيامها فقط بواجبها المهني بتفان والتزام” وفق تعبيرها، مشيرة إلى أن ما تعرضت له “يُعد تعديا صريحًا على كرامتي كقابلة، وخرقاً لقيم المهنية والاحترام المتبادل داخل المؤسسة الصحيةن ويشكل تهديدًا واضحًا للأطر التمريضية أثناء تأدية واجبهم”.
وفي هذا الصدد، التمست القابلة من الجهات المختصة “فتح تحقيق جاد ومسؤول حول هذا الحادث، واتخاذ الإجراءات اللازمة لإنصاف كل من تضرر وحماية كرامة مهنيي الصحة الذين يعملون في ظروف صعبة دون أي سند أو دعم” وفق نص التقرير.
كما كان لافتا في تقرير القابلة، إشارتها إلى أن المركز الصحي القروي تازروت “فضاء لا يستجيب لأدنى شروط العمل الأمن في مصلحة الولادة، حيث لا تتوفر به لا المساحة الكافية، ولا شروط النظافة، ولا حتى الماء الصالح للاستعمال”، موضحة أنه رغم هذه الظروف الصعبة، تواصل القابلات تقديم خدمات توليد النساء القرويات، حيث بلغ عدد الولادات المنجزة بهذا المركز المؤقت منذ بداية العمل به 29 ولادة.
الملف يصل البرلمان
ووصل الملف إلى قبة البرلمان بعدما وجه النائب البرلماني ورئيس الفريق الحركي بمجلس النواب، محمد أوزين، سؤالا كتابيا في الموضوع إلى وزير الصحة والحماية الاجتماعية، مشيرا إلى أن “رفض المستشفى استقبال سيدة حامل قادمة في حالة مخاض مستعجلة، “حادثة لا إنسانية أثارت استياء واسعا، ليس لدى عائلة المعنية وقبيلتها فحسب، بل لدى كل من علم بهذا التصرف اللامسؤول”.
وطالب أوزين من وزير الصحة، أمين التهراوي، بـ”فتح تحقيق فوري في الموضوع ومحاسبة المتورطين في هذا الفعل اللامسؤول وغير الإنساني”، مسائلا إياه عن “التدابير التي ستتخذونها لتحسين جودة الخدمات الصحية المقدمة للمواطنين، خاصةً في الحالات الطارئة التي تتطلب تدخلًا سريعًا لإنقاذ أرواح المواطنين؟”.
وقال أوزين في سؤاله الذي تتوفر جريدة “العمق” على نسخة منه، إن “هذه الحادثة تعيد من جديد إلى الاذهان أزمة الواقع الصحي، لاسيما في الوقت الذي تطمح فيه بلادنا إلى استكمال تنزيل الورش الملكي الخاص بتعميم الحماية الاجتماعية، إلا أن مثل هذه السلوكات في مستشفيات عمومية تعتبر بعيدة كل البعد عن هذا الطموح الجماعي،”.
وأشار إلى “العديد من الاختلالات والإشكالات التي يعرفها القطاع الصحي نظير النقص الكبير والحاد في الموارد البشرية، وغياب الأوكسجين بالمستعجلات، ونقص أو غياب الأدوية خاصة بالنسبة للأمراض المزمنة، وحتى إن وجدت فأسعارها لا تكون في المتناول، بالإضافة إلى الشلل الذي تعرفه مراكز الولادة” وفق تعبيره.
مطالب بالتحقيق
في نفس السياق، أعلن رئيس جماعة تازروت، أحمد الوهابي، في مراسلته إلى عامل العرائش، أنه سيراسل إداريا وزير الصحة والحماية الاجتماعية في الموضوع قصد فتح تحقيق وترتيب المسؤوليات في هذه النازلة وضمان عدم تكرارها، مشيرا إلى أن الساكنة بدورها شرعت في التوقيع على عريضة بهذا الخصوص، ستوجه لكافة السلطات المعنية والجهات المسؤولة عن قطاع الصحة.
وقال الوهابي إن الوقائع المذكورة التي وثقتها كاميرات المستشفى، ووثقها أيضا تقرير مرفوع إلى مندوب الصحة بالعرائش من قبل المولدة التي رافقت السيدة الحامل، تعتبر “سلوكا مهينا لكافة المؤسسات الصحية بالمملكة، وتضرب في صلب التوجيهات والخطابات الملكية التي ما فتئت تدعو لتعزيز وتعميم التأمين الصحي لعامة المواطنات والمواطنين”.
ويرى المصدر ذاته أن “رفض استقبال امرأة حامل ترغب في وضع مولودها في مستشفى أو مركز صحي بحجة عدم إنتمائها لإقليم أو جماعة معينة، قضية مرفوضة”، مشددا على ضرورة تقديم المستشفيات للخدمة الصحية لحالات الولادة الواردة عليها بغض النظر عن مكان إقامة الشخصف، مضيفا: “في النهاية ينبغي أن تضل القيم الإنسانية فوق أي إعتبارات إدارية أو جغرافية”.
واعتبر أن ما وقع يمثل “إساءة بالغة للتوجهات الحثيثة التي تخطوها بلادنا في مجالات الحماية الاجتماعية وضمان التغطية الصحية لعامة المواطنين، ولاسيما بالنسبة للمرأة الحامل القادمة للمستشفى من الوسط القروي ومن مسافات بعيدة تتسم بظروف الإستعجال، وأن أي تأخير في استقبالها قد يعرض حياتها وحياة جنينها لمخاطر الوفاة لا قدر الله”.
وشدد على “الرفض المطلق لهذا السلوك المجرم قانونا باعتباره تهديدا لحياة امرأة في حالة خطر والإحجام عن تقديم المساعدة لها، وإخلالا خطيرا بالواجب المهني وغيابا للحس الإنساني والمهني ولشرف وقسم مهنة الطبلكل تلك الاعتبارات”، وفق تعبيره، منبها إلى أن “حالات مشابهة لتوافد النساء الحوامل على نفس المستشفى بذات المدينة وارد ومؤكد في المستقبل القريب”.
تضامن الممرضين
من جانبه، اعتبر فرع النقابة المستقلة للممرضين بالعراش، أن ما تعرضت له المولدة المذكورة خلال تأديتها لمهامها في مرافقة سيدة حامل “لا يمكن السكوت عنه”، مشيرا إلى أنها “فوجئت داخل المستشفى بسلوك عدواني وغير مهني من طرف طبيب الحراسة، بلغ حد السب والتهديد والتشهير والمنع من مغادرة المكان واستدعاء الشرطة، دون أي اعتبار لظروف الحالة الصحية للمرأة الحامل، أو للصفة التمريضية للزميلة”.
ووصفت النقابة المستقلة للممرضين بالعراش في بلاغ لها، تتوفر جريدة “العمق” على نسخة منه، ما وقع للمولدة داخل مستشفى سانية الرمل بأنه “سلوك غير مسؤول ومخز، لا يمت لأخلاقيات المهنة بصلة، ويضرب في العمق كرامة مهنيي الصحة”، ميدنة بشدة ما أسمته “التهجم اللفظي والتهديدات الصريحة التي طالت الزميلة”.
وحملت النقابة المسؤولية الكاملة لإدارة مستشفى سانية الرمل، مطالبة بـ”فتح تحقيق فوري وجاد واتخاذ إجراءات حازمة في حق كل من ثبت تورطه في هذه الواقعة، حفظاً لكرامة الأطر الصحية بصفة عامة، والتمريضية منها على وجه الخصوص”، مستنكرة “استمرار مثل هذه السلوكيات المهينة داخل المؤسسات الصحية، والتي تكرس مناخ الرعب والتخويف، وتزيد من حدة الاحتقان وسط مهنيي الصحة الذين يشتغلون في ظروف غير إنسانية، وأحياناً دون أي حماية قانونية أو إدارية”.
كما طالبت وزارة الصحة بـ”إعادة النظر في مقاربة تدبير الموارد البشرية وضمان بيئة عمل محترمة وآمنة، مع إرساء ثقافة الاحترام والتعاون بين كافة المتدخلين في القطاع”، معلنة عزمها خوض “جميع الأشكال النضالية المشروعة والكفيلة برد الاعتبار لزميلتنا القابلة، على اعتبار أن كرامتها من كرامتنا وما يسوؤها يسوؤنا جميعا” وفق تعبير البلاغ ذاته.
المصدر: العمق المغربي