تعيش جماعة مولاي عبد الله أمغار، الواقعة ضمن النفوذ الترابي لإقليم الجديدة، على وقع جدل واسع وغير مسبوق، بسبب اعتماد أشكال زخرفية على شكل نجوم سداسية في عملية تزيين أعمدة الإنارة العمومية.
هذه الخطوة، التي أقدم عليها المجلس الجماعي، أثارت موجة من الانتقادات اللاذعة، وفتحت باب التأويلات والاتهامات، خاصة في ظل ما يعتبره البعض رمزية سياسية ودينية لهذه الأشكال الهندسية.
فقد أعلنت عدد من الفعاليات السياسية بالجماعة عزمها توجيه شكاية رسمية إلى عامل إقليم الجديدة، تطالب من خلالها بفتح تحقيق عاجل في ملابسات هذه القضية، التي اعتبرت مستفزة لمشاعر السكان ومخالفة للأعراف الراسخة في المنطقة.
وأكدت ذات الفعاليات أن رئيس الجماعة، المهدي الفاطمي، يتحمل كامل المسؤولية السياسية والأخلاقية، باعتباره الجهة التي اتخذت قرار تثبيت هذه الزينة المثيرة للجدل.
ويرى معارضو هذه الخطوة أن اعتماد نجوم سداسية عوض النجمة الخماسية، التي ألفها المواطنون كرمز تقليدي وجزء من الهوية الوطنية، يشكل انزلاقا خطيرا و”سقطة أخلاقية” حسب وصفهم، لما قد تحمله هذه الأشكال من إيحاءات مرتبطة بـ”نجمة داوود” ذات الدلالة الدينية والسياسية المرتبطة بالكيان الصهيوني.
وفي هذا السياق، عبر عدد من أعضاء المجلس الجماعي عن امتعاضهم الشديد من ما اعتبروه “تطبيعا مقنّعا” لا يعكس إرادة الساكنة، ولا يُراعي رمزية الفضاء العمومي وخصوصيات المجتمع المغربي المحافظ.
كما نددوا بما سموه “الانفراد في اتخاذ القرار”، مؤكدين أن رئيس الجماعة لم يعرض الموضوع على أنظار المجلس، ولم يستشر المستشارين الجماعيين، ما يشكل بحسبهم تجاوزا واضحا للمساطر القانونية والتشاركية التي تؤطر عمل الجماعات الترابية.
من جهتهم، عبر العديد من المواطنين والمتتبعين للشأن المحلي بالجماعة عن رفضهم القاطع لهذه الزينة، مؤكدين أن الشكل السداسي المستخدم في أعمدة الإنارة يوحي مباشرة برمزية “نجمة داوود”، وهو ما يثير استياء شريحة واسعة من الساكنة، بالنظر إلى ارتباط هذا الرمز في الأذهان بالصهيونية وبقضية التطبيع مع إسرائيل، التي ما تزال تثير حساسية كبيرة في المجتمع المغربي.
وتابع عدد من السكان في تصريحات متفرقة، أن اعتماد هذا الشكل الهندسي لا يعكس هوية المنطقة ولا ثقافتها، بل “يمسّ بثوابت الأمة المغربية، وفي مقدمتها التشبث بالدين الإسلامي ونصرة القضايا العادلة وعلى رأسها القضية الفلسطينية”، بحسب تعبيرهم.
وعبر عبد الغني بصار، المستشار الجماعي بجماعة مولاي عبد الله، عن استنكاره الشديد لما وصفه بـ”الفضيحة السياسية والاجتماعية والأخلاقية”، عقب اعتماد النجمة السداسية ضمن زينة أعمدة الإنارة العمومية خلال موسم مولاي عبد الله، معتبرا أن هذا السلوك لا يمكن أن يمر دون مساءلة ومحاسبة.
وفي تصريح خص به جريدة “”، أوضح بصار أن المجسمات التي تم تثبيتها على أعمدة الإنارة العمومية، والتي تتضمن النجمة السداسية، لم تكن محل توافق داخل المجلس الجماعي، بل تمت بشكل انفرادي من قبل رئيس الجماعة، الذي يشغل أيضا منصب رئيس اللجنة التنظيمية لموسم مولاي عبد الله.
وأكد أن هذا القرار اتخذ دون أي استشارة أو إشراك لباقي أعضاء المجلس، وهو ما يشكل حسب قوله خرقا صريحا لقواعد التدبير التشاركي والحكامة المحلية.
وشدد المستشار على أن اختيار النجمة السداسية، المعروفة بارتباطها بما يسمى بـ”نجمة داوود”، لا يمت بأي صلة لرموز الدولة المغربية أو ثوابتها، والتي تستند أساسا إلى المرجعية الإسلامية والوطنية.
واعتبر أن إدخال هذا الرمز في الفضاء العمومي يحمل دلالات خطيرة تمس هوية المجتمع المغربي وقيمه الدينية والثقافية.
وأضاف بصار قائلا: “ما حدث لا يمكن تفسيره سوى كخطوة تطبيعية مرفوضة مع الكيان الصهيوني، خاصة في ظل السياق الراهن الذي تشهده القضية الفلسطينية، وتزايد الوعي الشعبي المغربي المناهض للتطبيع بكافة أشكاله”، مؤكدا أن هذه الخطوة تمثل استفزازا لمشاعر المواطنين، ومسّا بالقيم التي يقوم عليها المجتمع المغربي.
وختم المستشار الجماعي تصريحه بالإشارة إلى أن أعضاء من مجلس جماعة مولاي عبد الله بصدد إعداد مراسلة رسمية سيتم توجيهها إلى عامل الإقليم، فضلا عن مراسلة رئيس الجماعة، للمطالبة بتفسير عاجل ومساءلة واضحة حول هذا “التصرف غير المقبول”، مؤكدا أن المجلس لن يسكت عن هذه “المهزلة” التي تسيء إلى الجماعة وإلى صورة المؤسسات المنتخبة.
من جهته، أكد المهدي الفاطمي، رئيس جماعة مولاي عبد الله أمغار، أن ما تم تداوله حول ارتباط النجمة السداسية بإسرائيل هو مجرد مغالطة لا أساس لها من الصحة، مشددا على أن “المجسمات التي تم تثبيتها هي جزء من عملية تزيين سنوية، تندرج في إطار صفقة عمومية قانونية تنفذها الجماعة منذ أربع سنوات متتالية، احتفالا بموسم مولاي عبد الله أمغار، أحد أبرز المواسم الدينية والثقافية في المغرب”.
وأضاف الفاطمي، في تصريح لجريدة “” أن “الهدف من تثبيت هذه الزينة هو إضفاء طابع احتفالي على الفضاء العام خلال فترة الموسم، وليس لها أي دلالات سياسية أو رمزية دينية كما يروّج البعض”، موضحا أن النجمة المستخدمة في الزينة هي شكل هندسي ديكوري بحت، يعتمد في العديد من التصاميم العالمية ولا يجب تأويله خارج سياقه البصري والفني.
وذهب المتحدث عينه أبعد من ذلك، حين عبر عن أسفه لما وصفه بـ”الحملة المغرضة” التي تحاول، حسب تعبيره، استغلال تفاصيل هامشية لتأجيج الرأي العام وتوظيف الموضوع في صراعات سياسوية ضيقة.
وقال في هذا الصدد: “ما يحدث هو بوليميك سياسي لا يخدم مصالح الجماعة ولا المواطنين، بل يهدف إلى خلق البلبلة وتشويه عمل المؤسسة الجماعية”.
وفي معرض دفاعه عن خلفياته الإنسانية، استحضر المهدي الفاطمي محطة فارقة في حياته المهنية، مشيرا إلى أنه “سبق له أن توجه إلى قطاع غزة سنة 2003، حين كان يعمل صيدليا، للمساهمة في جهود الإغاثة الإنسانية ومساعدة الفلسطينيين المتضررين من ويلات الحرب”، وهو ما يعكس، حسب قوله، ارتباطه العميق بالقضايا العادلة، وعلى رأسها القضية الفلسطينية، وهو ما يكذب برأيه كل محاولات التشكيك في نواياه أو اتهامه بأي تطبيع أو تقصير في هذا الجانب.
وختم المسؤول الجماعي تصريحه بالتأكيد على أن “الجماعة ستواصل أشغالها بشكل طبيعي، ولن ترضخ لمثل هذه الحملات التي تحاول صرف النظر عن المجهودات التنموية والثقافية المبذولة، لا سيما في إطار الإعداد لموسم مولاي عبد الله الذي يشكل محطة سنوية كبرى تشرف عليها الجماعة بشراكة مع عدة جهات”.
المصدر: العمق المغربي