مرة أخرى تعود الناشطة المثيرة للجدل “ابتسام لشكر”، رئيسة جمعية “مالي” المعروفة بالدفاع عن حقوق النساء والحريات الفردية، والتي لا تربطها أي علاقة بحزب “الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية” ولا بكاتبه الأول ادريس لشكر، لتهز مشاعر ملايين المواطنين المغاربة وتشعل نيران الغضب في صدورهم، إثر ما أقدمت عليه من رعونة تتجاوز بكثير حماقاتها واستفزازاتها السابقة. إذ أنها وفي خطوة أخرى أكثر وقاحة أبت إلا أن تنشر على حسابها الشخصي في أحد مواقع التواصل الاجتماعي، صورتها بقميص يتضمن عبارات مسيئة للذات الإلهية، وأرفقتها بتدوينة تهين من خلالها الدين الإسلامي الحنيف.

وهو الظهور غير المحسوب العواقب، الذي استفز مشاعر الكثيرين حتى من بين غير المصلين، وأثار موجة عارمة من السخط على منصات التواصل الاجتماعي وفي المقاهي والبيوت وغيرها، وجر عليها سيلا من الانتقادات الشديدة اللهجة. حيث تعالت أصوات الاستنكار والتنديد بمثل هذا السلوك الأهوج، مطالبة السلطات المعنية بضرورة التدخل العاجل ومحاسبة المعنية بالأمر عما بدر منها، حتى تكون عبرة لمن تسول له نفسه الاعتداء على اسم الجلالة “الله” والدين الإسلامي الحنيف.

فكان أن تم التفاعل السريع مع احتجاجات المواطنين والاستجابة لمطالبهم من قبل الجهات المختصة، حيث أنه وبأمر من النيابة العامة تحركت الفرقة الوطنية للشرطة القضائية، التابعة للمديرية العامة للأمن الوطني، التي قامت بتوقيفها مساء يوم الأحد 10 غشت 2025 لوضع حد لهكذا تصرف طائش واعتداء سافر على قيم ومقدسات المغاربة. وهو ما أدى إلى وضعها تحت تدبير الحراسة النظرية في إطار تعميق واستكمال التحقيقات التي من شأنها الكشف عن ظروف ودوافع هذا الفعل الجرمي الخطير.

وفي سياق التفاعل مع الحادث وتوالي ردود الفعل الغاضبة، دخل على الخط القيادي السابق بحزب العدالة والتنمية ووزير العدل الأسبق مصطفي الرميد، الذي دعا إلى مساءلة المعنية بالأمر “ابتسام لشكر”، معتبرا أن ليس هناك من مجال للتسامح في مثل هذه القضايا الحساسة، ولاسيما عندما يتعلق الأمر بالإساءة المتعمدة للذات الإلهية، مشددا على أنه لا يجوز أن تتسع حرية التعبير للاستهزاء بعقائد الناس أو الإساءة البليغة إلى دينهم، مما يستدعي لزوما تطبيق القانون في اتجاه حماية المقدسات الدينية. إذ أن ما قامت به هذه “الناشطة” من سلوك يعد تهورا فظيعا وتعبيرا مسيئا عن ترصد وسبق إصرار، مستحضرا في ذلك مقتضيات الفصل 5.267 من القانون الجنائي الذي يحمي الثوابت الجامعة للمملكة.

فالفصل المشار إليه أعلاه ينص على أنه يعاقب بالحبس من ستة أشهر إلى سنتين، وبغرامة من 20 ألفا إلى 200 ألف درهم، أو بإحدى هاتين العقوبتين، كل من أساء إلى الدين الإسلامي أو النظام الملكي أو حرض ضد الوحدة الترابية للمملكة. وترفع هذه العقوبة إلى الحبس من ثلاث إلى خمس سنوات مع مضاعفة الغرامة إذا ما تم ارتكاب الجريمة علنا، كما أن العقوبة قد تصل إلى خمس سنوات سجنا و500 ألف درهم غرامة في حالة ما إذ ارتكبت الأفعال السالفة الذكر بواسطة الخطب أو الصياح أو التهديدات المفوه بها في الأماكن والتجمعات العمومية أو باستعمال الملصقات المعروضة على أنظار العموم، أو بواسطة البيع والتوزيع وعبر وسائل إلكترونية وإعلامية…

بيد أنه في المقابل هناك من اعتبر ما أتت على فعله الناشطة “ابتسام لشكر” يعد من الأمور التي تندرج في إطار “حرية التعبير”، وفي مقدمتهم الناشط الأمازيغي المثير هو الآخر للجدل، الذي انبرى للدفاع عنها عبر تدوينة نشرها على حسابه الشخصي بموقع “الفيسبوك”، حيث قال بأن السلطات المغربية تبرر عملية التوقيف بالرغبة في منع إثارة “الفتنة” داخل المجتمع، مشيرا إلى أن “الفتنة” الحقيقية هي تنلك التي يطلق شرارتها الأولى تيار إيديولوجي يعتبر نفسه وصيا على الدين وحارسا للقيم التقليدية، وهي ممارسات لا تعكس عدا الهشاشة والتأخر التاريخي الكبير في المغرب، مشددا على أن الدول الديمقراطية المتقدمة، لا تتدخل فيها السلطات لحماية الله ممن يسيئون إليه، وأن الإيمان الراسخ للأفراء لا تهزه آراء غير المتدينين والملحدين…

فما ذهب إليه البعض من قول بأن الله ليس بحاجة إلى من يدافع عنه، لا يعدو أن يكون محاولة فاشلة للهروب إلى الأمام والتغطية على أصل المشكل، الذي لا صلة له على الإطلاق بحرية التعبير، مادام يمس بعقيدة ملايين المسلمين عبر العالم، وأن الأمر لا يتعلق بالدفاع عن الذات الإلهية، بقدر ما هو دفاع عن حقوق العباد ودعوة صريحة إلى احترام عقائدهم ومقدساتهم، كما ينص على ذلك دستور البلاد…

وفي انتظار أن تقول العدالة كلمتها، فإن ما لا ينبغي أن يغيب عن أذهان الكثيرين، هو أنها ليست المرة الأولى التي تستفز فيها الناشطة “ابتسام” مشاعر المواطنين، بل إنها تكاد لا تتوقف خلال السنوات الأخيرة عن خطابها الاستفزازي، الذي يمس بالقيم الدينية والاجتماعية للمغاربة. والأدهى من ذلك كله، أنها ارتأت أن تقفز هذه المرة عاليا في الفراغ، غير عابئة بما قد يترتب عن سقطتها من أضرار. وبدت جريمتها النكراء واضحة ولا تحتمل التأويل، إذ اختارت عمدا المس باسم الجلالة والمقدسات بدعوى “حرية التعبير”، ضاربة عرض الحائط بكرامة المجتمع ومعتقداته وقوانينه، علما أن المواثيق الدولية والأخلاقيات الكونية، لا تسمح بأن تكون “حرية التعبير” مطلقة وفوضوية.

المصدر: هسبريس

شاركها.