إفريقيا ضحية للخيانة .. ومتشددون دينيون ينقلون الانصياع إلى السياسة
من العاصمة المغربية الرباط، قال الأديب النيجيري وولي سوينكا، الحاصل على جائزة نوبل للآداب، إن الإنسان “إذا لم يعرف تاريخه، لا يمكنه حتى البدء في تصور مستقبله، دعكَ عن تحقيقه”، مستشهدا بمثل محلي يقول: “حتى ولو لم نكن نعرف إلى أين نذهب، على الأقل نعرف ممّ أتينا”.
في المعرض الدولي للكتاب والنشر بالرباط، في دورته 28، فسر سوينكا حديثه في خطاب قبوله “جائزة نوبل” عن نظام الفصل العنصري في جنوب إفريقيا، بالقول: “لا يمكن أن نهرب أبدا عند الحديث عن الأدب، والأدب الإفريقي خاصة، عن جنوب إفريقيا التي كانت تحديا كبيرا للعالم لا لإفريقيا فقط. كطلبة كنا مهووسين بها، وكان الآبارتايد رفضا لإنسانيتنا، وأحسسنا بأن دورنا في الحياة أن نسير إلى جنوب إفريقيا، ونسقطه، وكل الأمور ستصير بخير. كانت هذه ذهنيتنا”.
وتابع: “كان يمكن أن نتعامل مع العنصرية في بلدنا، كنا نتناول العنصرية في الفطور، لكن ما كان يحدث في جنوب إفريقيا أحسسنا به إهانة لنا”. وتذكّر وولي سوينكا تعهّده بقراءة قصيدة بجانب نيلسون مانديلا قبل متمّ القرن العشرين، ثم سقط نظام جنوب إفريقيا، والتقاه، وقال له: “عندي أمر لك”، ونفّذ الوعد.
ويرى الأديب النيجيري أن “أكثر القيادات الإفريقية بعد الاستقلال خونة، مع وجود ذوي رؤية، ورفَض المستعمرون الرحيل إلا جسديا، فبقي تابِعوهم بأكثر التفكيرات الفيودالية والوحشية”، منتقدا أقوالا “زبالة” جاهلة تاريخيا مثل عدم وجود تقاليد ديمقراطية بإفريقيا، و”المتشددين الدينيين الذين دافعوا عن الاستبداد، ناقلين الانصياع من الدين إلى السياسة، بمفارقة بشر يطلبون انصياع بشر لهم”.
ولا يرى وولي سوينكا فرقا بين كون الكاتب كاتبا وكونه مواطنا، “فأنت قبل كل شيء مواطن”، متذكرا تجربة سجنه، بعدما كان يرى في الطريق جثثا، ويختفي زملاءٌ له في الجامعة، ويصير آخرون معاقين؛ وهكذا “عاجلا أو آجلا ما تكتبه وأنت مع نفسك، يتدفق، وتجد أنك لست مرتاحا مع نفسك، ويقود هذا إلى المبادرة المواطِنة”، أي إلى “تنقية المحيط قبل الكتابة”، حتى يخطَّ الخاطُّ “دون أن يجد شيئا يهين إنسانيته”.
وحول الأدب والمقاومة، ذكر الأديب ذاته: “إذا فقد أحدٌ إحساسه بالشم، لن يشم رائحة سيئة، لكن افترِض أن لك حاسة شم، في العالم الحقيقي ستصدمك الروائح السيئة. جِدْ أصل الرائحة، واحذفها”، لكنّ “كثيرا من القادة، مع الأسف، لا يفهمون هذا”، بل “يفهمون فقط الانصياع”.
وعن مطالب استعادة السرقات الأثرية الإفريقية من العالم التي حدثت لَمّا كانت القارة مهيمنا عليها استعماريا، قال: “إعادتها مهمة، لأنها تجسّد روح شعب”.
وواصل: “الإرث يضم المصنوعات والمُبدعات الفنية، وكل ما يمثل الروح البشرية، والعميق فينا فرديا وجماعيا، والروح الجماعية لأناس”، ومنه أيضا “الإرث الأدبي”، مع انتقاده من يقولون إن “الأدب الإفريقي قد بدأ منذ كذا سنة”، داعيا إياهم بصيغة الأمر: “احفر عميقا”.
كما تساءل الحاصل على نوبل للآداب: “ما الفنان إذا لم يخاطر؟ كل الفن مغامرات دائمة، كل فنان عليه في اعتقادي أن يبدأ من المستوى الإنساني، لغاتنا مختلفة وهناك إمكانية الاستعارة، وإمكانية التشديد أو تعميق ما يوجد أصلا في ثقافتك”.
وبخصوص انتقادات وجهت لكتابته بالإنجليزية “اللغة الاستعمارية”، قال وولي سوينكا إنها لم تهتمّه، وأضاف: “لا يوجد نقاء (شيء خالص)، لديك هدف، ومكان وصول، وأدوات براغماتية، لاستعمالها من أجل الوصول إلى حيث تريد”.
المصدر: هسبريس