اخبار المغرب

إصدار يذكر بـ”بعثة الجباص” إلى الجزائر

في سياق العلاقة المتوترة بين المغرب والجزائر، أصدر الباحث عكاشة بَرحاب مُؤلَّفاً جديداً يخص البعثة المغربية الموفدة إلى الجزائر بهدف حل مشاكل الحدود أثناء الاحتلال الفرنسي لهذا البلد.

يرصد الكتاب مسار البعثة المغربية التي أرسلها السلطانُ عبد العزيز في نهاية سنة 1901 إلى مدينة الجزائر، وكان الغرض منها هو العمل على تطبيق مُخرجات اتفاق باريس حول الحدود. وترأس الوفدَ المغربي خليفة وزير الحرب آنذاك السيد مَحمد الجباص، وتبعاً لذلك اقْترنَ اسمه في تاريخ المغرب باتفاقيتيْن أمْضاهُما بالجزائر في نهاية سنة 1902، وسبق له أن كان ضِمْن الوفد المغربي الذي ترأّسه وزيرُ الخارجية عبد الكريم بن سليمان من أجل إمضاء اتفاق باريس سنة 1901، وبذلك فهو أكثرُ درايةً بمشاكل الحدود المغربية الجزائرية، إذ أحاط بها في المكان لمّا كان بالجزائر في إطار التفاوض مع الوفد الفرنسي بشأنها.

هذه المُعطيات التاريخية تُحمِّلُ الجباصَ عبئاً كبيراً، وتُحسَبُ نتائج المفاوضات المغربيةالفرنسية بشأن مناطق الحدود من إيجابيات أعماله إن كانت لصالح المغرب، وتُعَدُّ تفريطاً من جانبه إن أخَـلّت بحقوق السيادة في تخوم البلاد، وهو ما تحاول هذه الدراسة أن تجد له أجوبة مقنعة، خاصة أن المغرب مازال إلى يومنا هذا يعاني من تبعات الاتفاقيات المبرمة بشأن الحدود.

يميلُ المتتبِّعُ لمسار خدمة الجباص إلى اعتباره أكثرَ قرباً من السلطات الفرنسية بالمغرب، وهو انطباعٌ تعكسه العلاقة بين الطرفين، ويرى فيه البعضُ ميْلاً واضحاً إلى فرنسا، وهو ما يُزكّيه التعيين الذي ناله من طرف المقيم العام الجنرال ليُوطي مطلع سنة 1913 بعد فرْض نظام الحماية، إذ انتصبَ لِمهام الصّدارة العظمى في ظل الاحتلال. هذه التقلبات في حياة الجباص كانت وراءها بدون شك دواع يُجْهلُ الكثيرُ منها، ويحاول هذا البحث الإجابة عن البعض منها حسب ما توفّر من مُستندات ووثائق.

لا يُجادِلُ أحدٌ في أن مَحمد الجباص كان من رجال الدولة المتنوِّرين المتبصّرين، وكان يُدرك أبعادَ علاقة المغرب بالدول الأوروبية، وبالأخص فرنسا، كما كان يُدرك واقعَ الوقت آنذاك بالنسبة لوضع المغرب، إذ كان على بيّنة من أن ميزان القوى ليس في صالح بلاده.

لا يوجد أي سند يُثبِتُ أن الجباص سعى إلى الحصول على حماية دولة أجنبية، إلا أنّ تقرُّبَه من فرنسا أثار حوله الشبهات، إذ كان ميّالاً إليها، فاعتقدَ أنها الدولة الأوروبية القادرة على إدخال الإصلاحات التي كان المغرب في حاجة إليها، وذلك بحكم تقدُّمها بين الأمم وتجربتها في حُكم بلاد المسلمين في الجزائر وتونس، ما جعل الشكوك تحوم حول وطنيته وإخلاصه لبلده.

ومن الثابت أن عدداً من أقْران الجباص في جهاز الدولة احتموا بدول أجنبية، حفاظا على مصالحهم ودَرْءًا لغضب الجالس على العرش، وهنا يتساءل المَرءُ هل صمَد الجباص في وجه إغراءات الحكومة الفرنسية، وتمنّع عن طلب حمايتها أو حماية دولة أوروبية أخرى، وهو ما سقط فيه عدد من أقرانه في عهد السلطانيْن عبد العزيز وعبد الحفيظ.

هذه بعض الفرَضيات التي تطرحها هذه الدراسة بشأن الجباص ومساره في خدمة الدولة، وتُشكِّل الأجوبة عنها إضاءات على شخصية فذّة، تركت بصمات في تاريخ المغرب عموما، وفي تاريخ الحدود المغربية الجزائرية بشكل خاص، إذ تمخّض عن مسألة الحدود مشاكل كثيرة ومتعددة، وهي في الأصل موروثة عن فترة الاستعمار الفرنسي في كل من الجزائر والمغرب. ونظراً لخطورة تلك المشاكل وما ترتب عليها من أحداث، تحاول هذه الدراسة كشف جذورها ورصْد أبعادها، خاصة أن تبعاتها مازالت تتفاعل وتؤثر على علاقة البلديْن الجاريْن منذ سنة 1963.

المصدر: هسبريس

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *