بعد أسبوع على انطلاق الاحتجاجات الشبابية التي يقودها “جيل زد” بمدن مغربية عديدة، بدأت تظهر شيئا فشيئا حقيقة مطالب هذه الحركة التي تمحورت في البداية حول إصلاح الصحة والتعليم وإسقاط الفساد، قبل أن ترقى إلى إسقاط حكومة عزيز أخنوش خلال التظاهرات التي نظمت الليلة الماضية.
وبدا مطلب إسقاط الحكومة مفاجئا بالنسبة للبعض، خصوصا مع تأكيدات عدد من الشباب في خرجاتهم الإعلامية وتصريحاتهم الصحافية أن مطالبهم واضحة: “تعليم جيد لأبناء الشعب، وخدمات صحية جيدة ومستشفيات في المستوى اللائق تحفظ كرامة المغاربة وتضمن لهم العلاج في ظروف أفضل”.
بالإضافة إلى المطلبين الأساسين، يبرز مطلب ثالث لا يقل أهمية عن سابقيه، يتمثل في “محاربة الفساد ومحاسبة المتورطين في الصفقات المشبوهة والتحقيق مع كل من ثبت تورطه في ذلك، تفعيلا لمبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة الذي ينص عليه الدستور”.
أمام هذه التطورات التي يعرفها الشارع المغربي والحراك الشبابي الذي لم يبح بكامل أسراره حتى الآن، تتباين قراءات وتحليلات الخبراء والمحللين السياسيين للوضع والحركة الاحتجاجية الجديدة في الشارع وتوجهاتها ومطالبها في المستقبل.
اختراق للحركة الشبابية
محمد شقير، واحد من المحللين المواكبين للشأن السياسي بالبلاد، يرى أن رفع تظاهرات “جيل زد” الليلة شعار إسقاط الحكومة، “لا ينسجم لا مع المطالبة بإصلاح منظومتي التعليم والصحة اللتين يدبرهما وزيران من حكومة أخنوش، ولا مع الدعوة التي وجهتها الحكومة إلى التعبيرات الشبابية للحوار”.
وأفاد شقير، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، بأن “المطالبة بإقالة الحكومة تطرح التساؤل حول ما إذا كان ذلك يستبطن اختراقا سياسيا لـ’جيل زد’ من طرف جهات معارضة للحكومة فشلت في الاتفاق على تقديم ملتمس لحجب الثقة عنها مؤخرا”، في إشارة إلى أحزاب المعارضة في البرلمان.
واعتبر المحلل السياسي ذاته أن مطلب رحيل الحكومة يكتسي “طابعا شعبويا، ويتناقض حتى مع مقتضيات الدستور التي تنص على بنود خاصة لإقالة الحكومة، تقوم إما على تقديم رئيس الحكومة استقالته أو تقديم ملتمس الرقابة”.
وسجل شقير أنه بالرغم من أن الحركة في بداية تظاهراتها حاولت التأكيد أنها غير مسيسة ولا ترغب في ركوب بعض الجهات على احتجاجاتها، إلا أن هذا التحول في المطالب يعكس على ما يبدو إما “عدم ثقة الحركة في حكومة أخنوش ورفض التحاور معها، أو أن هناك جهات تضغط من خلال الحركة للذهاب إلى انتخابات مبكرة بعد استقالة الحكومة”.
و”كيف ما كان الحال، فهذا يعني أن هناك تيارات داخل الحركة، وعدم انسجام في أرضية المطالب”، يورد شقير، الذي حذر من أن هذا المعطى يمكن أن يُضعف الحركة ويُفقدها الزخم الشعبي الذي حظيت به رغم بعض مظاهر التخريب التي انزلقت فيها بعض المظاهرات في بعض المدن.
وشدد شقير على أن حركة “جيل زد” مطالبة بالعمل على بلورة “قيادة واعية وشرعية تقوم بالحفاظ على استقلالية الحركة، وفي الوقت نفسه إيجاد آليات لتحقيق بعض مطالبها وفق أجندة خاصة ومقبولة، تتمثل في المطالبة بتحسين آليات الاستقبال في المستشفيات العمومية وتحسين مصالح المستعجلات ومراقبة تدبير المستشفيات العمومية في أفق إصلاحات عميقة يتم إنجازها في الأمدين المتوسط والطويل”، حسب رأيه.
مطلب سياسي مشروع
عكس القراءة التي ذهب إليها شقير في تحليله، يعتقد عبد الحفيظ اليونسي، أستاذ العلوم السياسية بجامعة الحسن الأول بسطات، أن مطلب رحيل حكومة عزيز أخنوش سبق لأحزاب سياسية ومنظمات أن رفعته، وفي مثل هذه الحركات الاحتجاجية “دائما ترفع مطالب ممكنة التحقيق لإنجاح معاركهم”.
واعتبر اليونسي، في تصريح لهسبريس، أن شباب “جيل زد” من خلال رفع الورقة الحمراء في وجه الحكومة يبعث رسالة مفادها أنها “هي المسؤولة عن تردي خدمات التعليم والصحة”.
وأوضح أن الحراك الشبابي الجاري “لم ينزح عن طبيعته الاحتجاجية، وسقف مطالبه اتجه إلى إسقاط الحكومة باعتبارها مسؤولة سياسيا عما آلت إليه الأوضاع”، لافتا إلى أن طبيعة هذا الجيل “لا تعطي كثيرا من الوقت للفاعل العمومي لإنجاز ملفهم المطلبي، بل يرغبون في تحقيق مطالبهم هنا والآن”.
واستبعد المحلل السياسي ذاته أن يكون رفع شعار إسقاط الحكومة في احتجاجات “جيل زد” مؤشرا على الركوب على هذه الحركة الاحتجاجية، موردا أن هذه المطالب “سياسية وإن كان مضمونها اجتماعيا، لأن البحث عن إنجاز بالنسبة للحراك أمر مهم للحد من الاحتجاجات”، وأكد أن الدولة في إطار حرصها على المصلحة العليا للبلاد هي أيضا يمكن أن تتقاطع مع هذا الحراك في تنفيذ هذه المطالب.
المصدر: هسبريس