إسرائيليون يلجؤون إلى بناء “الغرف الآمنة” مع تزايد التهديدات من حرب شاملة
أقامت أفيفا برتزوف وجيف ليدرر لأعوام من دون ملجأ في منزلهما الواقع وسط إسرائيل، لكنهما شرعا مؤخرا في بناء غرفة محصّنة في ظل التهديدات الصاروخية ومخاطر تصعيد واسع النطاق.
يأمل ليدرر وبرتزوف أن توفّر غرفة من الخرسانة المسلحة بدأت تنبثق من قالب خشبي في باحة منزلهما بتل موند شمال تل أبيب، الحماية لهما ولأحفادهما.
عند إنجازها، ستتألف هذه “الغرفة الآمنة” من جدران بيضاء ونافذة مربعة يحميها مغلاق من الحديد، وأرضية من البلاط. وستوضع في داخلها أريكة.
قالت برتزوف، وهي اختصاصية في علم النفس، إنه في فترات النزاعات السابقة “كنا في كل مرة نقول إنه ربما يجدر بنا أن نبني ملجأ في المنزل، لكننا لم نفعل شيئا”.
وأضافت لوكالة فرانس برس: “هذه المرة، وبعدما بدا أن (الهجمات) تقترب من منطقتنا، قلت لنفسي إنه لا يمكننا الاستمرار على هذا النحو”.
تعرضت مناطق عدة في إسرائيل لهجمات صاروخية على مدى الأشهر الماضية.
وتلك الجنوبية القريبة من قطاع غزة حيث تدور حرب بين إسرائيل وحماس منذ السابع من أكتوبر، طالتها صواريخ أطلقتها الفصائل الفلسطينية، وإن تراجعت وتيرتها مؤخرا.
أما في الشمال، فتتبادل الدولة العبرية وحزب الله اللبناني القصف عبر الحدود بشكل شبه يومي منذ أشهر.
وفي أبريل، شنّت إيران هجوما غير مسبوق على إسرائيل بالصواريخ والمسيّرات، ردا على قصف منسوب لإسرائيل استهدف قنصليتها في دمشق.
كما كررت إيران وحليفها حزب الله على مدى الأسابيع الماضية التوعد بالرد على اغتيال رئيس المكتب السياسي لحماس اسماعيل هنية في طهران في عملية نسبت إلى إسرائيل، واغتيال القيادي العسكري في الحزب فؤاد شكر في ضربة إسرائيلية في ضاحية بيروت الجنوبية.
وتزامنا مع حرب غزة، أعلنت جماعات مسلحة مدعومة من طهران، منها “المقاومة الإسلامية في العراق” والحوثيون في اليمن، استهداف مناطق إسرائيلية بصواريخ ومسيّرات.
“15 ثانية “
بالنسبة إلى برتزوف وليدرر، يبقى حزب الله الذي يملك ترسانة صاروخية ضخمة، التهديد الأكبر. وقال ليدرر، وهو طبيب يبلغ 79 عاما: “الآن نقلق أكثر لأن صواريخ حزب الله يمكنها أن تصل إلينا”.
وأضاف: “نخشى أيضا أن تطلق إيران النيران باتجاهنا”.
قلّص تنامي القدرات الصاروخية للجماعات المعادية لإسرائيل من الوقت المتاح لسكانها للاحتماء من الهجمات.
فعند بناء أولى الملاجئ العامة في إسرائيل خلال الخمسينات من القرن الماضي، كانت صفارات الإنذار تنطلق قبل 30 دقيقة من سقوط الصواريخ.
واعتبر مسؤول الهندسة في قيادة الجبهة الداخلية الإسرائيلية، اللفتنانت كولونيل موشيه شلومو، أن هذه المدة “كانت تكفي لإعداد كوب من القهوة” قبل الاحتماء.
لكن حاليا، بات أمامهم ما بين 15 و90 ثانية فقط لبلوغ مكان آمن بعد انطلاق الصفارات أو تلقي إشعار عبر الهاتف. لذلك، تحض السلطات السكان على بناء غرف محصنة ملحقة بمنازلهم.
وقال شلومو، الذي تحدث لفرانس برس في قاعدة عسكرية قرب تل أبيب، إن “مستوى التهديد في إسرائيل مرتفع للغاية”.
وأشار إلى أن بعض الدول “تهدّدنا بالصواريخ والصواريخ البالستية… هذه الغرف (الآمنة) تنقذ الأرواح. هذا ما رأيناه في هذه الحرب”.
“اتكال على الله”
تصمّم الغرف الآمنة لتحمّل عصف انفجار طنّ من المتفجرات على مسافة 15 مترا، وهي معزولة ومزودة بنظام تهوية خاص في حال التعرض لهجوم بيولوجي أو كيميائي، وفق ما أكد شلومو.
وتتراوح كلفتها بين 30 و65 ألف دولار.
اندلعت الحرب في غزة إثر هجوم غير مسبوق شنّته حماس على جنوب إسرائيل في السابع من أكتوبر، أسفر عن مقتل 1199 شخصا، معظمهم مدنيون، وفق تعداد لوكالة فرانس برس يستند إلى أرقام إسرائيلية رسمية.
وخُطف خلال الهجوم 251 شخصا، لا يزال 105 منهم محتجزين في غزة، بينهم 34 أعلن الجيش وفاتهم.
وتوعدت إسرائيل بـ”القضاء” على حماس، ويشنّ جيشها منذ ذلك الحين قصفا مدمرا وعمليات برية في قطاع غزة، ما تسبب في مقتل ما لا يقل عن 40334 شخصا وفقا لوزارة الصحة التابعة حماس.
وبعد الهجوم، باتت أبواب الغرف الآمنة الجديدة تزوّد بأقفال يتم التحكم بها من الداخل. وبحسب التقديرات الرسمية، تفتقد 55 بالمئة من المنازل لغرف كهذه، إما بسبب الكلفة أو ضيق المساحة، أو حتى التسليم للقدر.
وأوضح شلومو أن “العديد من المسنّين يقولون: لا أريد شيئا، أنا هنا منذ 80 أو 90 عاما، وسأنجو مهما حصل… نحاول أن نقنعهم. بعض المتديّنين لا يريدون أن يحموا أنفسهم ويقولون إن اتكالهم على الله”.
وفي محاولة لإقناع مزيد من الإسرائيليين ببناء غرف آمنة، قلّصت قيادة الجبهة الداخلية المدة الزمنية لنيل ترخيص إلى 14 يوما، وأنجزت 4500 طلب في الأشهر السبعة الماضية.
اقتنع برتزوف وليدرر ببناء هذه الغرفة خوفا على أحفادهما. وأوضحت برتزوف: “لدينا العديد من الأحفاد يأتون للنوم هنا لأنهم لا يقيمون في مكان قريب… لذا، فإنه يأتي من الشعور بالواجب”.
المصدر: هسبريس