اخبار المغرب

إدارة ترامب ومخاطر الوضع في قوس الساحل والصحراء الكبرى

تشكل منطقة الساحل والصحراء الكبرى إحدى الملفات التي تحظى باهتمام كبير في أجندة الإدارة الأمريكية الجديدة، لأنها مرتبطة بالإرهاب الدولي، وهو الشغل الشاغل للولايات المتحدة الأمريكية.

وقد تحولت هذه المنطقة، كما هو معلوم، إلى مرتع للجماعات الإرهابية المتطرفة، تنشط فيها تجارة السلاح والمخدرات والجريمة المنظمة، وتعد ملاذًا للفارين من العدالة الدولية.

ولعل نجاح عملية تعاون الأجهزة الأمنية المغربية ونظيرتها الإسبانية، في الأيام الأخيرة، في تفكيك خلية إرهابية موالية لتنظيم “داعش” بالساحل يؤكد طبيعة الخطر الذي باتت تمثله هذه المنطقة، مما ينسجم مع تقارير العديد من مراكز التفكير في الولايات المتحدة الأمريكية وخلاصاتها الغنية في هذا الشأن.

فالمغرب دق ناقوس الخطر لما يحدث في قوس الساحل والصحراء في أكثر من مناسبة، تماشيًا مع الخيار الإفريقي في إطار التعاون جنوب جنوب، واقتناعه بأن الاستقرار والأمن واحترام حقوق الإنسان والديمقراطية عوامل أساسية للتنمية والتقدم والازدهار، وكذلك اعتبارًا لانخراطه الفاعل والفعال في الاستراتيجية الدولية لمحاربة الإرهاب وتجفيف منابعه.

ولهذا الغرض، أقدمت المملكة المغربية على إطلاق المبادرة الأطلسية لتمكين بلدان الساحل غير الساحلية (بوركينا فاسو، النيجر، مالي، وتشاد) من إمكانية الوصول إلى المحيط الأطلسي عبر بنيتها التي هي في طور التشكل، في أفق إنشاء منطقة اقتصادية وتجارية بين دول المنطقة وباقي دول العالم، وبالتالي المساهمة في تطور اقتصادات دول الساحل، وتحسين المستوى المعيشي وتأمين الاستقرار.

ولعل التجاوب الإيجابي الذي حظيت به المبادرة الأطلسية للمغرب من قبل بعض القوى الغربية، وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا على وجه الخصوص، يفسر الأهمية التي تنطوي عليها والأفق الذي تفتحه للجميع في إطار منطق رابحرابح الذي يرفعه المغرب كعنوان لعلاقاته الدولية، من خلال العناصر الستة الآتية:

  1. أن المغرب سيصبح مدخلًا حقيقيًا للولوج إلى الأسواق الإفريقية.
  2. أن هذه المبادرة ستساهم في الحد من نفوذ روسيا والصين الشعبية ورغبتهما في التوغل أكثر في المنطقة، وهو أمر يقلق الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا التي تراجع نفوذها في بعض البلدان الإفريقية.
  3. أن الأسواق الإفريقية باتت تغري بعض دول الخليج العربي، كالإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية، للخروج من منطقة الشرق الأوسط الغارقة في عدم الاستقرار.
  4. أن المبادرة ستلعب دورًا في توفير الأرضية وتأمين الاستفادة من موارد حيوية لاقتصادات بعض الدول الغربية.
  5. أن التحولات الدولية المتسارعة أثبتت محدودية المقاربة الأمنية التي لم تنتج إلا التوترات الاجتماعية والأزمات الاقتصادية والانقلابات العسكرية، في مقابل التوجه نحو مقاربة تقوم على التنمية وتعزيز الشراكات الاقتصادية والبحث عن فرص الاستثمار.
  6. أن هذه المبادرة ستساهم في التخفيف من تدفق المهاجرين الحالمين بفردوس أوروبا، لاسيما وأن المغرب لم يعد، بفعل موقعه الجغرافي، مجرد معبر، بل أصبح من بلدان الإقامة للمهاجرين القادمين من دول جنوب الصحراء.

لكن نعتقد أن هذه المكاسب لا يمكنها أن تؤتي ثمارها وتحقق رهاناتها الكبرى في غياب حل نهائي لمشكل النزاع الإقليمي حول الصحراء. وهذه حقيقة اقتنع بها المجتمع الدولي، حيث وضع الرئيس دونالد ترامب الحجرة الأولى سنة 2020 بعد اعترافه بسيادة المملكة على أقاليمها الجنوبية بفضل الجهود الحثيثة للدبلوماسية الملكية. وتبعته فرنسا بتأكيدها على أنه لا مستقبل للصحراء خارج السيادة المغربية، وقبلها إسبانيا وألمانيا، بفضل العمل الجبار الذي قام به وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة، مما يفيد أن هذا النزاع في طريقه ليعرف مستقبلًا تطورات جوهرية تفضي إلى طيه بشكل نهائي عبر اندماج باقي الصحراويين المتواجدين بالتراب الجزائري بوطنهم الأم المغرب، من خلال إقامة حكم ذاتي تحت السيادة الوطنية.

ولا شك أن ما تقوم به الدبلوماسية المغربية، عبر المندوب الدائم للمملكة بالأمم المتحدة عمر هلال، من مجهود كبير، سواء في محاولة إخراج ملف النزاع حول الصحراء من اللجنة الرابعة للأمم المتحدة، أو في إعطاء نفس جديد لـ”مبادرة التفاوض بشأن نظام الحكم الذاتي بجهة الصحراء”، أو في تفكيك أسس خطاب ينتمي إلى عصر “الحرب الباردة” يمارسه دعاته للضغط من أجل وقف عقارب ساعة التغيير!!

فما تقوم به الدبلوماسية المغربية وممثلها لدى الأمم المتحدة من عمل متميز يلتقي على أرض الواقع، موضوعيًا، مع ما تعرفه المنطقة من نهضة تنموية حقيقية. وكلها عوامل مؤثرة في المعادلة الدولية بشأن قضية النزاع حول الصحراء لصالح الطرح المغربي.

* إعلامي وباحث جامعي

المصدر: العمق المغربي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *