اخبار المغرب

إدارة الموارد السمكية بين تحديات الاستدامة ورهانات البحث والابتكار قراءة على ضوء معرض أليوتيس

تقديم

في إطار الدينامية التي يشهدها قطاع الصيد البحري منذ 2009 باعتماده مخطط اليوتيس كخيار استراتيجي تنموي، يسعى صانعو القرار بقطاع الصيد البحري جاهدون ومنذ عقدين ونصف من الزمن لتحقيق توازن بين النظم البيولوجية للمخزون السمكي واستمرارية الصيد لتحقيق التنمية البشرية المستدامة، وأيضا لتجاوز نماذج متناقضات الاستغلال التي أشار إليها HARDIN.Gفي مقالته ” مأساة الأملاك المشاعة” سنة 1968، وذلك من خلال اعتماد مقاربات مختلفة تأرجحت بين طرق تدبير المصايد في الزمان والمكان وطرق التدبير بنظام الحصيص ثم طرق التدبير بالتنطيق, كلها تدابير تعتمد آليات تشاورية تأخذ بعين الاعتبار أراء مؤسسات دستورية متمثلة في غرف الصيد البحري ومؤسسات عمومية ذات طابع علمي، إلا أن الامر اليوم مختلف على ماضيه من خلال التركيز أكثر على البعد التشاركي مع مختلف الفاعلين الاقتصادين لتوفير مناخ أعمال ملائم لجلب المستثمر الوطني والأجنبي وتعزيز ثقته بالمؤسسات وتحفيزه على الاستثمار في قطاع الصيد البحري وتربية الاحياء المائية باعتبار هذه الأخيرة جزء من التوجهات الاستراتيجية لسياسة كتابة الدولة المكلفة بالصيد البحري للنهوض بهذا القطاع وتخفيف الضغط على مصايد الأسماك بفعل الطلب المتزايد على هذه المادة الحيوية الامر الذي يحتاج تشبيك المعطيات وتقابلها وتحليلها والخروج بحلول مبتكرة، تمزج بين المكتسبات التقليدية الثابتة والتصورات العلمية الممكنة، وعلى أساس ذلك،   فان الحديث عن الإطار العام لإدارة الموارد السمكية والرفع من الفعالية البيئية هو بالضرورة حديث عن الاستدامة من خلال الوقوف على مختلف السبل الكفيلة لضمانها، ومن هذا المنطلق تكمن أهمية هذه الورقة البحثية التي نتقاسمها مع قراء ومتتبعي جريدة العمق  كمساهمة متواضعة ومبدئية ناتجة أولا عن دوافع ذاتية تتجلى من خلال فخر الانتماء العميق لقطاع الصيد البحري وثانيا عن دوافع موضوعية تتضح معالمها في إغناء الثقافة البحرية للباحثين عسى أن يجدوا ضالتهم في ذلك، فكيف إذن يمكن تقليص الفجوة الملحوظة  بين مكونات إدارة الموارد السمكية في بنيتها الحالية ومتطلبات التنمية المستدامة؟ وكيف يمكن إشراك القطاع الخاص لمواكبة المتغيرات وإدراك خطوط قوة التطلعات المستقبلية؟ الامر الذي يفرض تقديم فرضيتين يجب التحقق من صحتهما، تجلت الأولى في كون الاستدامة وسيلة لضمان الفعالية البيئية، والثانية تتجلى في كون منظومة البحث والابتكار قوة دعم ناجعة لتطوير تنافسية الصناعات البحرية في آفق تحقيق السيادة على سلاسل الإنتاج.

وللإجابة عن الإشكالات المطروحة وما يرتبط بها من تساؤلات، سنعرج لنهج الخطة التالية:

أولا: الاستدامة مدخل أساسي لضمان فعالية البيئة البحرية.

يعد مفهوم الاستدامة من القضايا المهمة التي طرحت بأجندة القرن الواحد والعشرين لقمة الأرض لسنة  1992 بريو، و التي يرجع لها السبق في إحداث تحول جدري في القانون الدولي والوطني الذي يضم في جوهره، المكون البيئي من خلال تعزيز فكر الاستدامة بأبعادها المختلفة، وما يهمنا في مقالنا، استدامة التنوع البيولوجي للبيئة البحرية الذي أخذ حيزا مهمنا في التشريع العادي والتنظيمي للصيد البحري بالمغرب لأجل تحقيق توازن بين الاستغلال ومقدرات البيئة البحرية دون الاضرار بالمصالح المستقبلية للأجيال الغد، وبلورة الحق في التنمية، الشيء الذي تمت ترجمته في حزمة من الإجراءات الادارية والتدابير القانونية التي تروم المحافظة على التنوع البيولوجي للموارد السمكية وتثمينها وتعزيز تنافسيتها في الأسواق الوطنية والدولية، وكذا خلق آليات مؤسساتية لدعم حقل تربية الاحياء البحرية كإحدى المرتكزات الأساسية لاستدامة الموارد السمكية.

فاذا كان مبدأ الاستدامة من أبرز المبادئ الرئيسية التي ترتكز عليها السياسة العمومية للنهوض بقطاع الصيد البحري باعتباره محرك واعد للاقتصاد الوطني لما يساهم به في رفع التحديات التي تفرضها العولمة و التغيرات المناخية التي يشهدها عالم اليوم، فإن تكريس هذا المبدأ لكي ينتج أثره السوسيواقتصادي والبيئي بشكل فعال يحتاج ترتيبات جماعية مبتكرة ترتكز على البحث العلمي والابداع لمواصلة القدرة على ممارسات فضلى ومربحة للصيد  إلى ما لا نهاية دون بلوغ حد بيئي مفاجئ يهدد استدامة المصايد والموارد السمكية، وهي الرؤية التي عكستها فعاليات النسخة السابعة لمعرض اليوتيس الدولي المنظمة بأكادير تحت الرعاية السامية لجلالة الملك محمد السادس نصره الله, الذي يعد بورصة لتبادل الأفكار والتصورات بين مختلف الفاعلين الاقتصاديين،  ليس فقط لجعل البحث العلمي والابتكار وسيلتان لصيد بحري مستدام وإنما لضمان الفعالية البيئية لتحقيق السيادة على مختلف سلاسل الإنتاج من خلال الاستفادة من إيجابيات التقدم العلمي والتكنولوجي وانتشار شبكة الانترنيت اللذان اسسا للذكاء الاصطناعي كمحاكاة للذكاء الانساني الذي اصبح ضرورة تفرض نفسها لمواكبة الابعاد التنموية في عالم متغير بشكل متسارع.

 ثانيا: البحث العلمي والابتكار كخيار استراتيجي لصيد بحري مستدام

مما لا شك فيه، على أنه من متطلبات التنمية المستدامة، الانفتاح على المحيط الخارجي لتطوير مختلف القطاعات الإنتاجية ومن ضمنها قطاع الصيد البحري من خلال ابرام شراكات واتفاقيات تعاون لجلب الرأسمال الأجنبي والوطني، بيد أن الامر يتطلب مناخا سليما وبيئة تنافسية بمقومات تسمح بخلق الثروة والابتكار، والمغرب يعد من الدول التي أولت اهتماما خاصا لإقامة شراكات استراتيجية في قطاع الصيد البحري من خلال توفير المناخ الملائم و الانخراط بشكل تدريجي في سلسلة من الإصلاحات الهيكلية للبنية الإدارية وتحسين مستوى أدائها لكونها الالية الأساسية في يد الدولة لتنفيذ جل السياسات العمومية، وكذلك القيام بمجموعة من الإصلاحات التي تروم توفير البنية التحتية الملائمة، من أسواق جملة من الجيل الجديد لبيع  السمك واعتماد تقنية الرقمنة في المزاد العلني وانشاء موانئ كمنصات للتبادل التجاري واستقبال سفن الصيد لتفريغ مصطاداتها في احسن الظروف، ولعل آخرها تشييد الميناء المتوسطي وميناء الداخلة الذي يشيد في إطار المبادرة الملكية  الأطلسية  كخيارات  استراتيجية لتنمية منطقة الصحراء المغربية، ليس فقط  كاستجابة للتحولات الجيوسياسة الإقليمية لدول جنوب الصحراء المغربية وتجسيد  سيادة المملكة على حدودها البحرية، وإنما بالنظر للأدوار الاقتصادية الفارسية والمحورية التي أصبحت تلعبها المملكة باعتبار بوابة عبور نحو العمق الافريقي، وفي ظل الاهتمام المتزايد باعتماد تقنية المعلومات التي اصبحت توفرها الثورة التكنولوجية الهائلة وانترنيت الأشياء، كان لزاما على قطاع الصيد البحري مسايرة الزخم العلمي والمعلوماتي لمواجهة التحديات الناتجة عن التغيرات المناخية عبر إدخال التكنولوجيا المتقدمة في بناء السفن واستعمال أليات ووسائل صيد أكثر إنتقائية تستجيب لمعايير استدامة الموارد السمكية  والاستفادة من الحلول المبتكرة لمنظومة البحث العلمي لتعزيز تنافسية مقاولات الصناعات البحرية والتركيز أكثر على التعاون الدولي للانفتاح والاستفادة  من التجارب المقارنة.

خلاصة

لما كانت استدامة الموارد السمكية بالأمس القريب خيار، فإنها اليوم أصبحت ضرورة تفرض نفسها بإلحاح في ظل التحديات الراهنة بحيث تساءلنا جميعا وبشكل تشاركي، مؤسسات إدارية وباحثين أكاديميين ومجتمع مدني وفاعلين اقتصادين، الامر الذي يتطلب مزيدا من توحيد الرؤى وتنسيق السياسات العمومية البين قطاعية وتحقيق التكامل بين البحث العلمي والابتكار والممارسات الفضلى للمستغلين في آفق تحصين المكتسبات وتحويل التهديدات لفرص ناجحة.

المصدر: العمق المغربي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *