إحراق المصحف الشريف في رمضان يعرّي الأحقاد الدفينة على الإسلام
في خطوة مشابهة تعيد للأذهان مشاهدَ جرَتْ أواخر شهر يناير المنصرم في مدينة لاهاي الهولندية، حينما أقدم متطرف على تمزيق نسخة من المصحف الشريف أمام عدسات الكاميرا وأعيُن الشرطة التي تدخلت قبل إحراقها، وكذا ما حدث بستوكهولم من حرق متطرف سويدي نسخة من المصحف، تكررت المشاهد، هذه المرة غير بعيدٍ عن المكانَيْن السابقين، وفي عزّ أقدَس شهر لدى المسلمين.
وقرأ ناشطون وفعاليات دينية في توالي حوادث إحراق المصحف مؤشرا خطيرا دالّاً على “ارتفاع منسوب الإسلاموفوبيا في دول الغرب”؛ في ظل تزامن حوادث الاستفزاز الديني مع أقدَس يوم عند المسلمين (الجمعة) وأعظم شهر أُنزل فيه القرآن.
وكان توالي وقائع المس بالمصحف والإساءة لأقدس الرموز الدينية لدى أكثر من مليار مسلم أجّج (مطلع العام الجاري) موجة غضب عارمة، مع تظاهر آلاف المسلمين في بلدان عدة للتنديد بحرق المصحف؛ في حين أصدر الأزهر الشريف (حينذاك) بياناً نادى فيه بـ”مقاطعة المنتجات السويدية والهولندية في دول العالم الإسلامي”.
كعادتها، كانت المملكة المغربية من أوائل الدول العربية والإسلامية التي سارعت إلى “الإدانة بشدة لإحراقَ نسخة من المصحف الشريف بالعاصمة الدنماركية كوبنهاغن، على مرأى من رجال الأمن”، مفيدة ضمن بلاغ لوزارة الخارجية بأنه “رغم أن هذا الفعل الشنيع تم تنفيذه أمام مقر تمثيلية دبلوماسية لدولة مسلمة أخرى فإن المملكة المغربية تعتبره عملاً استفزازياً يعنيها أيضاً، ويمس بمقدسات وبمشاعر أكثر من مليار مسلم، خاصة في شهر رمضان المبارك”.
ولم يتوان المغرب، وفق المصدر، في دعوة السلطات الدنماركية إلى “إنفاذ القانون بكل حزم للتصدي لمثل هذه التصرفات التحريضية غير المسؤولة وعدم السماح بتكرارها تحت أي ذريعة”، مؤكدا على “ضرورة ردع كل أشكال الكراهية ضد الأديان والمسّ بمشاعر المنتسبين لها”.
“فعل صِبياني متعمد”
تعليقاً على الموضوع، اعتبر مصطفى بنحمزة، رئيس المجلس العلمي المحلي بمدينة وجدة، عضو المجلس العلمي الأعلى بالمغرب، أن ما تشهده عدد من الدول الأوروبية من تواتر حوادث تدنيس المصحف الشريف ليس سوى “فعل صبياني ينمّ عن حقد دفين على الإسلام وأهله”، مؤكدا أنه “ليس موقفا عقلانياً ولا متحضراً سِمَته التعمّد والتكرار”.
“هذا القرآن محفوظ ذِكرُه من طرف مُنزِله الله تعالى، كما يقف سداً منيعاً ضد محاولات عديدة سَعت إلى إذابة هذه الأمة تحت دعوات وشعارات الحرية والتحديث وغيرها”، يؤكد بنحمزة في تصريح لجريدة هسبريس، لافتا إلى أن “هناك كتُبا دينية كثيرة، سماوية وغير سماوية، إلاّ أن هؤلاء لا يعمَدون إلاّ إلى استهداف كتاب واحد هو القرآن الكريم الذي تصطدم أحكامُه مع ما يريدون نشره من أفكار هدّامة ترمي إلى إحلال ما حرّم الله”.
التماسك يقوّي المسلمين
وتابع العلّامة المغربي رافضاً إعطاء ما جرى أكثر من قيمته بالقول: “إنما هي مجرد أفعال بهلوانية عن سبق تعمُّد وإمعان في التكرار، يجب على المسلمين تجاهلها وأحسن رد فعل عليها هو التمسك بالقرآن مع لُحمة التماسك الذي يُكسبنا قوة ويُحبط دعواتهم نحو التعصب والغيظ والحقد الديني”.
وسجّل بنحمزة، في معرض حديثه مع ، أن “إحراق المصحف أو تمزيقه علامة على إدراك عميق لدى المتطرفين بالغرب أن القرآن كتاب ربّانيٌ عظيم”، مشددا على اتّصاف المسلمين بالتسامح وتنامي التديُّن بينهم بمختلف شرائحهم وأعمارهم؛ وهو ما تجسّد بحسبه في “سجود عامّ خلال مباراة كبيرة للمنتخب المغربي ليلة السبت بطنجة”.
وعن مدى تغلغل خطابات “الإسلاموفوبيا” في الأوساط الغربية، علّق رئيس المجلس العلمي لوجدة قائلا: “هُم مَن وضعوا المسلمين في المطحنة عبر ممارسات كراهية متواترة.. وإذا نظَرْنا للطرفين فإن المسلمين في صف التسامح والدعوة إليه والعمل به، بينما دول الغرب على النقيض من ذلك، إذ تحارب وتتنطَّع”؛ وخلص إلى أن “القرآن نفسه الذي يحاربونه هو الذي جمع المسلمين على مفهوم ‘الأمة’.. هذه الأمة التي تتماسك وواجهت الاستعمار وقاومت مشاريع التخريب الهدّامة…”، خاتماً بأنه “كتاب عظيم له أثر كبير في حياة المسلمين”.
سَيل من الإدانات
أدانت الأمانة العامة لمنظمة التعاون الإسلامي بشدة الاستفزازات المتمثلة في حرق نسخ من المصحف بعاصمة الدنمارك يوم الجمعة الماضي، واعتبرت “هذه الاستفزازات، التي تصدر من قِبل الأفراد أنفسهم والمجموعات اليمينية المتطرفة نفسها، بذريعة حرية التعبير، نشراً للكراهية والتعصب وموجهةً ضد الإسلام والمسلمين”، داعية السلطات الدنماركية إلى اتخاذ الإجراءات اللازمة ضد مرتكبي جرائم الكراهية ومنع مثل هذه الاستفزازات.
من جهتها، عبّرت السعودية عن إدانتها بأشد العبارات “ما قامت به مجموعة متطرفة في الدنمارك من حرق للمصحف الشريف أمام السفارة التركية في كوبنهاغن”، مضيفة في بيان صادر، الأحد، أنها تؤكد ضرورة ترسيخ قيم الحوار والتسامح والاحترام، ورفض كل ما من شأنه نشر الكراهية والتطرف والإقصاء.
دولة الإمارات أدانت، بدورها، على لسان وزارة الخارجية والتعاون الدولي، في بيان، بشدة، حرق نسخة من القرآن الكريم، مؤكدة “رفضها الدائم لجميع الممارسات التي تستهدف زعزعة الأمن والاستقرار وتتنافى مع القيم والمبادئ الإنسانية والأخلاقية”؛ كما شددت على ضرورة احترام الرموز الدينية والمقدسات والابتعاد عن التحريض والاستقطاب، في وقت يحتاج العالم إلى العمل معا من أجل نشر قيم التسامح والتعايش، ونبذ الكراهية والتطرف.
يشار إلى أن المجلس العلمي الأعلى بالمغرب كان قد سارع بمجرد علمه بما ارتكبته أيْدٍ متطرفة في عاصمة السويد من القيام بإحراق المصحف (في يناير 2023) إلى “استنكار هذه الجريمة بأشد عبارات الإدانة”، معتبرا أنها “عدوان صادر عن الجهل بالقيم الإنسانية المثلى التي يدعو إليها القرآن الكريم”.
واستغرب المجلس، الذي يرأسه أمير المؤمنين الملك محمد السادس، بشدة، “أن يكون هذا الفعل الشنيع قد وقع في بلد يدعو إلى مبادئ السلام والتعايش في العالم”، مشددا على أن هذه الجريمة غير قابلة لأي تبرير مهما كان، باعتبارها “مسيئة إلى المسلمين ومستفزة لمشاعرهم”.
المصدر: هسبريس