بنشره في الرسمية، بتاريخ تاسع يونيو الجاري، يخطو المرسوم رقم 2.25.428، الذي أذِنَت بموجبه الحكومة بإحداث شركة مساهمة تسمى: ” Société de gestion des zones industrielles de défense”، برأسمال أولي قدره 300 ألف درهم يتم اكتتابه بالتساوي بين وكالة المساكن والتجهيزات العسكرية وشركة ميدز “MEDZ” (التابعة لصندوق الإيداع والتدبير)، خطوة كبيرة نحو تكريس الصناعات الدفاعية الموطَّنة في المغرب عبر مناطق صناعية خاصة.

وحسب صيغة النص، الذي يعد جزءًا من تنفيذ التوجيهات الملكية التي تهدف إلى هيكلة منظومة صناعية متخصصة للمعدات والتقنيات العسكرية، حُددت “صلاحية” الإذن المذكور في مدة “سنة تبتدئ من تاريخ نشر هذا المرسوم في الرسمية”؛ فيما “يُسند تنفيذ هذا المرسوم إلى وزيرة الاقتصاد والمالية”.

وجاء في “بيان الأسباب” أنه “يدخل إحداث هذه الشركة في إطار تنفيذ التوجيهات الملكية السامية التي ترمي إلى إنشاء منطقتين صناعيتين مخصصتين للصناعات الدفاعية، وتم بموجبها توقيع اتفاقية شراكة إستراتيجية (في 8 نونبر 2023) بين وزارات الاقتصاد والمالية، الصناعة والتجارة، إدارة الدفاع الوطني، وCDG ووكالة التجيهزات والمساكن العسكرية، استناداً إلى القانون 10.20 الخاص بعتاد وتجهيزات الدفاع والأمن والسلاح والذخيرة”.

ونصت هذه الاتفاقية على “إنشاء شركة فرعية” بين وكالة المساكن والتجهيزات العسكرية “ALEM” وشركة ميدز “MEDZ” يكون “غرضها الأساسي هو إنشاء مناطق صناعية وخدماتية مخصصة للصناعات الدفاعية، ولاسيما من خلال تصميم وتخطيط وتطوير وتسويق وتدبير المناطق المخصصة لهذا النوع من الصناعات”.

“تعزيز للاستثمار الدفاعي”

في هذا الإطار أكد عبد الرحمان مكاوي، خبير في الشؤون الأمنية والعسكرية، أن هذا النص الجديد يعد “مرسوما ونصاً قانونياً فرعياً مستكملاً لسلسلة مستمرة من المراسيم التي صودق عليها في مجلس وزاري سابق، وأيضا بعد أن مرت لاحقاً في مسطرة المصادقة البرلمانية”.

وأوضح مكاوي، ضمن تصريح مقتضب لجريدة هسبريس، أن “المرسوم سالف الذكر خضع لموافقة مجلس إدارة وكالة المساكن والتجهيزات العسكرية، ومجلس إدارة الشركة التابعة لصندوق الإيداع والتدبير، فيما سيمنح الإذن الحكومي الفرصة لتجهيز وتطوير وتصميم وتخطيط تلك المناطق الصناعية والخدماتية المخصصة لممارسة أنشطة صناعات الدفاع وتطويرها”.

وشدد الخبير العسكري على أن “المرسوم يستكمل ويُتم تفاصيل الإطار القانوني والتنظيمي لجعل الصورة واضحة أمام المستثمرين والفاعلين في القطاع الصناعي المتخصص، سواء كانوا محليين من المغرب أو أجانب”.

“حكامة الصناعات الدفاعية”

بدوره أكد هشام معتضد، باحث في الشؤون الأمنية والإستراتيجية، أن “إنشاء شركة ‘إدارة المنطقة الصناعية الدفاعية’ ليس مجرد إجراء بيروقراطي، بل يمثل لحظة مفصلية في انتقال المغرب من مرحلة الاعتماد على الخارج في تسليح جيشه إلى مرحلة بناء قاعدة إنتاج ذات طابع إستراتيجي سيادي”، معتبرا أن “المغرب يُدخل نفسه تدريجياً في النادي المحدود للدول التي تمتلك قدرة تصنيع عسكري محلي، ما يمنحه هامش مناورة سياسياً وعسكرياً أمام الضغوط الدولية”.

وقرأ معتضد في الخطوة ذاتها أنها “تندرج ضمن تصور طويل المدى لبناء منظومة دفاع وطني مكتفية ذاتياً، قائمة على الدمج بين الصناعة، والسيادة، والأمن القومي”، وزاد: “المغرب، باعتماده على شراكة بين القطاع السيادي (ALEM) والقطاع المالي العمومي (CDG)، يُبلور نموذجًا مزدوجًا للحكامة في الصناعات الدفاعية، يجمع بين الانضباط الإستراتيجي والمرونة التجارية في جذب الاستثمارات التكنولوجية”.

وفي حديثه لهسبريس مضى الباحث مفصلا: “المغرب يراهن على هذه البنية التحتية الصناعية لجعل نفسه فاعلاً حقيقياً في معادلات الأمن الإقليمي، خاصة عبر التصنيع المشترك ونقل التكنولوجيا مع قوى صاعدة (مثل تركيا، الهند، وإسرائيل)”، مضيفا أن “المنطقة الصناعية الدفاعية ليست مجرد موقع إنتاج، بل منصة جيوإستراتيجية تعيد تعريف دور المغرب في منظومة التسلّح الإقليمي”.

واعتبر المتحدث ذاته أن “هذا الكيان الصناعي سيمنح المغرب ما يتجاوز البُعد التقني: إنه يعيد تشكيل العمق السيادي للدولة في ملف الدفاع؛ إذ بِخلق قطب صناعي متكامل ومؤطر قانونياً ومالياً ترسل المملكة إشارات قوية إلى خصومها مفادها أنها لا تشتري القوة فقط، بل تصنعها؛ وهذه نقطة تحول في ميزان الردع الإقليمي”، حسب تعبيره.

يشار إلى إصدار المرسوم، المؤرخ في 22 ماي من هذه السنة، جاء “بعد استطلاع رأي” الوكالة الوطنية للتدبير الإستراتيجي لمساهمات الدولة وتتبع نجاعة أداء المؤسسات والمقاولات العمومية، وباقتراح من وزيرة الاقتصاد والمالية.

المصدر: هسبريس

شاركها.