إتفاق الشرععبدي.. طريق الوئام وأسئلة المستقبل؟

إتفق في 10من آذار 2025 الرئيس السوري المؤقت أحمد الشرع وقائد قوات سوريا الدمقراطية الجنرال “مظلوم عبدي” لتعبيد طريق الانسجام الوطني، ما من أحدٍ قادر على نكران تأثير الاحداث التي حصلت في الساحل السوري من تقتيل و تجاوز على الحق الإنساني على الاتفاق المبرم بين الرجلين الباحثين عن الحلّ والإستقرار، تلك الأحداث كانت جرس إنذار صاعق لأحمد الشرع بأن الأمر قد يخرج عن السيطرة، لكن هذا الاتفاق لم يأت هكذا من رحم أحداث معينة ومن دون مقدمات، فالحديث لم ينقطع بين قائد قوات سوريا الدمقراطية مظلوم عبدي والرئيس السوري أحمد الشرع، الرجلان منذ الأيام الأولى أرادا ذلك، وكانا يعملان عليه التقيا بعد ثلاثة أسابيع من هروب الاسد، لكن كانت في الطريق عقبات ثلاث:
• العقبة الأولى، هي الوضع السوري بعد سقوط النظام وتحدي إعادة بناء مؤسسات الدولة المهترئة، والشكّ بين الرجلين، نتيجة سنوات من الخلاف والتصادم العسكري أحياناً في حلب ومنبج والشيخ مقصود. وانتظار ما في جعبة الشرع في دوره الجديد والمختلف عن سابق تاريخه.
• العقبة الثانية، قنديل وسياساته التي كانت تربط بين القضية الكوردية في تركيا وسوريا والعراق، فلم يكن عبدي حرّاً في المضي نحو إتفاق من دون تحقيق مكاسب مساعدة على المدى البعيد.
• العقبة الثالثة هي أنقرة، القيادة التركية لم تكن ومازالت لا تريد وجوداً كوردياً مميزاً في الدولة السورية الجديدة، تخوفاً من انعكاساتها عليها، أو الدمج الكياني الجامع، وإنما وجوداً فردياً، وتذويبه كما هو في تركيا عبر قرن كامل.
وما سرّع في إنجاز هذا الاتفاق هو التالي:
• رسالة عبدالله أوجلان. كانت قوة دفع ودعم واضحة لمظلوم عبدي، أزالت عنه الكثير مما كان يثقل كاهله، خاصة أن عقله هو مع أوجلان وإن كانت عضلاته تشكلت مع قنديل.
• احداث الساحل، فما حدث في المواجهة بين القوات السورية وأزلام النظام السابق تحت لافتة العلويين، تلك الأحداث وضعت الشرع تحت علامات استفهام متزاحمة، كما أنّ الشرع وبما له من تجربة في العراق يعلم مدى سرعة انتشار التمرّد في مثل هذه الحالات، ومعاناته في النقص الحاصل في عديد قوات الدولة السورية المطالبة بخوض المواجهات في مناطق متعددة من البلاد، فأحسّ بحاجته الشديدة الى الصلح مع قسد، وارسال رسالة الى العالم الخارجي بأنه ليس رجل التمزيق المجتمعي، وإنما رجل الدولة الجامع.
• كما أن الغرب أيضاً وواشنطن كانت داعمة عبر إيصال الرسائل للطرفين أن لابدّ من اتفاق. الغربيون طلبوا من قسد الوصول الى حلّ مع الشرع، وأخبروا الشرع بأنه يجب دمج قوات قسد في الجيش الجديد.
• أما بالنسبة لتركيا، فأعتقد بأن الشرع قد كسب الجولة مع انقرة بتريثه في اتخاذ خطوات تصادمية مع الطرف الكوردي، ويبدو أن أحداث الساحل أيضا كانت قد أفهمت أنقرة بأن الأرض السورية قد تنفجر وتشتعل ناراً، وقد تتورط هي وتتأثر بها سلباً.
قد تتورط عسكريا عبر التوغل البرّي والتدخل الجويّ إذا ما وجدت حليفه عاجز عن الضبط والسيطرة، أو تتأثر إذا ما أصبحت سوريا مثل العراق، وحينئذ يكون الكيان الكوردي أكثر إستقلالاً مما هي عليه الآن، كل ذلك جعل أنقرة أمام وضع جديد، لكنها يبدو تعاملها الحذر جلياً مع الاتفاق بين الرجلين اللذين رسما طريق السلام الداخلي والوئام الوطني في سوريا الجديدة، لن تكون المرحب البشوش، لأن لها مطالب تريد تثبيتها في الدستور الجديد وشكل نظام الحكم.
أسئلة المستقبل؟
هل الطريق أصبح ممهداً لبناء سوريا جديدة موحدة هادئة ومستقرة؟
الجواب: نعم.
هل انتهى كل شيء؟ الجواب: لا؟
لماذا؟
1 لأن الرجلين والحق يقال أرادا من الأيام الأولى الوصول الى هذا الحال، وأسَّسا إلى سلام ووحدة للبلاد ووئام بين أطرافه، دخلا التاريخ عبر قلوب أبناء شعبهما، وما شوهدَِ من إحتفالات داخل جلّ المحافظات السورية ومظاهر الفرح، دليل على أن الرغبة الشعبية كانت في رؤية هذه الصورة للقائدَين وهما يتصافحان، الاتفاق جعل من الطرفين طرفاً واحداً في سبيل بناء الدولة الجديدة على أنقاض الدولة القديمة التي كانت ظالمة، ومن قوتَيهما قوة شرعية واحدة في التصدي لأزلام النظام السابق.
لأول مرة في التاريخ السوري الحديث تعترف دمشق بوجود القومية الكوردية، ويرى فيها مكونا مكملاً للشعب السوري، هذا بحدّ ذاته إنجاز قياساً الى العقود السابقة، لكن بالنظر الى تطور المجتمعات العالمية ليس أكثر من شيء طبيعي تأخر جداً في المجيء.
2 لكن وبالنظر الى الاتفاق وبنوده فإن جهوداً مكثفة صعبة تنتظر الطرفين في الشهور المقبلة، وهي صعوبة كتابة دستور جديد للبلاد، لأن الحقوق كما ينص الاتفاق تكون وفقاً للمواطنة والدستور، والدستور لم يكتب الى الآن، فكيف تأتي مواد الدستور المنتظر في تثبيت هذه الحقوق والأوضاع ؟ بالقياس الى التجربة العراقية ستكون صعبة ومرهقة للأعصاب، وذلك للأسباب التالية:
• تركيا لن تترك الأمور تمشي في طريقها إذا لم تكن مطمئنة، ليس شرطاً أن تتدخل مباشرة عبر مؤسساتها، وإنما عبر أقربائها ممن قضوا سنوات حياتهم العشر الماضية فيها، واكتسبوا جنسيتها.
• بقايا العقلية القومجية.
• العقل الفقهي الديني القديم، وإن كان بتأثير محدود وضعيف، فهو يحكم المحيطين بالرئيس السوري.
• تصريحات المكلفين بكتابة الإعلان الدستوري ورفعه الى الرئاسة لا يأتون لا من قريب ولا من بعيد على ذكر الشعب الكوردي، فهل يبقى هكذا ؟ أو يكون هناك تغيير، ويأخذ القائمون عليه درساً من أن القوة لا تأتي بالوحدة، ولا الإكراه أيضاً، الوحدة المكرهة تأتي بنظام قمعي لم يبق له في التاريخ من مكان.
• متشددون من الجانب الكوردي، قد يسببون بالتعب والنصب لزملائهم.
• وما هو شكل النظام الجديد؟ أي كيف يكون المجتمع الكوردي جزءاً أصيلاً من الدولة السورية كما ينص الإتفاق؟ هل أن الحقوق القومية تثبت، كالحقوق الثقافية والدراسة باللغة الكوردية؟ أو الإدارة القائمة الآن في شمال شرق سوريا كيف يكون دمجها بالمؤسسات الحكومية؟ طريقة دمج عناصر قوات سوريا الدمقراطية، كيف تكون؟ هل الدمج جماعياً؟ أو الذوبان الفردي؟
كيف تدار الثروات؟ وكيف توزّع لحين إصدار القانون الخاص بها عبر البرلمان أو المجلس الذي يعينه رئيس الجمهورية ؟
هذه الأسئلة جوابها كامن في المستقبل، وما تقوم به اللّجان التي تكلف بوضع خطط تفصيلية لتجسيد الاتفاق على أرض الواقع، ولا ريب من التعرض الى ضغوطات قاسية من الأطراف التي تسعى لتوجيه مسار الدولة السورية بما ينسجم مع رغباتها الستراتيجية هي، وليست مصالح الدولة الوطنية المستقلة.
المصدر: العمق المغربي