تشهد منطقة الشرق الأوسط واحدة من أكثر موجات التصعيد المسلح خطورة منذ عقود، حيث تتواصل الضربات العسكرية المتبادلة بين إسرائيل وإيران بوتيرة غير مسبوقة، وسط تزايد أعداد القتلى والجرحى، ودمار كبير يطال مناطق حيوية.
وبينما تتكثف الهجمات وتتعثر المبادرات الدبلوماسية في احتوائها، يزداد القلق الدولي من احتمالات انزلاق الأوضاع إلى حرب إقليمية شاملة تمتد تأثيراتها إلى مناطق بعيدة عن ساحة القتال المباشر.
في هذا السياق، تطرح تساؤلات جدية حول التداعيات الممكنة لهذا التصعيد على مناطق أخرى من العالم، وخاصة شمال أفريقيا، التي ظلت حتى الآن بمنأى عن الاشتباك المباشر، لكنها ليست بمعزل عن تداعياته السياسية والأمنية، إذ أن الوضع الدولي الراهن، بنمطه المتوتر وتداخل مصالحه، يجعل من أي صراع بهذا الحجم مدخلا لتغيرات تتجاوز حدود الجغرافيا المباشرة.
وفي هذا الإطار، يرى الباحث في العلاقات الدولية أنس الحيمر أن تأثير المواجهة المسلحة في الشرق الأوسط على شمال أفريقيا يمكن فهمه من خلال ثلاثة مستويات متداخلة، تبدأ من السياق الدولي الراهن وتصل إلى حدود تشكل المحاور الجديدة في العالم.
ففي المستوى الأول، أوضح الحيمر، في تصريح لجريدة “العمق”، إلى أن ما يشهده الشرق الأوسط يعكس “لحظة دولية جديدة” تختلف عن تلك التي كانت سائدة في العقود الأخيرة، ويؤكد أن هذه اللحظة تتسم بتسارع ديناميكي يسبق قدرة الأدوات الدبلوماسية على المواكبة أو الاستباق، في ظل حضور فاعلين تقليديين وتراجع دور الجماعات غير الحكومية.
كما يسجّل الباحث أن المعادلات التي كانت تنظم الحروب سابقاً بدأت في الانهيار دون أن تحل محلها تفاهمات جديدة، ما يؤدي إلى اختلالات يصعب احتواؤها. ويرى أن هذا النمط من الفوضى قد يمتد إلى مناطق أخرى مثل شمال أفريقيا، بالنظر إلى التفاعل الطبيعي بين بؤر النزاع في العالم.
أما في المستوى الثاني، فركز المتحدث على طبيعة التفاعلات البينية في مناطق النزاع، ليس فقط في الشرق الأوسط، بل كذلك في النزاعات الممتدة بين روسيا وأوكرانيا، الهند وباكستان، وأذربيجان وأرمينيا، مشبها هذه التفاعلات بانتقال اللاعبين الدوليين من “رقعة الشطرنج الهادئة” إلى “حلبة المصارعة الحرة”، حيث يتم تكثيف استخدام القوة بشكل مفاجئ ومكثف بهدف تحقيق ضربة قاضية.
ويحذّر الباحث في العلاقات الدولية، من أن هذا النموذج بات يغري فاعلين آخرين باعتماده، مما يزيد من احتمالية انتشاره إلى مناطق توتر جديدة، بما في ذلك شمال أفريقيا.
وفي المستوى الثالث، تناول تحوّل بنية العلاقات الدولية نحو وضوح أكبر في التكتلات، قائلاً إن العالم بدأ يتجاوز مرحلة الملفات الثنائية المنفصلة إلى مرحلة اصطفاف الملفات ضمن محورين عالميين، مؤكدا أن هذا التحول تعزز منذ اندلاع الحرب في غزة، وتكرّس لاحقاً في الأزمة السورية والحرب الأوكرانية، إلى جانب الموقف الأميركي في دعم الهند، واستثمارات الخليج، وتحالفات إيران وروسيا.
ويرى الحيمر أن هذا التبلور الجديد في المحاور يعيد إلى الأذهان أجواء الحرب الباردة، ويضع مناطق مثل شمال أفريقيا في دائرة الخطر، من حيث احتمالات الاصطفاف والتورط غير المباشر في صراعات يتجاوز حجمها القدرة المحلية على الاحتمال.
وشدد على أن التأثيرات على شمال أفريقيا، وإن لم تبلغ بعدُ درجة الغليان التي يعيشها الشرق الأوسط، فإنها تظل قائمة، بفعل الترابط البنيوي في النظام الدولي، واضطراب العلاقات الإقليمية في الضفة الغربية للمتوسط، مشيرا أن المسافة الجغرافية لا تعني العزل السياسي أو الأمني، “ما يعني ضرورة استشراف الوضع بتأنٍّ وتحليل دقيق لمآلات الاصطفافات الإقليمية”.
المصدر: العمق المغربي