حامي الدين: أدوات ضبط الهوية وصلت الباب المسدود وكرست ما هو قائم
أكد المفكر والروائي المغربي، حسن أوريد، أن الهوية لا يمكن أن تَختزل الانتماء، بل يجب أن تتعايش مع مفاهيم أخرى كالشخصية، والأمة، والمواطنة، محذرا من أن أي تعارض بينها يُعد خللا يهدد تماسك الدولة ووحدة المجتمع.
وأكد أوريد أن المطابقة بين الهوية، والشخصية، والأمة، والمواطنة ستظل مجرد أماني إذا لم تُواكبها إجراءات ملموسة، في مقدمتها إرساء العدالة الاجتماعية والعدالة المجالية، باعتبارهما أساسا لتوازن العلاقات داخل المجتمع وضمانا لتعايش الهويات.
جاء ذلك خلال تأطير أوريد لمحاضرة علمية حول موضوع “قضايا الهوية في عالم متقلب”، تم خلالها تقديم مؤلفه الجديد “فخ الهويات”، والتي نُظمت من قبل شعبة القانون العام والعلوم السياسية، بشراكة مع مركز دراسات الدكتوراه في القانون والاقتصاد، ومختبر القانون العام والعلوم السياسية، بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية أكدال، ، أمس الأربعاء.
تجريم الازدراء
وأضاف أن التوزيع العادل للرموز الثقافية يُعد بدوره شرطا أساسيا لبناء مجتمع لائق، مشددا على أنه لا يحق لأي طرف أن يستهزئ برمز من رموز مكوّن من مكونات المجتمع، مثل السنة الأمازيغية، حتى إن لم يؤمن بها، معتبرا أن الاستهزاء بهذه الرموز يعكس اختلالا في الإنصاف الرمزي، الذي يفترض أن يكون مشتركا بين الجميع.
كما أبرز أهمية المدرسة باعتبارها البوتقة الأساسية للمواطنة، داعيا إلى تحصينها من صراعات الهويات وتحييدها عن التجاذبات، حتى تظل أداة للارتقاء وخدمة الأمة، مؤكدا كذلك على ضرورة تفعيل أدوات التنشئة السياسية، من أحزاب ونقابات ومجتمع مدني، إلى جانب إقرار نصوص قانونية واضحة تجرّم العنصرية وتُجرّم في بعض الحالات ازدراء الأديان.
وشدد على أن المطالب الهوياتية، سواء تعلقت بجماعة معينة أو ثقافة أو لغة أو عادات، لا يمكن القفز عليها، شرط ألا تتعارض مع مبدأ المواطنة ومفهوم الأمة، وأن تشكل رافدا داعما لهما لا نقيضا.
وأكد أوريد أن خطابات الهوية تعبّر عن حاجات موضوعية لجماعات معينة، إما لكشف مظالم تتعرض لها أو للتعبير عن شعورها بالتميّز، مشددا على أنه لا يجوز القفز على هذه الخطابات أو إنكار مشروعيتها. وأبرز أن الاعتراف بالهويات يقتضي بالضرورة أن تتعايش مع مفاهيم أخرى، في إطار توازن يضمن الاستقرار والتماسك المجتمعي.
الأوليغارشية لا تنزعج
وأوضح أوريد أن الانتماء لا يمكن حصره في الهوية فقط، بل يجب ألا يتعارض مع مفاهيم أخرى، في مقدمتها الشخصية، التي تمثل البنية العميقة للدولة، موضحا أن الهوية تركز على عنصر الاختلاف، في حين ترتكز الشخصية على عنصر التماثل، وهو ما يجعل التوازن بينهما ضروريا لضمان وحدة الدولة واستمرارها.
وسجل أوريد أن قضايا الهوية تظل معقدة، وأن توظيف خطابات الهويات قد تكون له مضاعفات تمس استقرار الأمن، وتهدد وحدة الدول والمجتمعات، مشددا على أن التعامل مع هذه القضايا يتطلب روية وحكمة، ومعالجة موضوعية إذا تعلق الأمر بالخطاب العلمي.
وأشار أوريد إلى أن الأوليغارشيات لا تنزعج من تعدد خطابات الهوية، لأنها تؤدي إلى كسر الكتلة التي يمكن أن تواجهها، معتبرا أن خطاب الهوية يعيش أزمة حقيقية، حيث إن تشدد الأقليات يُضعف إمكانية تشكيل جبهة موحدة.
وأضاف أن الهوية في السياق الغربي تُدار في اتجاه بناء العيش المشترك، في حين تؤدي في العالم العربي إلى الانفصال، أو الحروب الأهلية، أو تفكك المجتمعات، كما حدث في العراق بفعل الانقسام الطائفي.
تكريس الوضع القائم
من جانبه قال أستاذ العلوم السياسية والقانون الدستوري بالكلية، عبد العلي حامي الدين، خلال تسييره للمحاضرة، إن الأدوات التي طُرحت في الغرب أو خارجه لإدارة التنوع وضبط الهويات قد وصلت إلى طريق مسدود، وأسهمت عن قصد أو غير قصد في تكريس الوضع القائم بدل تغييره.
وأشار حامي الدين إلى أن كتاب “فخ الهويات”، يمثل محاولة جادة لتفكيك خطاب الهوية، من خلال فصوله العشرة التي تتناول قضايا راهنة مثل مأزق الهوية، الانكفاء الهوياتي، الإسلاموفوبيا، صناعة العدو، وصراع الأعراق، مؤكدا أن الكاتب ينبه إلى أن التعامل مع الهويات لا ينبغي أن يكون بدافع الإقصاء أو الاستعداء، بل بوصفها مطلبا للاعتراف والكرامة.
وأكد المتحدث أن حسن أوريد يرى أن الإشكال لا يكمن في الهوية في حد ذاتها، وإنما في الطريقة التي يتم بها توظيف هذا المفهوم، مضيفا أن الهوية تتحول إلى مصدر تهديد للعيش المشترك حين تُستعمل كأداة لاستعداء الآخر، وهو ما يفرغها من بعدها الإنساني ويجعلها مدخلا للتنازع بدل التعايش.
وأوضح أن أوريد يقترح تجاوز شعار “العيش المشترك” الذي يظل فضفاضا دون إطار ناظم، وذلك بالارتكاز على مفهوم المواطنة كخيار عملي يضمن الاعتراف المتبادل وينظم التنوع ضمن عقد وطني جامع. فالمواطنة، كما يراها الكاتب، تسمح بتجاوز الانتماءات الضيقة من لسان وعرق، وترسخ القبول بالآخر على أساس الحقوق والواجبات.
وأضاف حامي الدين أن الكاتب يقر باستحالة إنكار الهويات، لكنه يشدد في الآن ذاته على أن الهويات، حين تنفلت من ضوابطها، تتحول إلى مدخل للصدام، خصوصا في العالم العربي حيث قد تأخذ طابعا مسلحا وتمس استقرار الدول والمجتمعات.
وفي معرض حديثه، نبه أن أوريد يرى أن ما يعيشه الغرب من تحديات هوياتية، مثل الإسلاموفوبيا والانغلاق الثقافي، يتقاطع مع قضايا مشابهة في العالم العربي، مما يستدعي دراسة متبادلة تُغني الفهم المتعمق لهذه الإشكالات.
واعتبر حامي الدين أن هذا الكتاب يشكل دعوة صريحة لإعادة التفكير الجماعي في أسس التعايش، وتوسيع دائرة الحوار من أجل بناء مشترك يقوم على الاعتراف والمواطنة لا على الاستقطاب والانغلاق.
المصدر: العمق المغربي