” إذا تفوقت عقول الآلات على عقول البشر في الذكاء العام، فإن هذا الذكاء الخارق الجديد قد يحل محل البشر كأهم وجود حيّ على الأرض.. إن ثمة مسارات وأخطار واستراتيجيات محتملة لإنشاء مثل هذا الذكاء الخارق والتحكم فيه. .” ـ نيك بوستروم ـ

*عالم من التحكم الصناعي
على الرغم من انشغال حقل الإلكترونيك بتطوير عدة تخصصات دقيقة في عالم التحكم الصناعي وأنظمة الإرسال الرقمي، فإن التطورات الراهنة التي عمت نظم “تحليل التكنولوجيا”، واكتسابها أهمية متزايدة في مجتمعات العصر السريع، قد أثر على تاريخ التكنولوجيا كجزء من مشهد أكاديمي مشترك.
ويعتبر سوسيولوجيون هذا الرهان، جزءا من فرعٍ معرفيٍّ غامضٌ، يتقاطع مع العديد من التقاليد المعرفية. بالإضافة إلى أن مناهج مؤرخي التكنولوجيا، المُتمايزة وفقًا لتركيزهم الزمني، تُعزز الانطباع بغياب التجانس.

وفي السياق، أثار فرانسوا سيغوت هذا التباين في مرحلة تطور تاريخ التكنولوجيا، حيث اعتلق سؤال الخروج عن التاريخ الداخلي للتقنيات، أو ما يسميه ب” التاريخ التقني للتقنيات”، وإثارة المشكلات والمناهج التي تم تطويرها بالتلازم مع تخصصات أخرى، كعلم الاجتماع والاقتصاد وتاريخ العلوم وعلم الآثار أيضا. بيد أن هذا الأمر لم يمنع من الحديث عن تأخر إدماج تاريخ التكنولوجيا بشكل كاف في أكثر المناهج التاريخية تقليدية، دون المساس بخلفية حضوره الديناميكي في مناهج التدريس والبحث العلمي، في كبريات الجامعات الغربية والآسيوية، وذلك بفضل مساهمة وجهات نظر منهجية ومفاهيم جديدة من التاريخ الاقتصادي وعلم الاجتماع وتاريخ العلوم.
وشكلت تحيزات مفاهيمية منطقية، بؤرة خلاف في تقصيد حصر التكنولوجيا كإحدى هذه اليقينيات التاريخية الزائفة، على اعتبار سذاجة الإنتاج التقني المتقدم للمجتمعات الصناعية، أو ارتكازها بالأساس على الوفرة أو التفضيل العلمي، في مقابل التقنيات الحديثة والصناعية والعلمية التي تتجاوز النمط الاستهلاكي والتحول إلى تكييفات خارج المجتمع.
ويلتقي هذا المعنى مع ما أطلق عليه الفيلسوف الأماني كريستيان وولف، بالفن التقني الجديد الذي ينصهر مع فنون إنسانية وأعمال فنية تكون نتيجتها علم الأشياء بكل تجرد واكتمالية.

*السوشال ميديا: صناعة النصر
تجترح وسائل الإعلام الاجتماعية، باعتبارها مكونا أساسيا لمجموعة من تطبيقات الإنترنت التي تنبني على أسس أيديولوجية والتكنولوجية من الويب، والتي تسمح بإنشاء وتبادل المحتوى الذي يتعاطاها المستخدمون، عالما من الدعاية (البروبجندا)، التي تبحث لها عن أعداء خارج العقل، تستنفر قابلياتنا لإبداء قيم الكراهية والحقد والانتقام تجاه كيانات جغرافية أو حضارية أو دينية أو شخصية. وهو نفس المنطق، الذي يجعل منا أدوات للرفض والمقاطعة وتحاشي البحث عن الحقيقة، كما هو الشأن بالنسبة لتداوليات “ديكتاتورية هتلر وموسوليني وستالين وصدام حسين والقذافي وبوتين. أو كوريا الشمالية وإيران وغير ذلك. “محور الشر” الذي روجت له منطقيات الإعلام الغربي وأخطبوطياته، على مر الحقب السابقة. نتج عنها تحويل المغضوب عليهم ضمن نسق النظام العالمي القطبي، إلى قطيع مزعج ومحضور ومنبوذ، يلزمه الردع والمواجهة والمحاصرة والتطويع، عوض المكاشفة والاستنتاج والنقد الغيري.

إن تلك الدعاية الإعلامية، التي ترمز صناعة أبواقها وأطقمها المندسة، لحدود الرغبة فينا، لتغطية تردي قيم الهوية وتراجع أخلاقيات المعرفية وفهم ثقافة الآخر، هي نفسها التي تغالط الضمير العالمي وتحتذي بنظرية طغيان الغالب وتسلطه، واتساع نفوذه وفرض أشكال علاقاته.

ويبدو أن هذا الطعم الماثل في الراهن، بدا وكأنه ينفض دعاياته التقليدية، ويزيل عنها صباغات السياسة الدوغمائية، وميكيافيلية التوجيه الاحتمائي بإزائها، لتصير عالما مفضوحا بكل سياقات الواقع المفروض، وحتمياته الاحتيالية، حيث يستعاض عن سابقاتها بعرض القوة والسباق نحو التسلح وامتلاك التكنولوجيا وتعالي/ تضخم الأنا المستبدة، بفائض الإرهاب والابتزاز والضغط، ومثال الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، خير دليل على اتساع حقيقة اكتساح وسائل الدعاية لمنظومة تعمل على ترويج مفاهيم جديدة، ك”صناعة النصر” الذي لا يقهر، وتورية أنساق السياسة والحقوق الدوليين، والانحلال من التزامات النظام الدولي.

إنه لم يعد باستطاعة المفكرين، أن ينساقوا خلف هوياتهم الحضارية والثقافية والنفسية، في اقترابيتهم نحو حقل مفهوم “كسب الحرب المشتعلة على امتداد العولمة”، بما هي حرب تنتفض فيها العقول والقطعيات، وتنتصب كأدوات لصد الهجمات المحتملة والرهانات المستتبعة لها، دونما الحاجة إلى استعباد الناس وإذلالهم. لغة يصفها كزافييه دوران ب”الحرب الناعمة المخملية”، تستأثر وضعها الجديد وفق أنماط وأوعية دقيقة وبيانية وغير قابلة للتكسير. ذلك أن هذا القياس سرعان ما تنكسر أرتاله وأوابده، تحت قصف “التفاهة” و”اللامعنى” و”القبض على فراغات نصر مزيف”؟.

المصدر: العمق المغربي

شاركها.