مع حلول موسم الشتاء والتساقطات المطرية الكثيفة التي تسجلها مدينة طنجة والمناطق المجاورة لها، يتكشف واقع البنيات التحتية وتبرز هشاشتها وضعفها البين، وينجلي جانب من الوجه البئيس للمدينة المليونية.
خلال اليومين الأخيرين، عرت الأمطار مجموعة من الاختلالات والخروقات التي ترتكب في مجال البناء والتعمير بالمدينة التي يتنافس فيها أباطرة المال والأعمال على تجهيز التجزئات وبناء الوحدات السكنية في كل مكان.
وتناقل نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي صورا لتجزئة سكنية غمرتها مياه الأمطار في جماعة گزناي، في مشهد يبين أن العمارات التي يبلغ سعر الشقة الواحدة فيها أزيد من 60 مليون سنتيم لا تتوفر على قنوات للصرف الصحي ومياه الأمطار.
وأغرقت مياه الأمطار مجموعة من الطرقات والأحياء في مناطق مختلفة بالمدينة التي تستعد لاستقبال مباريات كأس إفريقيا للأمم بعد أيام قليلة، وسط مخاوف من استمرار الأمطار خلال أيام التظاهرة القارية التي يتوقع أن تقود آلاف الجماهير ومشجعي منتخبات القارة السمراء إلى زيارتها.
ووضعت هذه التساقطات عمدة المدينة منير ليموري، المنتمي لحزب الأصالة والمعاصرة، وأغلبيته في مرمى الانتقادات التي تطال البنيات التحتية للمدينة ومحدودية إمكانياتها في استيعاب مياه الأمطار التي تفضح النخب المحلية وعجزها المستمر في إيجاد الحلول الكفيلة بإنهاء هذه المشاكل المتجددة.
في تعليقه على الموضوع، قال عزيز حناتي، رئيس مرصد حماية البيئة والمآثر التاريخية بطنجة، إن الفيضانات “لم تعد مجرد حدث عابر وإنما على بلادنا وجماعاتنا اتخاذ تدابير احترازية لمواجهة هاته الأحداث التي ستتكرر في قادم الأيام والشهور بفعل آثار التغيرات المناخية”.
وأضاف جناتي، في تصريح لهسبريس، أن موضوع الفيضانات والسيول يتطلب “البحث عن آليات احترازية والرفع من مؤشرات اليقظة والاحتراز وإبداع آليات الصمود والتجاوز”، مبرزا أن المرصد الذي يرأسه كان قد نبه إلى ذلك في مجموعة من التقارير والندوات التي نظمها.
وزاد موضحا: “نحمد الله أن ما عشناه في طنجة لم يؤد إلى كوارث كبيرة مقارنة بما عرفته العديد من المناطق المغربية الأخرى، بفعل المجهودات المبذولة في السنوات الأخيرة، لكن مع ذلك يبرز أن هناك نواقص تتطلب مجهودات أكبر وإبداع آليات أخرى أكثر مردودية وأثرا”.
وشدد رئيس مرصد حماية البيئة والمآثر التاريخية بطنجة على “أهمية ابتكار الحلول سواء على مستوى تجاوز الخصاص المتراكم في بنيات وآليات الصمود، أو على مستوى الحد من الأخطار التي تتهددنا بفعل خيارات وقرارات إذا لم تكن متسمة بالعقلانية والاستدامة والحكامة”.
من جهته، سجل يوسف شبعة، فاعل جمعوي من أبناء مدينة طنجة، أنه بعد إنجاز برنامج تهيئة المدينة العتيقة “لم تعد الأخيرة تعرف حالات غرق الأزقة أو فيضانات كما في السابق”، مذكرا بأنه قبل 15 سنة شهدت المدينة تساقطات غزيرة أدت إلى وفاة سيدة جرفتها الأمطار عثر عليها بشاطئ مرقالة.
وأوضح شبعة، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن تغيير مواسير الصرف الصحي بقنوات كبيرة جنب المدينة العتيقة “الويلات”، مؤكدا أن حالات الغرق والفيضانات تسجل في المناطق والأحياء ناقصة التجهيز”.
وأشار الفاعل الجمعوي ذاته إلى أن “البناء العشوائي المنتشر بكثرة في هذه المناطق واحد من بين أسباب عدة تساهم في وقوع الفيضانات”، واعتبر أن تسجيل غرق الأزقة والشوارع أمام بنايات حديثة التجهيز يدعو إلى الحيرة والاستغراب.
ولم يقف شبعة عند هذا الحد، بل ذهب إلى القول إنه على الرغم من وجود “إنذارات، لم نشاهد عمليات استباقية للشركات المفوض إليها تدبير القطاع على الأقل لتقليص الخسائر”، مستغربا أن بعض المدارات الحديثة سجلت فيها “فيضانات مثل مدار طريال أطلس”.
وحمل الناشط المدني ذاته المسؤولية إلى خلية التتبع فيما حدث ويحدث، موردا بسخرية: “العمدة مْسافرْ وطنجة كامْلة حْفافرْ كما قال أحدهم”، في إشارة إلى اللازمة الشهيرة التي يرددها أبناء طنجة في وسائل التواصل الاجتماعي انتقادا للعمدة ليموري وأدائه.
المصدر: هسبريس
