اخبار المغرب

“أماناي” .. مهرجان يضيء سماءَ ورزازات ويكرمُ رواد المسرح المغربي

انعكست أشعة الشمس الذهبية على جبال الأطلس الكبير، لتُضفي على مدينة ورزازات سحرًا خاصًا، وهي تحتضن فعاليات الدورة الرابعة عشرة من مهرجان أماناي الدولي للمسرح.

وعلى مدى خمسة أيام، من 10 إلى 14 ديسمبر، تحولت مدينة وارزازات إلى قبلة للفنانين والمثقفين والباحثين المسرحيين من مختلف الأقطار، ليُشاركوا في أجواء احتفالية زاخرة بالأنشطة المتنوعة، من عروض مسرحية وورشات تكوينية إلى ندوات فكرية وتكريمات لرموز المسرح المغربي.

وفي ختام المهرجان، توجت مسرحية “لافيكتوريا” بجائزة قلادة أماناي الكبرى، لتؤكد تفوقها في مختلف الجوانب الفنية والإبداعية، مما جعلها العمل الأكثر تميزًا خلال هذه الدورة.

نال أمين بلمعزة جائزة قلادة الفنان عبد الحق الزروالي عن فئة الأداء ذكور، تقديرًا لدوره البارز في مسرحية “لافيكتوريا”. كما حصدت زهرة الهواوي جائزة قلادة الفنانة الراحلة فاطمة بنمزيان عن فئة الأداء إناث عن أدائها المتميز في نفس المسرحية.

وفي مجال السينوغرافيا، حصلت أسماء هموش على قلادة الفنان أحمد جريد عن تصميمها المبدع لمسرحية :لافيكتوريا”، مما يعكس جمالية الرؤية البصرية للعمل.

وفي فئة البحث الفني، حصلت مسرحية “أنشاد” على قلادة المرحوم محمد أديب السلاوي، اعترافًا بعمق البحث الذي قدمته. أما جائزة النص المسرحي، المتمثلة في قلادة المرحوم الطيب لعلج، فقد منحت لمسرحية “جثث” (CADAVRES)، وهي مقتبسة عن نص أناطول فيلد للكاتب هيرفي بلوتش، وأعدها وأخرجها وليد معروفي الحاصل أيضًا على قلادة الفنان الراحل محمد الكغاط عن فئة الإخراج، عن ذات المسرحية.

وتألفت لجنة التحكيم من المخرج عبد المجيد الهواس الذي ترأس اللجنة، إلى جانب الأعضاء هاجر گريگع، مجيد أوهرى، وفاطمة بلبيض، الذين أشادوا ب “المستوى العالي للعروض المقدمة خلال المهرجان”.

الزروالي وقاوتي
وافتُتح المهرجان بتكريم المسرحي المخضرم عبد الحق الزروالي، الذي وُصف بـ “الشاب الأبدي” الذي كرّس حياته للبحث عن الحب وعن المسرح. وقد أشاد القائمون على المهرجان بمسيرة الزروالي الحافلة بالعطاء، مؤكدين أنه “فارس ركح بامتياز”، وأن تجربته الفنية تمثل “انفرادًا لم يلمسه أحد قبله ولا بعده”. وقد عُرض خلال حفل الافتتاح تقرير مصور عن مسيرة الزروالي، أبرز مراحل تطوره الفني وإسهاماته في إثراء المشهد المسرحي المغربي.

شهد اليوم الثاني من المهرجان حدثًا استثنائيًا تمثل في “رسالة إلى مخرج جدير بالفذ عن أنداده” التي وجهها الكاتب والمؤلف المسرحي محمد قاوتي. وقد استهل قاوتي رسالته بالغوص في أعماق الشعر العربي والغربي، مستلهمًا نماذج من نبوغ بعض الشعراء الذين اتسموا بالصبر والإصرار. ودعا قاوتي المخرجين الشباب إلى التحلي بنفس الصفات، محذرًا من “التسرع والانزلاق والانزياح عن الهم الأسمى مقابل القيام بالرداءة والضحالة بحثًا عن البوز والمشاهدات”. كما شدد على أهمية البحث والغوص عميقًا في أصول الفن المسرحي، مؤكدًا أن “الكتابة المسرحية لن تحيا بغير الركح، ولن تينع بغير مشروع متكامل بين الكاتب والمخرج وفق رؤى فنية متقاربة”.

ندوات ولقاءات
شكلت الندوات الفكرية واللقاءات المفتوحة فرصة للتحاور وتبادل الآراء حول قضايا المسرح وآفاق تطوره. فقد نُظمت ندوة علمية حول “الإخراج المسرحي المعاصر من تأويل النص إلى تأويلية الفرجة”، شارك فيها عدد من الباحثين الأكاديميين، كما عُقد لقاء مع الكاتب والمؤلف المسرحي محمد بهجاجي تحت عنوان “مسرحنا اليوم.. يستحضر تجربة ‘مسرح اليوم’ وآثارها على تاريخ المسرح المغربي”، إضافة إلى محاورات فنية حول تجربة الفنانة بشرى إيجورك، و الفنان أمين ناسور.

حرص مهرجان أماناي على توفير فضاء للتكوين والتأطير من خلال ورشات متخصصة في مجالات مختلفة، منها “الفرجات الثراتية والوسائط مبادئ توضيف الصوت في الفرجة المسرحية” و”الفرجات التراثية والإضاءة المسرحية إضاءات على التراث الفرجوي المغربي” و”ورشة الرقص التعبيري المعاصر”. وقد شكلت هذه الورشات فرصة للمشاركين لاكتساب معارفومَهارات جديدة في مجال المسرح، وتطوير قدراتهم الإبداعية.

 

عروض مسرحية
قدّم مهرجان أماناي في هذه الدورة تشكيلة منوعة من العروض المسرحية التي اختلفت في مواضيعها وأشكالها الفنية، وشاركت فيها فرق مسرحية من مختلف المدن المغربية ومن خارج البلاد، مما أضفى على المهرجان تنوعًا فنيًا لافتًا. من ضمنها مسرحية “أنشاد” من أكادير، تأليف وإخراج بوبكر أوملي، تناولت قضايا اجتماعية معاصرة بلغة مسرحية مجازية.تم من خلالها خلق حوار عميق مع الجمهور حول الواقع المعاش وكيفية تغييره نحو الأفضل.

أما مسرحية “لافيكتوريا” من الرباط، التي ألفها وأخرجها أحمد أمين الساهل، فقد دارت أحداثها في عالم سريالي غريب، مليء بالرمزية والخيال. استخدم العرض تقنيات الإضاءة والموسيقى لخلق أجواء غامضة ومثيرة أسرت الحاضرين. وعن مسرحية “4×1” من برشيد، تأليف السعداوي أحمد وإخراج أسعد حميمصة، فقدّمت أربعة قصص متشابكة ضمن عرض واحد. اعتمدت المسرحية على تقنية “المسرح داخل المسرح”، ونجحت في ربط القصص ببعضها بأسلوب ذكي ومثير.

ومن روما إيطاليا، جاءت مسرحية “Kandalama’s Gift” تأليف Paola Sarcina وإخراج Luciana Lusso Roveto. استكشفت المسرحية مفهوم الهوية والانتماء وقدّمت رؤية فنية متميزة، مستخدمة لغة الجسد والتعبير الحركي للتواصل مع الجمهور بعمق. ومن الخميسات، عُرضت مسرحية “جثث CADAVRES”، مقتبسة من نص “أناطول فيلد” للكاتب هيرفي بلوتش، بإخراج وليد المعروفي. تميزت المسرحية بجرأتها في معالجة موضوع الموت والفناء، كما استخدمت تقنيات مسرحية حديثة لخلق أجواء مؤثرة وموحية.

أما مسرحية “إِيمَاجِينَارْيُوم Imaginarium” من فاس، تأليف وإخراج محمد رضا التسولي، أبحرت في عالم الخيال والأحلام. استخدم التسولي تقنيات متنوعة مثل الدمى والأقنعة والموسيقى، لخلق عالم مسرحي ساحر شدّ انتباه الجمهور.


توقيع كتب
إلى جانب العروض والتكريمات والندوات، شكلت فعاليات توقيع الكتب فرصة للاحتفاء بالمعرفة المسرحية وتسليط الضوء على إصدارات جديدة أغنت النقاش حول المسرح وفنونه. جاء من ضمنها كتاب “الإخراج المسرحي المعاصر من تأويل النص إلى تأويلية الفرجة” للدكتور يوسف أمفزع قدّم رؤية نظرية معاصرة حول مفهوم الإخراج المسرحي، محللًا التحولات التي شهدها هذا الفن في العصر الحديث.

والكتب الموقعة أيضا، كتاب “المشهدية الجديدة: براديغمات المسرح العربي المعاصر” للدكتور عبد المجيد أهرا استعرض التحولات الجديدة في المشهد المسرحي العربي، وناقش أبرز التيارات والتجارب المسرحية المعاصرة. أما كتاب “المدرج والخشبة: دراسات في تجربة حسن يوسفي المسرحية”، وهو كتاب جماعي، فقد تضمن دراسات وتحليلات حول تجربة الباحث والمسرحي المغربي حسن يوسفي، مسلطًا الضوء على إسهاماته في تطوير المسرح المغربي.

المصدر: العمق المغربي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *