وجّه المستشار الألماني فريدريش ميرتس، الذي يتزعم حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي المعارض الرئيسي، انتقادات حادة لعمليات الاحتلال الإسرائيلي العسكرية في قطاع غزة، معتبرا أنها “لم تعد منطقية” ولا يمكن تبريرها بمحاربة حركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية (حماس). جاءت تصريحات ميرتس، التي وصفها البعض بـ “أشد توبيخ لإسرائيل حتى الآن”، خلال مؤتمر صحفي في فنلندا يوم الثلاثاء، لتشير إلى تحول ملحوظ في الخطاب السياسي الألماني تجاه الصراع الدائر.
وتكتسي تعليقات ميرتس أهمية خاصة بالنظر إلى مواقفه السابقة التي كانت تعتبر داعمة لإسرائيل بشكل كبير، بما في ذلك تعهده باستضافة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في ألمانيا رغم مذكرة اعتقال صادرة بحقه. يُشار أيضا إلى تعليق صورة في مقر المستشارية تتعلق بهجوم السابع من أكتوبر 2023 الذي شنته كتائب القسام. يُخطط المستشار الألماني للتحدث مع نتنياهو هذا الأسبوع، في ظل ارتفاع أعداد الضحايا الفلسطينيين وتفاقم الأزمة الإنسانية في قطاع غزة.
لم تقتصر الانتقادات على ميرتس؛ فقد وجّه وزير الخارجية الألماني يوهان فاديفول بدوره انتقادات مماثلة، معبرا عن “قلق بلاده البالغ إزاء المعاناة الإنسانية التي لا تُطاق” في غزة. أكد فاديفول أنه على اتصال بنظرائه سعيا لإيجاد حلول، وقال بلهجة بدا أنها أكثر تصعيدا: “لن نتضامن مع إسرائيل بالإجبار”، مضيفا أنه “يجب عدم استغلال كفاحنا ضد معاداة السامية، ودعمنا لأمن إسرائيل في الحرب الدائرة حاليا بغزة”، مؤكدا أنه من غير المقبول عدم حصول سكان غزة على الغذاء والدواء.
وفي سياق متصل، انتقد فيليكس كلاين، مفوض الحكومة الألمانية لشؤون مكافحة معاداة السامية، أيضا سلوك إسرائيل هذا الأسبوع، داعيا إلى مناقشة موقف برلين تجاه إسرائيل. صرح كلاين بأن الدعم الألماني لإسرائيل بعد المحرقة لا يمكن أن “يبرر كل ما تفعله إسرائيل”.
يعكس هذا التطور، وفقا للمؤرخ الإسرائيلي موشيه زيمرمان، “تحولا أوسع نطاقا في الرأي العام” الألماني، واستعدادا أكبر لدى السياسيين الألمان لانتقاد سلوك إسرائيل بعد السابع من أكتوبر. يرى زيمرمان، في تحليل نقلته جريدة العمق، أن الفرق بين الرأي العام والنخب السياسية الألمانية يكمن في أن النخب “لا تزال تخضع لتأثير دروس الحرب العالمية الثانية بطريقة أحادية البعد”، إلا أن “الضغط من الأسفل يُجبر الطبقة السياسية على إعادة النظر”.
تدعم استطلاعات الرأي هذه القراءة، حيث أظهر استطلاع لمؤسسة “سيفي” نشر مؤخرا أن 51% من الألمان يعارضون تصدير الأسلحة إلى إسرائيل، وترتفع النسبة بشكل ملحوظ بين أصحاب التوجهات اليسارية. يُظهر الاستطلاع أيضا معارضة ملحوظة داخل ناخبي حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي نفسه (34%). كشفت استطلاعات أخرى عن تراجع النظرة الإيجابية تجاه إسرائيل بين الألمان مقارنة بالإسرائيليين الذين لا يزال أغلبهم ينظرون بشكل إيجابي إلى ألمانيا.
تتزايد الدعوات داخل الائتلاف الحاكم الألماني، خاصة من الحزب الديمقراطي الاشتراكي، لوقف صادرات الأسلحة إلى إسرائيل خشية اتهام ألمانيا بـ “التواطؤ في جرائم حرب”. يُشكل هذا التحول في اللهجة، رغم أنه ليس انهيارا كاملا للعلاقات، أهمية خاصة في بلد يلتزم أمن إسرائيل ومصالحها الوطنية بشكل تاريخي. يأتي ذلك أيضا في وقت يراجع فيه الاتحاد الأوروبي سياساته وتصدر فيه تهديدات باتخاذ “إجراءات ملموسة” من دول أوروبية أخرى.
المصدر: العمق المغربي