أكاديميون يخضعون قانون الإضراب لمشرحة التقويم وينادون بتعزيز الثقافة الحقوقية بالجامعات

وجه أساتذة القانون بجامعة محمد الخامس، انتقادات لقرار المحكمة رقم 251/25، والذي صرح بأن القانون التنظيمي رقم 97.15 بتحديد شروط وكيفيات ممارسة حق الإضراب ليس فيه ما يخالف الدستور، مع مراعاة الملاحظات المتعلقة بالمواد 1 و5 و12.
وكانت المحكمة الدستورية قد أكدت في قرارها الصادر يوم 13 مارس أن القانون التنظيمي رقم 97.15 لا يتعارض مع الدستور، مع الأخذ بعين الاعتبار بعض الملاحظات المتعلقة بالمواد 1 و5 و12. واعتبرت المحكمة أن دورها يقتصر على فحص النص من حيث مطابقته للدستور، مشددة على احترامها للمساطر الشكلية المنصوص عليها في الفصول 84 و85 و132 من الدستور.
إلا أن الأستاذ كمال هشومي انتقد هذا الموقف، مشيرًا إلى أن المحكمة تبنّت مقاربة تبريرية أكثر منها رقابية، موضحًا أن قرارها اعتمد على تقنية “موازنة الحقوق”، وهو ما أفضى إلى منح السلطة التنفيذية صلاحيات واسعة في تعليق أو منع الإضراب بناءً على اعتبارات الأمن والنظام العام والصحة العامة، دون وضع معايير دقيقة لضمان عدم التعسف في استخدام هذه السلطات.
وأشار هشومي في كلمة لها خلال خلال ندوة نظمتها شعبة القانون العام والعلوم السياسية بكلية الحقوق أكدال، وشعبة القانون العام بكلية الحقوق السويسي، أمس الخميس، حول القانون التنظيمي رقم 97.15 الخاص بتحديد شروط وكيفيات ممارسة حق الإضراب، إلى أن المحكمة اعتمدت بشكل مفرط على منطق “الضرورة العامة” لتبرير قيود واسعة على الحق في الإضراب، وهو ما يجعل هذا الحق، في نظره، “استثناءً خاضعًا للتقييد بدل أن يكون حرية أصيلة محمية”.
كما انتقد هشومي تجاهل المحكمة الدستورية لتأثير غياب مصادقة المغرب على الاتفاقية 87 لمنظمة العمل الدولية، والتي تُعد من الركائز الأساسية لحماية الحق في الإضراب، حيث اعتبر أن المحكمة اكتفت بالإشارة إلى هذه الاتفاقيات كمرجعية غير ملزمة بدل أن تستند إليها كإطار قانوني لتفسير مدى مطابقة القانون التنظيمي للمعايير الدولية.
وأوضح أن المحكمة لم تضع معايير واضحة لمبدأ التناسب، الذي يُعد من المبادئ الدستورية الأساسية، إذ لم تُحدد ما إذا كانت التدابير التي يسمح بها القانون التنظيمي، مثل فرض إشعارات مسبقة وإجراءات إدارية معقدة، ضرورية ولازمة أم يمكن استبدالها بإجراءات أقل تقييدًا. كما تساءل عن مدى مشروعية منح السلطة التنفيذية صلاحية تعليق حق الإضراب دون آليات رقابة برلمانية أو قضائية لاحقة، معتبرًا أن “هذا القرار يُشكل توسعًا في سلطات السلطة التنفيذية على حساب اختصاصات المشرّع”.
وتطرق هشومي إلى سؤال جوهري حول ما إذا كان القانون التنظيمي رقم 97.15 يُنظم حق الإضراب أم يقيده، حيث أشار إلى أن الأصل في القوانين التنظيمية هو توفير إطار لممارسة الحقوق الدستورية وليس فرض عراقيل تحول دون ممارستها.
وقال هشومي: “القانون التنظيمي يُخضع الإضراب لسلسلة من الإجراءات الإدارية والإشراف القضائي والرقابة التنفيذية، وهو ما يحوله من حق أصيل إلى استثناء مقيد”، مضيفًا أن المحكمة لم تُجرِ تقييمًا كافيًا لمدى تقييد هذه الإجراءات لجوهر الحق في الإضراب.
واعتبر أن قرار المحكمة الدستورية يميل إلى تغليب الشرعية القانونية على الشرعية الحقوقية، حيث تم تأويل النصوص الدستورية بشكل محافظ لا يُساهم في تعزيز الحريات الاجتماعية. وأضاف أن المحكمة، رغم تبنيها خطابًا متوازنًا ظاهريًا، منحت المشرّع هامشًا واسعًا لتقييد حق الإضراب دون تفعيل حقيقي لمبادئ الضرورة والتناسب وعدم المساس بجوهر الحق.
وطرح هشومي تساؤلات كبرى حول دور القضاء الدستوري، متسائلًا: هل هو ضامن للحقوق الدستورية أم مجرّد موازن بين السلطات؟ وهل ستظل أحكام المحكمة الدستورية قرارات نهائية “لا فضاء بعدها” أم أن النقاش الأكاديمي والحقوقي سيُعيد طرح هذه القضايا من زوايا أكثر تقدمًا؟
بثينة قروري، أستاذة القانون بكلية الحقوق السويسي، أكدت في مداخلتها أن حماية جوهر الحق تفرض على المشرع عدم المساس بمضمونه الأساسي، معتبرةً أن بعض مضامين القانون التنظيمي تثير “شبهة المس بالحق في الإضراب”.
ولفتت قرروري، إلى أن المادة 19، التي تمنح رئيس الحكومة سلطة منع أو وقف الإضراب في حالات الأزمات الوطنية، يمكن أن تشكل عائقًا أمام ممارسة هذا الحق، قائلة إنه “بالرغم من استناد المحكمة إلى الفصل 21 من الدستور، كان الأجدر أن يُسند قرار وقف الإضراب إلى جهة قضائية مستقلة لضمان الحياد، عوض تركه بيد رئيس الحكومة، الذي يعتبر في ذات الوقت شريكًا اجتماعيًا ورئيسًا للإدارة ومشغلًا عموميًا ومسؤولًا سياسيًا”.
كما تطرقت إلى مسألة الحد الأدنى من الخدمة، مشيرةً إلى أن “شمول 14 مرفقًا عامًا بهذا الإجراء قد يفرغ الحق في الإضراب من مضمونه، مما يقوض فعاليته كوسيلة ضغط مشروع”، مضيفة أن “المدد الزمنية الطويلة المطلوبة لإعلان الإضراب، والتوسيع المبالغ فيه للفئات المحرومة من هذا الحق، يشكلان إخلالًا بمعايير منظمة العمل الدولية”.
وأكدت المتحدثة أن المحكمة الدستورية لم تتعامل مع معيار “عدم المساس بجوهر الحق” بالصرامة المطلوبة، إذ أن التقييدات المفروضة على ممارسة الإضراب، وفق القانون التنظيمي، قد تلغي فاعليته بالكامل، مبرزة أن المحكمة لم تعالج بعمق مدى تأثير هذه القيود على مضمون الحق نفسه، وهو ما كان يستدعي منها نهج تأويل أكثر حمايةً للحقوق الدستورية.
وأضافت أن المعايير الدولية لا تجيز حرمان فئات واسعة من الحق في الإضراب، كما ورد في القانون التنظيمي، معتبرة أن المحكمة لم تراعِ هذا الجانب بالشكل الكافي، مشددة على أن تقييد الإضراب بهذا الشكل قد يؤدي إلى تقويض الحريات النقابية وجعل الإضراب إجراءً غير ذي جدوى في الدفاع عن الحقوق الاجتماعية والاقتصادية.
من جهته سلط رضوان اعميمي، أستاذ القانون العام بكلية الحقوق أكدال، فقد سلط الضوء على النهج التفسيري الذي اعتمدته المحكمة، مشيرًا إلى أن استخدامها لعبارة “احترام الدستور” عوض “مطابقة الدستور” يعكس توجهاً يترك مجالاً للنقاش القانوني.
وأوضح اعميمي أن “استدعاء المحكمة لمقتضيات دستورية متعددة، يتجاوز الحق في الإضراب ليشمل التوازن بين الحقوق وسلطات الدولة، يثير تساؤلات حول ما إذا كانت المحكمة تسعى لحماية الحق في الإضراب، أم إلى تكريس نهج تقييدي له”.
وأشار المتحدث إلى أن المحكمة الدستورية فرضت على نفسها قيدًا ذاتيًا في سلطتها التقديرية، إذ حددت منذ البداية أن مهمتها تنحصر في فحص مدى احترام القانون التنظيمي للدستور، دون الخوض في إصلاح أي اختلال قد ينتج عن تطبيقه، وهو ما قد يؤثر على فعالية رقابة المحكمة على التشريعات ذات الصلة بالحقوق والحريات.
وأضاف أن المحكمة عمدت إلى استحضار مقتضيات دستورية متفرقة، ليس فقط المتعلقة بالإضراب، بل أيضًا الخاصة بحماية النظام العام والمسؤوليات العامة للسلطات، وهو ما قد يُفهم على أنه محاولة لإضفاء شرعية واسعة على القيود المفروضة على الإضراب، مؤكدا أن المحكمة كان ينبغي أن تركز أكثر على البُعد الحمائي للحق في الإضراب، باعتباره حقًا أصيلًا في الدفاع عن الحقوق الاجتماعية والاقتصادية.
واعتبر أن القرار انتصر للسلطة التقديرية للمشرع في تحديد شروط وكيفيات ممارسة الإضراب، لكنه بالمقابل قيد صلاحيات الحكومة في إضافة ضوابط جديدة لهذا الحق. واعتبر أن هذا القيد “إيجابي ومهم، لكنه يظل رهينًا بتأويل الحكومة وتفسيرها”، خاصة في ظل غياب إمكانية إعادة النظر في القرار إلا من خلال الدفع بعدم الدستورية أو عبر المراقبة القضائية.
أما محمد طارق، أستاذ القانون الاجتماعي بكلية الحقوق بالمحمدية، فقد اعتبر أن المحكمة الدستورية اعتمدت منهجيتين في مراقبة دستورية القانون التنظيمي، الأولى بفحص كل مادة على حدة، والثانية بمراقبة الجزاءات المترتبة عن مخالفة القانون، منتقدا عدم تناول المحكمة لمعيارية القانون التنظيمي في ضوء الاتفاقيات الدولية، قائلًا: “لم يناقش القاضي الدستوري مدى توافق مقتضيات القانون التنظيمي مع المعايير الدولية، وهو عنصر كان يجب أخذه بعين الاعتبار”.
وأشار طارق إلى أن القرار لم يُصغ بشكل دقيق، مما أثر على تفسيره، معتبرا أن بعض المواد تجاوزت حدود التفويض التشريعي الممنوح للقانون التنظيمي، خاصة المواد 1، 5، 6، 7، 8، 9، 10، 11، 23، و25. كما نبه إلى أن المادة الثانية تضمنت “تأويلًا معيبًا لمقتضيات الدستور عند تعريف الإضراب”، ما قد يؤدي إلى تأويلات قانونية تحدّ من نطاق الحق نفسه.
كما أكد طارق أن المحكمة الدستورية وسعت من نطاق اختصاصها في مراقبة القوانين التنظيمية، إذ أضافت حيثيات جديدة للدفاع عن دستورية القانون، من بينها عبارة “ليس في هذه المادة ما يخالف الدستور شريطة ألا تستحدث النصوص التنظيمية”، معتبرا أن هذه العبارة تشكل سابقة قد تسمح بتبرير تشريعات مستقبلية قد تفرض قيودًا أكبر على الإضراب.
وأضاف أن المحكمة الدستورية كرست مبدأ منح رئيس الحكومة سلطة منع أو وقف الإضراب، وهو ما قد يؤدي إلى استعمال هذه الصلاحية بطريقة تقيد الحق بدلًا من تنظيمه، مشيرا أن جعل الاستثناء هو القاعدة في تحديد المرافق الحيوية الملزمة بالحد الأدنى من الخدمات، قد يفرغ الإضراب من معناه الأساسي كوسيلة ضغط نقابية مشروعة.
المصدر: العمق المغربي