أكاديميون مغاربة يحتفون بإصدارات عباس أرحيلة
نظم مركز عناية، بمجمع الابتكار التابع لجامعة القاضي عياض بمراكش، ندوة علمية احتفاء بأحد العلامات البارزة للدرس الفكري والبلاغي بالمغرب والوطن العربي العلامة الدكتور عباس أرحيلة.
وتدارس الباحثون والمتخصصون خلال هذا الموعد العلمي آخر إصدارات الدكتور عباس أرحيلة “تراثنا في مسار التحديات” و”مدن مغربية من الاحتلال إلى التحرير”، حيث أبرزوا المرجعيات الفكرية التراثية لهذين الكتابين التي لا تبتعد في مجملها عن التصور العام وعن الهم الفكري الأكبر الذي حمله الدكتور أرحيلة لأزيد من أربعة عقود وما زال، منافحا عن الهوية الإسلامية ومدافعا عن التراث الإسلامي من خلال ما يتيحه الدرس الأكاديمي والتأليف النقدي، بلورة لمفهوم التجديد والحركية المتلازمين لهذا الموروث.
مصطفى غلمان، رئيس مركز عناية بالمغرب، ذكر في كلمة له بالمناسبة بانخراط المركز غير المشروط وبمختلف أطيافه في هذه الحركية العلمية الكبرى داخل مراكش وخارجها، معتبرا أن هذا اللقاء هو استمرار للتوجه العلمي للمركز، مشيرا إلى انتصار قيم الثقافة وبناء الإنسان في مواجهة الكم الهائل للغوارب الغاصبة للهوية والوجدان الثقافي الوطني.
ودعا الدكتور غلمان إلى استعادة جذوة هذه الأخلاقية التي تشهد راهنا مقاومة تعكس خطورة المحتوى المنقول عبر الأشكال الجديدة للترويج الثقافي، وأثر ذلك على الأجيال والعمران.
من جانبه استدعى، الدكتور عبد الجليل هنوش، من خلال قراءته لكتاب “تراثنا في مسار التحديات”، إمكانات مؤلفه الأكاديمية والبيداغوجية، واستحضاره من خلال طفرات علمية بالجامعة مراحل تاريخية هامة كان فيها بناء العلم لبنة أساسية من لبنات تمتين علاقة التراث وسيرورته بالتكوين والتربية.
أما الدكتور عبد الرزاق مرزوك، فقد أجاب من خلال قراءته التي عنونها بـ”مشهد التحدي في كتاب “تراثنا في مسار التحديات.. دلالات وتجليات”، عن أسئلة المفهوم والمصطلح، وتقييماته النظرية والاعتبارية للعديد من منجزات المحتفى به، مستحضرا هو الآخر نصوصا ثانوية من معين “الكتاب، الذي يستأثر ــ يقول مرزوك ــ بالنصيب الأوفر من روح مشروع أرحيلة ومناطاته السامية، “في تحقيق الفضيلة والأخلاق”.
وأبرز الباحث مرزوك “معالم تشكيل هذه الشخصية العرفانية، في مثارة المؤلف، حيث لا يمكن التقعيد لها، دون المرور من سلطانها الكبير على المعرفة وصناعتها”.
أما الدكتور عبد الوهاب الأزدي، فزاوج في مداخلته بين العام والخاص، وقارب قراءته الإشكالية الموسومة بـ”التراث الإسلامي بين ضميرين للاتصال والانفصال (تراثنا) ومعنى التراث”، انطلاقا من مرجعية العلامة أرحيلة، البلاغية والموسوعية، واضعا أسس التراث الإسلامي على مفرقي “الاتصال” و”الانفصال”، حيث يتكامل السياقان في محمل واحد، ينفرد بهما فكر مجيب عن كل أشكال الضميرين المذكورين.
وفي السياق ذاته، أفاض الدكتور عبد العزيز لحويدق في تجسيد هذه الرؤية السابحة في ذرى “التراث الإسلامي” ماهية ومنهجا. وهو ما يثير أكثر من تساؤل حول اشتغال العلامة ارحيلة ضمن مشروعه الفارق الذي يؤسس لمنهج بياني فائق الدقة والمرجعية.
وأشار لحويدق بهذا الخصوص إلى تسلسل المشروع وارتقائه إلى مصاف العلم النافع، ووجوده كعلامة مشعة في الدرس الجامعي والأكاديمي، داعيا إلى إعادة قراءته وتجويد أساليب توجيهه وتقديمه للأكاديما والجامعة.
أما الأستاذ عبد العزيز أيتبن صالح، فقد عرج على كتاب “مدن مغربية من الاحتلال الى التحرير” معنونا مداخلته بـ “كتاب باحث بنصوص وقيم باستقامة وناظر بنظر”، حيث تساءل عن هذا النمط الجديد في كتابات المفكر الدكتور عباس أرحيلة الذي وظف التأريخ لضبط إيقاع الهوية من زوايا غير معتادة.
وأجاد الباحث آيت بنصالح في القراءة التأصيلية لمشروع الكتابة لدى أرحيلة، مرتبطا بمدلولات التأريخ للحظات حاسمة من تاريخ مدن اختارها المكرم بعناية فائقة، مضيفا أن الكتاب هو جزء من مشروع أرحيلة، حيث يسكن الهوس البلاغي لاكتشاف أسرار الفضاءات المتحلقة في أعماق وجدان الكاتب.
مساهمات علمية دقيقة جاءت مقاربة بشكل محفز للمفهوم والمنهج والتصور، استحضرت من خلالها، كل وفق تصوره ومرجعياته، الأبعاد الهوياتية والفكرية التي نحتها الدكتور أرحيلة وطورها في مختلف مواطن إنتاجه الفكري والنقدي، سواء كان تأليفا أم تدريسا.
وكان من أهم محطات اللقاء، عرض شريط سجل أهم المراحل الحياتية والعلمية للدكتور عباس أرحيلة مع عرض لمختلف التآليف والأبحاث التي أنجزها المحتفى به، وكانت بعدها لحظة بث كلمة/شهادة الدكتور المصري سعد مصلوح، أستاذ اللسانيات المتخصص في الأسلوبية، اللحظة الفارقة الفارهة التي حرصت اللجنة التنظيمية على جعلها مفاجأة في هذا اللقاء الوازن، لما للرجل من مكانة خاصة لدى المحتفى به، فما بينهما من مشتركات علمية وإنسانية أمر لا يغفله متخصص ولا متابع.
واختتم اللقاء بعد مناقشة استشرافية على أمل اللقاء في ندوات فكرية أخرى، تطويرا للنقاش وتفعيلا لقناعات راسخة بأن الهدف من مثل هذه الأعمال والندوات هو مد الجسور بين من لهم الفضل من الأساتذة والشيوخ من رواد البحث العلمي في الجامعة المغربية، وبين أجيال متحمسة تواقة من أبناء هذا البلد.
المصدر: هسبريس