أكاديميون مغاربة يؤكدون صعوبة التنبؤ بسياسات الرئيس الأمريكي ترامب
أياما قبل تنصيبه رئيسا جديدا للولايات المتحدة الأمريكية التأم أساتذة مغاربة في العلوم السياسية والعلاقات الدولية في ندوة وطنية لتفكيك السيناريوهات المحتملة لسياسات الجمهوري دونالد ترامب خلال عهدته الثانية، دوليا، مُنطلقين ممّا تكاد تكون “قناعة” بأن “تجربة الرجل السابقة في إدارة علاقات بلاد العم السام الخارجية لا تبدد صعوبة التكهن بطبيعة هذه السيناريوهات، نظرا لعدم تقيده بإستراتيجيات واضحة، وتعدد القبعات التي يرتديها في تدبيره، من رجل الأعمال إلى الشعبوي…”.
وخلال الجلسة الافتتاحية للندوة التي قاربت “عودة ترامب إلى البيت الأبيض: قراءة في التحولات الجيوسياسية والسيناريوهات المحتملة”، ونُظمت بشراكة بين المركز المغربي للدبلوماسية الموازية وحوار الحضارات ومجلة المغرب الكبير للدراسات الجيوسياسية والدستورية، ومُختبر الدراسات والأبحاث القانونية والسياسية بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية السويسي، بمقر الأخيرة، حفظ المتدخلون للرجل “قراره التاريخي الاعتراف بمغربية الصحراء”، مُبرزين أن “ما تبعه من دينامية على مستوى القضية الوطنية يعد الملف بمواصلة مراكمة الانتصارات مع عودته”.
“الكل يترقب”
عز الدين غفران، عميد كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية السويسي، قال إن “عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض ستكون لها بلا شك تأثيرات على دينامية القضية الوطنية، لأنه في الولاية الأولى للرجل قررت الولايات المتحدة الأمريكية الاعتراف بمغربية الصحراء”، مُؤكدا أن “هذا الاعتراف شكل دعما كبيرا لجهود الدبلوماسية المغربية إقليميا ودوليا لتعزيز هذه الدينامية، وساهم في تغيير مواقف الكثير من الدول التي كانت مترددة في دعم سيادة المغرب على أقاليمه الجنوبية”.
وأوضح غفران، في كلمته الافتتاحية للندوة، أن “هذه العودة تطرح تساؤلات حول علاقات بلاد العم سام خلال عهدة ترامب الجديدة مع القوى الدولية الكبرى، ومواقفها المرتقبة من الأزمات الساخنة، خاصة الحرب الروسية الأوكرانية، وما يجري في الشرق الأوسط”، لافتاَ إلى أنه “رغم ما أعلن عنه السياسي الجمهوري خلال حملته الانتخابية من مواقف حيال العديد من القضايا، خاصة الهجرة، فإنه يصعب التكهن بأولوياته؛ فهو لا يتقيد بتصور إستراتيجي واضح”.
وأورد المتحدث ذاته أن “ترامب يتصرف كرجل أعمال يرفع شعار أمريكا أولا؛ والخيط الرابط في سلوكه السياسي هو المصلحة الوطنية أولا”، وزاد: “إنه يركز على القضايا ذات القرب، ولا يعير اهتماما لتلك المشتركة بين الإنسانية، على رأسها المرتبطة بالتغيرات المناخية”، مشيرا إلى أن “ذلك لا يلغي كون الكل ينتظر القرارات التي سيتخذها ترامب في ما يتصل بإدارة صراعه مع الصين، على مستوى الحرب الأوكرانية الروسية، في ظل اتسام النظام الدولي بالتعقيد واللايقين وعدم الاستقرار”.
“آفاق الصحراء”
عبد الفتاح بلعمشي، رئيس المركز المغربي للدبلوماسية الموازية وحوار الحضارات، تطرّق بدايةَ إلى أهمية هذه الندوة “الكامنة في كونها تدرس البعد الخارجي للمغرب في ما يخص واحدة من أهم الوجهات التي تشكل أولوية بالنسبة له، وهي الولايات المتحدة الأمريكية التي بصمت على مواقف مهمة في ما يخص القضية الوطنية، شملت الإقرار بمغربية الصحراء، والمراسلة التي قدّمتها للأمم المتحدة”.
وسجّل بلعمشي، في مداخلته، أنه “بعد الاعتراف التاريخي لهذا البلد لوحظ تحول تاريخي في طبيعة القرارات المتصلة بالملف المُتخدة داخل مجلس الأمن، وفي المداخلات الأمريكية التي تعقب التصويت على قرارات المجلس”، مستحضرا أن “مجيء هذا الاعتراف بعد الانتخابات الأمريكية يؤشر على كون المغرب لم يمنح هدية لترامب، بل بقي على مسافة على الديمقراطيين، بخلاف ما ذهبت إليه دول أخرى”.
وذكر رئيس المركز المغربي للدبلوماسية الموازية وحوار الحضارات أنه “منذ الإقرار الأمريكي اعتملت تغيرات مهمة في ملف الصحراء، شملت اعترافات دول أوروبية، منها فرنسا وإسبانيا، بمغربية الصحراء، وتنامي وتيرة افتتاح القنصليات بالمدن الجنوبية”، مُعرّجا على كون المغرب “واكب هذه المتغيرات بمبادرات إستراتيجية واقتصادية مهمة، كالمبادرة الأطلسية”، ليخلص إلى أن “هذه كلها مؤشرات على أن المغرب سينتقل بقضيته الوطنية مستقبلا من الطموح إلى التغيير”.
أسئلة المكانة
متوقفا عند أهمية الموضوع الذي تقاربه الندوة قال عبد المنعم الكداري، مدير مختبر الأبحاث والدراسات القانونية والسياسية بكلية الحقوق السويسي، إنها “تنشأ من المكانة الخاصة التي توليها الولايات المتحدة الأمريكية للمغرب؛ فمن الناحية الاقتصادية فإن الأخير هو البلد الإفريقي الوحيد الذي تربطها به اتفاقية للتجارة الحرة، وذلك منذ سنة 2004″، مُبرزا أنه “رغم الاختلاف الحاصل في البنيات الاقتصادية للبلدين تضاعفت التدفقات التجارية بينهما أربع مرات منذ التوقيع على هذه الاتفاقية”.
أبرز الكداري في مداخلته أنه “من الناحية السياسية تتضح هذه المكانة من خلال قرار ترامب الاعتراف التام والمطلق بمغربية الصحراء؛ ما يشكل ترسيخا وتعميقا للعلاقات الثنائية، ودعما غير مشروط للقضية الوطنية أمام المنتظم الدولي، وهو أمر حيوي لأن بلاد العام سام عضو دائم في مجلس الأمن الدولي”.
وأوضح الأستاذ الجامعي عينه أن “دراسة النموذج الأمريكي في العلاقات الدولية تثير تساؤلات مهمة حول تحديد مكانة هذه الدولة في العالم”، موردا أنه “في جميع خطابات الرؤساء الأمريكيين حضر التأكيد على أن هذا النموذج هو ذو طبيعة عالمية، يحمل قيما خيرة للعالم أجمع، على أن هذا التوجه واكبته من الناحية السياسية هيمنة للبراديغم الأمريكي الواقعي في حقل العلاقات الدولية”.
وبيّن المتحدّث ذاته أن “كل هؤلاء الرؤساء صرحوا بأن الولايات المتحدة أكبر قوة عالمية، وهي بالفعل كذلك اقتصاديا وسياسيا وثقافيا، فضلا عن ما حُبيت به من موارد طبيعية وبشرية أغنتها الهجرة”، مُبرزا أن “التساؤل المطروح الآن هو حول مدى إمكانية نجاح ترامب في الحفاظ على هذه القوة، ومواجهة التحديات المتمثلة في تراجع الدخل والأزمات العالمية المتراكمة”.
من جانبه أوضح محمد الزهراوي، أستاذ العلوم السياسية ومدير مجلة المغرب الكبير للدراسات الجيوسياسية والدستورية، أن “هذه الندوة تتلافى النقاشات السريعة، وتبتغي النقاش العلمي لعودة هذه الشخصية (ترامب) التي تثير الكثير من الجدل، بالنظر إلى أن الرجل يحمل قبعات متعددة”.
وزاد “هو رجل أعمال مساوم ويلوذ بالدين حين اشتداد الأزمة، ما تدلل عليه مواقفه بشأن الإجهاض مثلا، وكذا شعبوي يتحدث بشكل عفوي ولا يتوانى عن إقالة كبارة المسؤولين عبر تغريدات في توتير، كما تبيّن خلال ولايته السابقة”.
واستحضر الزهراوي في مداخلته أنه “قبل تنصيب ترامب حلت قضايا شائكة (حرب غزة) كان الحديث عن صعوبة حلها”، مبرزا أن “الطريقة التي جرى بها الحل تحتاج من الباحثين التوقف للقراءة والتساؤل حول ما إذا كان ترامب يمتلك القدرة والشخصية والكاريزما المؤهلة للسيطرة على إسرائيل”.
المصدر: هسبريس