اخبار المغرب

أكاديميون: المغرب يرسم ملامح النظام الإقليمي الجديد بغرب إفريقيا والساحل

خلص عدد من الباحثين إلى كون المبادرة الأطلسية، التي أطلقها الملك محمد السادس، تشبه في طموحها مشروع مارشال الذي أعاد بناء أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية، حيث تسعى إلى إعادة بناء إفريقيا الغربية والساحل الأطلسي عبر استثمار المؤهلات البحرية والجغرافية للمغرب، كما تؤكد المبادرة على تحصين الأمن الإقليمي، وتأسيس تكتلات اقتصادية واستراتيجية قادرة على استيعاب التحولات الجارية بالنظام الدولي وإعادة صياغة موازين القوى العالمية.

وقد أجمع المتدخلون خلال جلسة المحور الجيوسياسي، التي أدارها جواد النوحي، رئيس شعبة القانون العام بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية أكدال، ضمن فعاليات المؤتمر الدولي الأول لمنتدى التحليل الاستراتيجي لشؤون الأطلسي الذي تحتضنه مدن العيون والسمارة وبوجدور، أيام 28 و29 و30 أبريل الجاري، على أن المبادرة الأطلسية تمثل نقلة استراتيجية نوعية في تموقع المغرب داخل النظام الإقليمي والقاري، وتعبر عن وعي دبلوماسي متقدم بالتغيرات الدولية، بما يعزز مكانة المغرب كفاعل محوري في إفريقيا والساحل الأطلسي.

مشروع مارشال

وأكد عبد الرحيم المنار اسليمي، أستاذ العلاقات الدولية والمحلل السياسي ورئيس المركز الأطلسي للدراسات الإستراتيجية والتحليل الأمني، أن المبادرة الأطلسية يمكن مقاربتها من زوايا متعددة: زاوية العلاقات الدولية عبر تعزيز المغرب لقوته الإقليمية، وزاوية الجغرافيا السياسية باستثمار واجهتيه الأطلسية والمتوسطية، وزاوية الجيوبوليتيك بتركيزه على قلب إفريقيا، ثم زاوية الاقتصاد السياسي الدولي من خلال انفتاحه على إمكانيات الاقتصاد الأزرق، معتبرا أن المبادرة شبيهة بمشروع مارشال، مع اختلاف السياق، إذ أن المشروع المغربي يهدف إلى إعادة بناء إفريقيا الغربية والساحل برؤية تنموية متكاملة.

كما أبرز اسليمي أن المبادرة تجد تفسيرها ضمن الإطار المنطقي للسياسة الخارجية المغربية، إذ أن تتبع الخطابات الملكية يكشف عن خط استراتيجي متدرج يمتد من بناء موانئ المتوسط، ثم جعل المغرب بوابة نحو إفريقيا، فتهيئة الدار البيضاء كقطب مالي، مرورا بمقترح الحكم الذاتي، والنموذج التنموي، والعودة للاتحاد الإفريقي، وتحرير معبر الكركرات، وصولا إلى إطلاق المبادرة الأطلسية، مما يعكس رؤية دقيقة واستباقية.

وأشار إلى أن المبادرة أطْلقت دينامية أعادت القوة لدول الساحل، فيما فشلت محاولات عزل المغرب التي حاولت الجزائر القيام بها عبر استمالة موريتانيا وليبيا وتونس، حيث أدى ذلك إلى عزل الجزائر نفسها إقليميا، مسجلا ازدياد الطلب الدولي على المنطقة من قبل القوى الكبرى كالولايات المتحدة وفرنسا، مما يعزز الدور المرتقب للمحيط الأطلسي في التحولات الكبرى للنظام الدولي المقبل.

وأوضح اسليمي أن المحيط الأطلسي الذي كان أحد أسباب النزاع سيكون اليوم أحد مداخل الحل، وأن معالجة ملف الصحراء المغربية وصلت مرحلة التفاصيل مع اقتراب الحسم النهائي في أفق أكتوبر 2027، مبرزا أن تكتل إقليمي في الساحل الأطلسي سيمنع الجزائر من المناورة مستقبلا، وسيعزز استقرار المنطقة بشكل حاسم.

من جانبه، اعتبر محمد الزهراوي، أستاذ العلوم السياسية بجامعة شعيب الدكالي، أن المشروع الأطلسي يعكس العقيدة الدبلوماسية الجديدة للمغرب المبنية على الوعي بضرورة تعزيز التموقع الاستراتيجي وسط عالم مضطرب إقليميا ودوليا، مؤكدا أن المغرب استطاع أن يتموضع جيدا بالحوض الأطلسي على غرار نجاحه المتوسطي، مستندا إلى مكتسبات ميدانية ودبلوماسية معتبرة.

وأشار الزهراوي إلى أن المبادرة تعيد التأكيد على العلاقة التاريخية والاستراتيجية العميقة بين المغرب وعمقه الإفريقي، مشيرا إلى الامتدادات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية التي ربطت المغرب بدول الساحل وغرب السودان منذ عصر المرابطين في القرن الحادي عشر، مما يضفي على المشروع بعدا تاريخيا واستراتيجيا أصيلا.

وأوضح أن المشروع الأطلسي يحصن الفضاء الأطلسي ضد الطموحات الجزائرية التي كانت تطمح إلى إيجاد منفذ بحري على الأطلسي عبر النزاع حول الصحراء، مما يجعل المبادرة بمثابة إعلان مغربي حاسم بأن مفاتيح الأطلسي بيد المغرب، وأن أي استفادة اقتصادية أو تجارية للجزائر تمر حتمًا عبر الإقرار بالحقائق الجغرافية والسياسية القائمة.

وأوضح الزهراوي أن المغرب من خلال هذا المشروع يحرك الجغرافيا الجامدة، مستثمرا إرثه السلطاني والعلاقات التاريخية مع إفريقيا لتجاوز الأزمات الإقليمية نحو بناء شراكات رابح/رابح مع دول الساحل والصحراء، مضيفا أن الجغرافيا أصبحت أداة دينامية لتعزيز الروابط الإقليمية.

 

كما اعتبر أن الرهانات الجيوسياسية والأمنية للمشروع الأطلسي تتمثل في تعزيز الحضور المغربي بالقارة الإفريقية، مع استغلال اهتمام القوى الكبرى بالمنطقة، بما يحقق مصالح أمنية واستراتيجية للمملكة تمكنها من التصدي لمخاطر الإرهاب والهجرة العابرة للحدود.

من جهته، اعتبر عبد الفتاح البلعمشي، أستاذ العلاقات الدولية بجامعة القاضي عياض، أن الصراع داخل الاتحاد الإفريقي أصبح واضحا بين تيارين: الأول تمثله الجزائر وجنوب إفريقيا، يسعى إلى الهيمنة السياسية، والثاني يصطف مع المغرب لدعم التنمية والديمقراطية وإصلاح المنظومة القارية، مؤكدا أن المبادرة الملكية جاءت لتعزيز منطق التعاون جنوبجنوب، ولتحقيق معادلة رابح/رابح التي تتيح للدول الإفريقية فرصا جديدة في الاقتصاد الأزرق والمسارات التجارية الحديثة.

وأبرز البلعمشي أن المغرب يضع إمكانياته وبنياته التحتية في خدمة هذا المشروع، معتبرا أن نجاح أي مبادرة إقليمية يتطلب شرطين رئيسيين: فرص النجاح وقبول المبادرة من طرف الفاعلين.، مؤكدا أن المبادرة الأطلسية تحظى بقبول إقليمي ودولي واسع لأنها تفتح آفاقا جديدة للنمو الاقتصادي المشترك.

من جانبه، أشار محمد الغالي، عميد كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بقلعة السراغنة، إلى أن المبادرة الأطلسية تعتمد مقاربة جيوسياسية عميقة تفهم التوازنات الدولية الجديدة وتستثمر في الإمكانات الثقافية والإقليمية للقارة الإفريقية، مؤكدا أن المبادرة تترجم إرادة المملكة في الانتقال من تدبير الوحدة الترابية إلى مرحلة الحسم والتغيير الإقليمي العميق.

رهانات الأمن والاستقرار

وأوضح الغالي أن إدماج دول مثل مالي وبوركينا فاسو والنيجر وتشاد ولاحقا السودان في المشروع يخلق حوضا بشريا يضم حوالي 130 مليون نسمة، مما يمثل وزنا اقتصاديا وديمغرافيا استراتيجيا، مع مساهمة قوية في استقرار منطقة الساحل والصحراء بما يعزز فرص التنمية والسلم القاري.

وأكد الغالي أن الطرح المغربي يتميز بمرونته في استيعاب التحولات الجيوسياسية الدولية، وهو طرح يقوم على نسج علاقات إنسانية وثقافية واجتماعية وروحية عميقة مع الدول الإفريقية، مما يجعل المغرب صمام أمان إقليمي.

من جهة أخرى، تناول عبد الرحمن الشرقاوي، أستاذ القانون العام بجامعة الحسن الثاني بالمحمدية، المخاطر الجيوسياسية التي تواجهها المنطقة، والتي تسعى المبادرة الأطلسية إلى مواجهتها. أول هذه المخاطر هو تغلغل الحركات الإرهابية، حيث تنشط أكثر من 19 جماعة إرهابية في الدول المعنية بالمبادرة، مما يشكل تهديدا مباشرا للأمن الإقليمي.

وأضاف الشرقاوي أن المنطقة تشهد أيضا صراعا بين القوى الكبرى مثل الصين وأمريكا وروسيا وأوروبا على خيراتها الطبيعية، مما يخلق حالة من عدم الاستقرار الدائم. كما أشار إلى مشكلات داخلية متعلقة بالانتقال الديمقراطي والصراعات العرقية، وهي تهديدات تسعى المبادرة إلى احتوائها عبر التضامن الإقليمي.

ولفت الانتباه إلى خطر التغير المناخي الذي يهدد المنطقة بالتصحّر وتداخل المياه المالحة مع المياه الجوفية، مما يتطلب تكتلا لمواجهة آثاره المستقبلية، بالإضافة إلى مخاطر الهجرة غير الشرعية والنزاعات الانفصالية التي تسعى المبادرة إلى كبح جماحها.

قاطرة استراتيجية

فيما أوضح عبد الفتاح نعوم، أستاذ القانون العام بجامعة القاضي عياض، أن المغرب لا يسعى لاحتكار الأطلسي بل يعمل على ربط الدول المجاورة به، بما يحول الأطلسي إلى مجال تعاون لا مجال خاص فردي، مبرزا أن موقع المغرب الجغرافي الفريد، بربطه المتوسط بالأطلسي عبر مضيق جبل طارق، يؤهله ليكون محور الربط بين القارتين الأوروبية والإفريقية.

اعتبر نعوم أن معبر الكركرات يمثل اليوم إحدى أهم نقاط الربط العالمية، إلى جانب مضيق باب المندب وقناة السويس ومضيق جبل طارق وقناة بنما، مؤكدا أن المغرب، من خلال إحباط مؤامرة فصل الكركرات عن عمقه الإفريقي، رسّخ موقعه كمحور مركزي في منظومتي جنوب الأطلسي وضفتي الأطلسي.

فيما قال أستاذ العلوم السياسية بجامعة محمد الخامس، كمال الهشومي، إن المبادرة الملكية الأطلسية تجسد فعلا جيواستراتيجيا لإعادة تموضع منطقة الساحل في الفضاء الأطلسي، كما تمثل فعلا سياديا لمغربة الأطلسي الإفريقي، عبر هندسة جديدة لديناميات القوة والاستقرار في القارة.

وشدد الهشومي على أن المبادرة الملكية الأطلسية تحمل رسالة واضحة للعالم مفادها أن المغرب لا يسعى وراء سباق النفوذ التقليدي، بل يؤسس لنموذج استراتيجي متجدد قوامه: “مغرب المستقبل هو مغرب الأطلسي، ومغرب الأطلسي هو قاطرة إفريقيا الصاعدة”.

وأبرز المتحدث أن المبادرة الملكية الأطلسية لا تقرأ كمشروع إنمائي ظرفي، بل كمشروع دولة ذات إرادة وسيادة تعيد صياغة مستقبلها ومحيطها الجغرافي، من خلال الانتقال من “ساحل معزول” إلى “أطلسي مفتوح”، ومن “هشاشة مستوردة” إلى “مناعة منتجة”.

المصدر: العمق المغربي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *