اخبار المغرب

أغنية خطيرة ممنوعة..!!

 

بداية أضمن لكم أن هذه الأغنية بالضبط، ممنوعة و لن تسمع بعد اليوم لا في راديو ولا في تلفاز ولا في مهرجان، رغم انها لا تدعو للفاحشة ولا للثورة على النظام، أو الإنقلاب عليه ولا تسعى لتثوير المجتمع، حيث في العادة تمنع الداخلية أغاني ثورية لأسباب أمنية، مثلا يقال أنها تهدد استقرار البلاد والأمن العام …، أظن أن ذنب الأغنية الوحيد هي دعوتها للقناعة، وهذا أمر يتعارض مع الفكر الليبرالي للرأسمالية، المبني على المبالغة في الإستهلاك وفي شراء الكماليات، وهذه الأغنية موجودة في أرشيف الإذاعة الوطنية، ولقد سبق أن قدمت هذه الأغنية على أمواج الإذاعة والتلفزيون، على فترات متباعدة قبل أن تسيطر ثقافة التفاهة، في رأيي أن سبب منع أغنية ( بالصراحة باغيا فلاح) للفنانة نعيمة صبري من البث التلفزيوني و الإذاعي، يرجع لأسباب سياسية واقتصادية و فكرية، باختصار الدولة اختارت التوجه الليبرالي، القائم على تشجيع عقلية الإستهلاك، وبما أن الأغنية تسبح ضد تيار الرأسمالية المتوحشة فهي ممنوعةإذن، و الأغنية تكشف أحلام فتيات السبعينات من القرن الماضي، أي قبل استفحال مرض ( العقلية الإستهلاكية)، وكذا طغيان المال على أخلاق وقيم المغاربة، جاء في مطلع الأغنية : (.. نقيل نحلم أو نبات نحلم بشاب اجميل اجميل.. .)، فمن ياترى هذا الشاب المحظوظ..؟ هل هو وزير أو رئيس جهة أو رئيس وكالة بنكية أو تاجر مخدرات بالجملة، في الحقيقة لا هذا ولا ذاك، الشاب الذي ذكرت مواصفاته في الأغنية هو فلاح بسيط، الأغنية تروي قصة فتاة مغربية عشقت هذا الفلاح البسيط، و تتمنى العيش معه تحت سقف واحد، وجاء في الأغنية كذلك ( …نعيش معاه تحت اجناحو بحال العصفور.. ) ( …يبغي الأرض و يبغيني أو فقلب اعماقو يخبيني… )، طبعا زواج على سنة الله ورسوله قبل تعديل المرونة ب 50 سنة، حيث رأت فيه أخلاق الرجولة والوفاء والشهامة، فما ذنب الفلاح المسكين و ما ذنب هذه الفتاة، التي قررت العيش معاه في كوخ صغير، و تقنع بالخبز والزيتون عند الجوع والنوم على الحصير، وهل هذا العشق الحلال يشكل فعلا خطرا على الدولة و النظام العام، والأخلاق و الآداب وثقب الأوزون و الإستقرار..؟ في هذا المقال سيتم عرض بعض المقاطع من هذه الأغنية الرائعة، المغضوب عليها و المحاصرة من طرف الإعلام الرسمي، و سأذكر السبب الحقيقي لمنعها من الظهور، في آخر المقال أي عند الخلاصة، ولكم الحكم بعد ذلك على مصداقية منعها من الظهور في وسائل الإعلام الرسمية…

 

الفقرة الأولى :

ـ إن سعي المنظمات الدولية بتوجيه من الماسونية العالمية، إلى تغيير مساطر الزواج وجعلها أكثر تعقيدا، و تسهيل في مقابل ذلك سبل ممارسة الرذيلة و الفاحشة، خطة ترمي إلى تبسيط طرق الوصول للحرام، طبعا خارج إطار الزواج الشرعي عبر تعديل القوانين، باختصار مهندسو الفاحشة جعلوا للحرام طريقا سيارا، في حين كان الطريق الصحراوي الذي كله حفر و أشواك من نصيب أصحاب الحلال، مع تكثيف الهجوم على ما تبقى من تشريع إسلامي في مدونة الأسرة، و جعل المجتمع المغربي يفقد توازنه و استقراره، ثم دخوله بعد ذلك في دوامة العنف و الإضطرابات النفسية… وكما يقال : (إذا عرف السبب بطل العجب)، إن أعداء الأمة يعرفون أهمية استقرار الأسرة، لهذا يعملون ليل نهار لضرب وتخريب تماسك الأسرة المغربية، لأن قوة المجتمع من قوتها والعكس صحيح، خلاصة مجتمع مفكك منهك مريض و النتيجة :

 

ـ جفاف يهدد منسوب السعادة في البيوت المغربية :

 

في الحقيقة سد السعادة المغربي بدأت تظهر حجارته، وهو على مشارف النضوب و توشك أن تتبخر كل مياهه تقريبا، ولم يعد يروي عطش المغاربة الباحثين عن الفرح و السعادة، سواء الفقير منهم أو الغني الكل في الهوى سوى، حيث أصبح الجميع يشتكي غياب السعادة و الفرح في حياته الخاصة، لهذا اضطر الكثير من المغاربة إلى البحث عن سعادة مصطنعة و مؤقتة، حيث وجدوا مع الأسف ضالتهم في تعاطي المخدرات بكل أنواعها، الأغنياء يتعاطون مخدرات راقية من النوع الرفيع شي حاجة سم “هاي كلاص” : ( الويسكي ـ الشمبانيا ــ الهيروين..)، و (بوزبال ) الفقراء يتعاطون مخدرات رديئة و رخيصة الثمن : ( لانكول ـ السيلسيون ـ الدوليو ـ القرقوبي ـ البوفا..)، المهم أن يفر المرء من جحيم الكآبة والحزن ولو لوقت وجيز، يمكن أن نتفهم إلى حد ما تعاطي أبناء الأحياء الشعبية الفقيرة و المهمشة، للمخدرات أمثال السادة : ( احميدة لعور ـ با حسن الزيزوار ـ براهيم الشينوي ـ رحال لكلامونيت …)، وذلك تحت ضغط الفقر والحرمان ومشاكل المعيشة، حيث لا أسرة لا زواج لا مأوى فقط مشاكل بعضها فوق بعض، لكن الغريب في الأمر هو تعاطي الأغنياء من كبار مسؤولي الدولة للمخدرات..!! لا أظن أن الحرمان وضيق المعيشة هو السبب، لهم إقامات بل قصور مشيدة و أموال طائلة، آلاف الهكتارات من الأراضي و زوجات من فئة “طوب موديل” راس السوق، لكن الجميع يركض وراء شبح السعادة المفقودة، قد تكون المخدرات في تصور البعض منهم هي الحل الأنسب، لكن هذا فقط حل ترقيعي و مع الأسف الشديد هو المتاح حالياً، لقد صدق من قال : ( إن تجهيز غرفة نومك بأفضل الأثاث و أثمنه، لا يضمن لك نوما هادئا فقد يصيبك الأرق، و تضطر معه أخذ بعض الأقراص المهدئة كي تستطيع النوم..!!)، في الحقيقة أن المغاربة اليوم كلما حلت بهم سنة جديدة، إلا و تأسفوا على التي مضت قبلها و اعتبروها الأفضل، مثلا قد تجد أغلب المغاربة اليوم في سنة 2025، يتحسرون على سنوات الستينات والسبعينات من القرن الماضي، و عندهم حنين وشوق كبير لذاك الزمان الجميل كما يقال، والسؤال المطروح هنا هو لماذا أصبح المغاربة اليوم أقل سعادة من الأجداد السابقين..؟ ولماذا ساد التوتر والقلق حياتهم اليومية، و لماذا ازداد الخوف من شبح المستقبل ..؟ هذا لا يعني أن من سبقوا كانت معيشتهم سمن على عسل، أو كما يقول المغاربة فوق فيݣيݣ ، لا بل قد يكون العكس ومع ذلك تجد مساحة السعادة في حياتهم أكبر نسبيا ..!! فما هو السر في ذلك..؟ محاولة الجواب في الفقرة التالية :

في نظري سر سعادة جيل السبعينيات على سبيل المثال، يكمن في استقرار الأسرة حيث الطلاق قليل، عندما يتزوج رحال بن اليزيد الرحماني من زينب بنت اجيلالي الوزانية، تقول له والله ما تفرقنا غير الموت و يجيبها بنفس الكلام، ثم تعيش معاه على الحلوة و المرة، حيث تقنع بالقليل و تصبر على قساوة الزمان، وتستمر سفينة زواجهم في الإبحار حتى يتوفى الله أحد الزوجين… اليوم تغيرت الأمور و طغى حب المال، و هجر الحب القلوب ليسكن الجيوب… !! وكثر الطلاق لأتفه الأسباب، لماذا إذن وصلنا لهذا الحال من التردي..؟ محاولة فهم أسباب ذلك في الفقرة التالية…

ـ القناعة و البساطة وعدم التكلف :

 

إن أغنية ( بالصراحة باغيا فلاح ) التي غنتها الفنانة نعيمة صبري، في سنة 1974 من القرن الماضي تلخص المشكلة والحل معا، أنا أدعو القراء الكرام إلى الإستماع لهذه التحفة الفنية، والتأمل في كلماتها حيث تجد فيها معاني الحب بلا طمع مادي، مع البساطة و الرضى بالقليل، فلله در كاتب كلماتها الفنان المبدع محمد الأزهري، إن هذه الأغنية في رأيي تعد علاجا و ترياقا مضادا، لمرض ( العقلية الإستهلاكية) الذي ابتلي به المغاربة اليوم، يجب أن تكتب كلماتها بماء من ذهب وتعلق على جدار وزارة الثقافة، لتصبح من المعلقات لكن مع الأسف نعيش زمن هيمنة التفاهة و الرداءة الفنية بامتياز، حيث يتم رسميا عبر وزارة الثقافة المغربية يا حسرة، الإحتفاء بالفنان المقتدر النجم الصاعد و النيزك الساطع و المذنب اللامع السيد (طوطو )، ولسان حال وزير الثقافة يقول : ( زيد در دك يا طوطو أو عاود دردك يا طوطو )، في الحقيقة لا لوم على السيد طوطو، ولا وزارة طوطو أو حتى حكومة طوطو، لقد دخلت البلاد في ثقافة ( لطوطورست) فما هم إلا أدوات رخيصة تطبق مخططات خارجية، إنه الغرب الإمبريالي بقيادة أمريكا فرعون العصر، الذي يسعى لفرض قيم الرأسمالية المتوحشة على كل الدول، وذلك في إطار “عولمة التافهة” وجعلها دين منزل، ليصبح معها دونالد ترامب بمثابة شيخ زاوية عالمية، يوزع أوراد التفاهة على مريديه من حكام العرب و المسلمين.. إنه زمن الذل الأمريكي الذي يستهدف الثقافة والفن من منظور ليبرالي، لهذا تجد أغاني تافهة عبثية تتصدر المشهد الإعلامي، ( كليبات فيديو ) لفتيات يرقصن شبه عاريات، و إشهار خمور ومخدرات وكلام ساقط….، بل تجاوز الأمر الثقافي و الفني ليصل إلى الميدان السياسي، حيث تصدر المشهد التافهين من الأحزاب، و تحكموا في الحكومة و البرلمان وتسيير المدن والجهات، وإذا استمر الوضع الفني والثقافي والسياسي على هذا الحال، أقول لكم بالدارجة المغربية وبدون مبالغة : ( امشينا فالموزيط أحمادي)

خلاصة :

 

إن سيطرة الرأسمالية الليبرالية ونظام السوق الحرة، وانخراط الدولة في مشروع الخوصصة ببيع مؤسساتها، وبذلك يصبح القطاع الخاص اقوى واكثر تحكما في الإقتصاد، وأكيد أن كلمات اغنية ( بالصراحة بغيا فلاح)، تناقض هذا التوجه و تعارضه بشدة جملة و تفصيلا، مثلا مقطع ( خبز أو زيتون إلى جعنا… يكفينا آه و يشبعنا ..) هذا المقطع كافي لتعطيل نمو اقتصاد السوق الحرة، لأن فيه القناعة و البساطة و الرضى بالقليل وعدم التكلف، وهذا يصيب النظام الرأسمالي الجشع و الليبيرالية في مقتل، كيف ذلك ؟ إن هذا الأخير يعتمد على دفع الأفراد إلى الإستهلاك أكثر فأكثر، و إغراقهم في شراء كماليات الكماليات، وكلما كان الإقبال الكبير على شراء الضروري والغير ضروري، ينجح النظام الرأسمالي والعكس صحيح، وهكذا تجد الأفراد يركضون وراء آخر صيحات الموضة، في اللباس والسيارات و الهواتف والأثاث و الأكلات، مما يدر ارباحا طائلة لأصحاب رؤوس الأموال، يعني كما يقول المثل المغربي : (فلوس اللبن يديها زعطوط) و زعطوط هنا هو البورجوازي الباطرون مول اشكارة، لهذا ثقافة ( خبز أو زيتون) تهدم أحلام هذا البرجوازي البليد… لهذا السبب تم منع هذه الأغنية الرائعة المنبوذة حاليا… و الخاسر الأكبر هو الشعب المغربي المقهور، سواء في الميدان الفني والثقافي والسياسي…

المصدر: العمق المغربي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *