أطروحة تناقش آليات مناهضة الاتجار بالبشر
خلصت أطروحة دكتوراه إلى أن موضوع جريمة الاتجار بالبشر يكتسي أهمية بالغة بالنظر للتحديات التي يواجهها المغرب حاليا ومستقبلا في مجال الحقوق والحريات ومكافحة الجريمة المنظمة، ومواجهة تداعياتها على المستوى الاجتماعي والاقتصادي.
الأطروحة قدمها الباحث يحيى الزلوطي، نائب الوكيل العام للملك بمحكمة الاستئناف بالرباط، وناقشتها لجنة ترأسها محمد المسلومي، وسهر على الإشراف عليها محمد فتح الله أسطري، محمد محبوبي، عمر السكتاني وأنور فؤاد.
وتوصل الباحث الى أن دراسة موضوع “الاتجار بالبشر” يكرس الوعي بما ينطوي عليه الأمر من امتهان لكرامة وحرية الإنسان وحرمة جسده، وما يترتب عنه من مخاطر النشاط الإجرامي باعتباره عملا مركب وعابرا للحدود، ويتسم مرتكبوه بالدقة والتخطيط المحكم، فضلا عما يدره من عائدات مالية ضخمة ومغرية.
وبالاستناد إلى ذلك، فإن مجرد إقرار قوانين عقابية لمعالجة الظاهرة لن يكون سوى جزء من الحل يستلزم لاستكماله استحضار الإطار القانوني للمنظومة الحمائية للضحايا والشهود المبلغين.
ومن بين ما نبهت إليه أطروحة الكاتب العام للودادية الحسنية للقضاة، الحاصل على لقب دكتور في الحقوق بميزة مشرف جدا مع توصية بالنشر، أن “دراسة مدى كفاية الآليات القانونية والمؤسساتية في مناهضة جريمة الاتجار بالبشر وحماية ضحاياها وضحاياها المفترضين، تمر عبر جسر هام يتمثل في تحليل الترسانة القانونية الجنائية في بعديها الموضوعي والإجرائي ووضع البنية المؤسساتية المعهود لها بتنسيق مجهودات كافة الفاعلين المتدخلين على محك التحليل والتفكيك”.
كما أبرزت جوانب آليات مناهضة جريمة الاتجار بالبشر بالشكل المنتظر منها، واستشراف سبل تطوير فاعلية هذه الآليات مع استحضار خطورة الجريمة وتطورها المستمر الذي زاد من حدته التطور العلمي والتكنولوجي الذي أضاف جريمة أشد قسوة ألا وهي الاتجار بالأعضاء البشرية، وذلك من أجل التفاعل مع الإشكالية المحورية المتمثلة في مدى فعالية الآليات القانونية والمؤسساتية في الحد من انتشارها، والإجابة عن العديد من التساؤلات الفرعية المرتبطة بها.
وخصصت الوثيقة العلمية جانبا مهما لتحليل ودراسة دور الآليات القانونية لمكافحة الظاهرة وإخضاع منظومة التجريم والعقاب الخاصة بها للبحث والتمحيص واستقصاء سبل تلافي جوانب القصور فيها، وآخر لتحليل وتقييم منظومة حماية الضحايا والشهود، وذلك بالارتباط الدائم والوثيق بسؤال النجاعة، فيما تم تخصيص باب لرصد دور الآليات المؤسساتية لمكافحة الاتجار بالبشر وحماية ضحاياه، وهو ما تمت معالجته في فصلين كذلك، تم تخصيص الأول منهما لتحليل وتقييم نجاعة المؤسسات الوطنية، سواء منها الحكومية أو غير الحكومية، في حين تم إفراد الثاني لتعاون المؤسساتي الدولي للمغرب بغاية محاصرة هذا النشاط الإجرامي الذي يشكل وصمة عار على جبين الإنسانية جمعاء.
ودعت الأطروحة جميع الأطراف المتدخلة والفاعلة والهيئات المساعدة وكل المؤسسات المعنية إلى العمل وفقا لاستراتيجية موحدة وذات أهداف واضحة، مشيرة إلى أن “تضافر كل الجهود في إطار مكافحة الاتجار بالبشر من شأنه أن يقلص بشكل كبير من هذا النشاط الإجرامي وآثاره على الضحايا”.
وبهدف تعزيز هذه الجهود، اقترحت الأطروحة تجويد النص التشريعي بما يتلاءم وضوابط الصياغة الجنائية، وذلك بالاسترشاد بالاجتهاد القضائي، لاسيما على مستوى التعاريف والأركان المادية للأفعال الإجرامية المؤطرة بالنص، إلى جانب ترسيخ الآليات القانونية المؤطرة لحماية الضحايا والشهود والمبلغين، وذلك بملاءمة مجموعة من القوانين ذات الصلة بهذه الآليات خارج المنظومة الجنائية، بغرض توفير الإطار القانوني الكامل للرفع من نجاعة هذه الآليات حتى لا تبقى مجرد ترف تشريعي.
كما اقترحت تفعيل الآلية الوطنية لإحالة ضحايا الاتجار بالبشر على غرار الدول الرائدة في مجال مكافحة هذه الجريمة، وتعزيز قدرات كافة المتدخلين في مجال مكافحة الاتجار بالبشر والوقاية منه، وفق منظور وطني موحد بالاعتماد على برامج التكوين والتكوين المستمر المعدة من طرف اللجنة الوطنية، بالإضافة إلى الانفتاح على الجامعات الوطنية والمعاهد المتخصصة بهدف تشجيع وتطوير البحث العلمي في مجال مكافحة الاتجار بالبشر والوقاية منه.
المصدر: هسبريس