أشجار الطلح بأرجاء الجنوب الشرقي .. الاندثار يتربص بكنز بيئي واقتصادي
في الجنوب الشرقي للمغرب، وبالتحديد في مناطق زاكورة، طاطا، الرشيدية وتنغير، تقف أشجار الطلح بشموخ، شاهدة على تاريخ طويل يمتد لمئات السنين. هذه الأشجار، التي تعايشت مع قسوة الظروف المناخية والتغيرات الجغرافية والبيئية، ليست مجرد عنصر طبيعي في هذا المشهد الصحراوي، بل هي جزء لا يتجزأ من التراث البيئي والاقتصادي للمغرب.
تعد أشجار الطلح واحدة من أهم المكونات البيئية للجنوب الشرقي المغربي، فهي تلعب دورا محوريا في مكافحة التصحر وتثبيت التربة، وتعمل جذورها العميقة على منع انجراف التربة بفعل الرياح والعواصف الرملية، وهو ما أكده لحسن أكجيل، خبير في البيئة الصحراوية، إذ أشار إلى أن “أشجار الطلح ليست مجرد غطاء نباتي، بل هي خط الدفاع الأول ضد التصحر الذي يهدد العديد من المناطق في المغرب”، وفق تعبيره.
إلى جانب دورها في تثبيت التربة، يضيف المتحدث ذاته، في تصريح لهسبريس، فإن هذه الأشجار توفر ملجأ طبيعيا للعديد من الأنواع الحيوانية المحلية، وتساهم في الحفاظ على التنوع البيولوجي، وتعتبر أوراقها وظلالها مصدر حياة للعديد من الحيوانات والنباتات الأخرى في هذه البيئة القاحلة.
وأوضح محمد بن علي، من ساكنة زاكورة، أن التغيرات المناخية، التي تتمثل بشكل أساسي في ارتفاع درجات الحرارة وتناقص التساقطات المطرية، تزيد من صعوبة بقاء هذه الأشجار، التي تحتاج إلى كميات محددة من الماء لتنمو وتزدهر، مضيفا: “نحن نلاحظ تراجعا ملحوظا في كثافة أشجار الطلح خلال السنوات الأخيرة، وهذا مؤشر خطير على مستقبل هذه المناطق إذا لم يتم اتخاذ إجراءات عاجلة لحمايتها”.
ومن أجل الحفاظ على هذه الثروة الطبيعية الفريدة دعا العديد من الخبراء والناشطين البيئيين إلى ضرورة تبني سياسات مستدامة لحماية أشجار الطلح. ويشمل ذلك تشجيع السكان المحليين على تبني أساليب زراعية مستدامة، وتوفير بدائل للطاقة لتقليل الاعتماد على الاحتطاب، بالإضافة إلى إطلاق حملات تشجير واسعة تهدف إلى إعادة إحياء الغابات المتدهورة.
كما اقترح عيسى السعداوي، فاعل في المجال البيئي بإقليم زاكورة، “إنشاء تعاونيات محلية تهدف إلى تنظيم عملية استخراج الصمغ العربي بشكل لا يضر بالأشجار، مع تحسين سلاسل التوزيع والتصدير، ما قد يساهم في تحسين الوضع الاقتصادي للسكان المحليين وحماية هذه الأشجار الثمينة في الوقت ذاته”.
وفي المقابل كشف عدد من المهتمين بالمجال البيئي في الجنوب الشرقي المغربي أن أهمية أشجار الطلح لا تقتصر على دورها البيئي فقط، بل تمتد إلى المجال الاقتصادي من خلال إنتاجها الصمغ العربي، الذي يعد من أغلى المنتجات الطبيعية، موضحين أن له استخدامات متعددة في الصناعات الغذائية والدوائية، ويعتبر مصدر دخل مهم للعديد من الأسر المحلية في هذه المناطق.
داود إعزا، من ساكنة طاطا، أشار إلى أن “إنتاج الصمغ العربي من الطلح يوفر دخلا مهما للعائلات، خصوصا في المواسم الجافة، حيث تقل الفرص الزراعية الأخرى”، مردفا بأن “الطلب العالمي على الصمغ العربي في تزايد مستمر، وهذا يشكل فرصة اقتصادية كبيرة إذا ما تم استغلالها بشكل مستدام”، وفق تعبيره.
وأضاف المتحدث ذاته، في تصريح لهسبريس، أنه رغم هذه الأهمية البيئية والاقتصادية تواجه أشجار الطلح تهديدات كبيرة تضع مستقبلها على المحك، مشيرا إلى أن “الاحتطاب الجائر وتغير المناخ يشكلان أكبر خطر على بقاء هذه الأشجار المعمرة، فعدد كبير من السكان المحليين يلجؤون إلى قطع الطلح لاستخدامه كوقود، ما يؤدي إلى تدهور مساحات كبيرة من الغابات”، بتعبيره.
وحسب العديد من التصريحات التي استقتها جريدة هسبريس الإلكترونية من مهتمين وكبار السن من سكان المناطق المعنية فإن أشجار الطلح ليست مجرد نباتات صحراوية، بل جزء من تراث الجنوب الشرقي، شاهدة على قرون من التغيرات الطبيعية والبشرية.
وتمثل شجرة الطلح مزيجا فريدا من الفوائد البيئية والاقتصادية التي يجب الحفاظ عليها، وذلك في ظل التحديات البيئية العالمية والمحلية، إذ أصبحت هذه الأشجار رمزا للصمود والتكيف مع أصعب الظروف، ومع ذلك فإن استمرارها مهدد ما لم يتم اتخاذ خطوات جادة لحمايتها.
وبدأت أشجار الطلح الاخضرار بعد التساقطات المطرية الأخيرة التي جاءت كأمل بعد سنوات من الجفاف، إذ أصبحت خضراء تسر الناظرين وتجذب المواطنين إليها، الأمر الذي يفرض على وكالة المياه والغابات بالمناطق المعنية ومديرية تنمية مناطق الواحات اتخاذ إجراءات وتدابير لحماية هذه الأشجار وتوسيع المساحات عبر غرس أشجار جديدة.
وكشف مصدر مسؤول أنه “يتعين على السلطات المحلية والإدارات العمومية المعنية والمجتمع المدني والمنظمات البيئية توحيد الجهود لحماية هذا الكنز الطبيعي الذي لا يقدر بثمن؛ فيما يجب أن تتمثل هذه الجهود في حملات توعية للسكان المحليين بأهمية الشجرة بيئيا واقتصاديا، بالإضافة إلى تشجيع استخدام الطاقات المتجددة كبديل للاحتطاب الجائر”، وزاد: “كما أن تعزيز التعاون مع المؤسسات الأكاديمية والبحثية لتطوير إستراتيجيات مبتكرة للحفاظ على هذه الأشجار سيكون خطوة في الاتجاه الصحيح”.
وأضاف المصدر ذاته: “حماية أشجار الطلح ليست مجرد واجب بيئي، بل هي استثمار في مستقبلنا ومستقبل الأجيال القادمة؛ إنها رمز للأمل في مواجهة التصحر وتغير المناخ، وكنز اقتصادي يمكن أن يسهم في تحسين حياة الآلاف من السكان المحليين، خاصة في وقت تتجه أنظار العالم نحو حلول مستدامة للحفاظ على البيئة، ويجب أن يكون المغرب في طليعة هذه الجهود، محافظا على كنوزه الطبيعية مثل أشجار الطلح”.
المصدر: هسبريس