“أسواق حديثة ومُرقمنة”.. مقترحات لمواجهة تحكم “لوبي الوسطاء” في الأسعار
مازال نقاش “الوسطاء” حاضرا في ظل الغلاء الذي تعرفه بعض المواد الغذائية والمنتوجات الزراعية. وقد حمّلهم محمد الصديقي، وزير الفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات، مسؤولية ارتفاع أثمان السمك في الأسواق، مثلما يحملهم المهنيون في اللحوم الحمراء مسؤولية الزيادات التي مازالت تعرفها أسعار هذه المواد، وهو ما دفع جهات كثيرة إلى تقديم مقترحات بما أن “الجهات الرسمية مازالت تجد صعوبة في تحجيم الوساطة”.
الوسطاء يشكلون حلقة حاسمة في صناعة القيمة وتحديد السعر النهائي للبيع، بحيث يقفون في مرحلة مفصلية بين المنتج والمستهلك، وهو ما يجعل العديد من المواد تصل إلى الأخير بأسعار تبدو إجمالا “مرتفعة”، مع أن هؤلاء المضاربين لا تعتبرهم جهات كثيرة “السبب الرئيسي في ارتفاع الأسعار، وإنما هناك عوامل أخرى متعلقة بالتخزين وبكلفة الإنتاج، غير أن الوسطاء يكونون عاملا إضافيا مثلما هم سبب حصري أحيانا”.
“أسواق حديثة”
أحمد بيوض، الرئيس المؤسس لجمعية “مع المستهلكين”، قال إن “القضاء على لوبي الوسطاء يستدعي اليوم إرادة سياسية وتنظيمية أكثر من أيّ وقت مضى، بالانفتاح على التجارب الدولية من خلال تشييد أسواق للجملة مؤهلة وقانونية، وتكون مجهزة بالوسائل اللوجستية الممكنة للنهوض بها وضمان عدم ولوج أي شخص إليها باستثناء الحرفيين”، موضحا أن “الإجهاز على الوساطة بشكلها الحالي صار أمرا ملحا بالنظر إلى الفوضى التي أحدثتها في ظل حرية الأسعار”.
وأضاف بيوض، ضمن مقترحات قدمها لهسبريس، أنه “أصبح حاسما أن نخصص سوقاً بالمعايير ذاتها في كل مدينة مغربية، وأن نمكّن الحرفيين الذين بوسعهم اقتناء البضائع القادمة من منبعها من بطاقات مهنيّة تنظم عملهم”، كما أنه “يتعين اليوم أن نجد كذلك صيغا لكي نعرف أن الشاحنة التي تحمل البضائع ذهبت نحو المنبع مباشرة وعادت أيضا مباشرة نحو سوق الجملة، بلا أي هامش للتحايل، لنحاصر عمل أي وسيط يريد أن يناور، لأن الأخير لن يسمح بالتخلي عن دوره الذي درّ عليه أموالا طائلة”.
وتابع شارحا: “الظرفية تحتاج أن نخلق إطارا تشريعيا لتنظيم أسواق الجملة، وتوحيد هذه المعايير على كافة المدن، وأن نخصص مساحات تُرابية كافية لتشييدها، لأنه تبين أن الجهات المسؤولة وجدت صعوبة في الحد من عمل المضاربين والوسطاء، وجرى الاعتراف بذلك مرارا، وتُرك المستهلك، بهذا المعنى، تحت سياط هؤلاء، يلتهب بالأسعار التي يقرونها وهم يتجوّلون في الأسواق بحقائهم التي تتضمن كمية مهمة من رؤوس الأموال”.
وواصل قائلاً: علينا ألّا نُغفل كذلك دور فرض العقود والفواتير، لمعرفة ثمن المنتوج في منبعه وثمنه في سوق الجملة وثمنه في المرحلة النهائية التي يقتنيه فيها المواطن”، مؤكداً أن “هذه المقترحات ليست مسألة صعبة أو مُستحيلة ولن تستغرق وقتاً كبيراً للتّفكير فيها، ولكن الخيار بيدنا اليوم إن أردنا أن نمرّ إلى ضمان أسواق قانونيّة وتنافسية خاضعة للمراقبة والتتبع مراعاة لمصلحة المواطن والوطن، خصوصا وأن الضرر الذي يحدثه لوبي الوسطاء لم يعد خافيا على أحد”.
“تحسين الظروف”
إدريس الفينة، محلل اقتصادي، قال إن “دور الوسطاء صار بالفعل مشكلاً، لكنه تبين أنه شر لا بد منه؛ لكون الوسيط يتوفر على السيولة التي تعفي المنتج، أو الفلاح، من عبئ التفكير في تصريف ما أنتجه وضمان وصوله إلى الأسواق”، مؤكداً أن “فرنسا قدّمت نموذجا مهما في تنظيم عمل الوسطاء، ولكن لا يمكن أن نستلهم هذه التجربة كما هي لكون السياقات جد مختلفة، وبالتالي من الممكن إن أخذنا هذا الاتجاه أن نساهم في خلق مفعول عكسي لما نتجه إليه”.
وأوضح الفينة، في تصريح لهسبريس، أن “وزارة الفلاحة يجب أن تقوم بدراسة في هذا المجال لمعرفة المخاطر التي تواجه أولا الفلاح منتج الغلّة أو الكسّاب، وتتبع دور الوسيط في ارتفاع الأسعار بشكل دقيق، من أجل ضمان تقنين عمل الوسطاء وتنظيمه، بما أنه من الصّعب فرض المراقبة حاليا في ظل حرية الأسعار”، مؤكداً أن “الرّقمنة أيضا من شأنها أن تحد من هيمنة الوسطاء وسيطرتهم، انطلاقا من معرفتهم بنقط البيع وتعاقدهم الأخلاقي من أصحابها”.
وأشار المتحدث إلى أن “هذا الشّكل الحالي يؤثّر على ثمن البيع النهائي بكلّ تأكيد، ولهذا نحتاج اليوم إلى تصوّر مغربي مبني على أسس علمية ويتلاءم مع طبيعة أسواقنا؛ فلا يمكن تحميل الوسطاء وحدهم مسؤولية الأسعار، بل هناك أيضا كلفة الإنتاج والتخزين”، مشيراً إلى أن “عمل الوسيط لا بد أن يكون منظما ليكون مساهما في أداء الضرائب بشكل منظم ومتواصل، وأن يكون ذلك ضامنا لتجويد السوق المغربية، وليس شيئا آخر”.
المصدر: هسبريس