أسعار الأغذئية تفاقم التضخم بالمغرب.. خبيران: أثر محدود للتدابير الحكومية
في منحى تصاعدي مازالت تسير أرقام التضخم في أسواق المغرب، وفق آخر المؤشرات المتعلقة بالرقم الاستدلالي للأثمان عند الاستهلاك المسجلة خلال شهر مارس 2023.
حسب الأرقام الرسمية، ارتفع “مؤشر التضخم الأساسي”، الذي يستثني المواد ذات الأثمان المحددة (من طرف الدولة) والمواد ذات التقلبات العالية، خلال شهر مارس المنصرم، بـ0,1% بالمقارنة مع شهر فبراير 2023، وبـ8,1% بالمقارنة مع شهر مارس من العام الماضي.
استمرار تصاعد التضخم، باعتراف رسمي من أرفع مؤسسة إحصائية وطنية، إثر تزايد الرقم الاستدلالي للمواد الغذائية بـ0,3% وتراجع الرقم الاستدلالي للمواد غير الغذائية بـ0,1% في الشهر سالف الذكر، يسائل نجاعة وفعالية الإجراءات الحكومية المتخذة لخفضه.
وتتعالى أصوات بضرورة اتخاذ إجراءات ذات أثر أسرع، في انتظار أن تعطي التدابير والإجراءات الحكومية المتخذة قبل أسابيع أكلها، لاسيما بالنسبة للمواد الغذائية والفلاحية الأكثر استهلاكا.
وما زالت ارتفاعات المواد الغذائية المسجلة ما بين شهري فبراير ومارس 2023، على الخصوص، تطال أبرز أثمان سلة غذاء المغاربة من “الفواكه” بـ3,4% و”السمك وفواكه البحر” بـ 2,2% و”الحليب والجبن والبيض” بـ 0,3% و”السكر والمربى والعسل والشوكولاته والحلويات” بـ 0,2% و”الخضر” و”الخبز والحبوب” بـ0,1%، بحسب المندوبية السامية للتخطيط.
في المقابل، أقرّت المندوبية بانخفاض واضح في أثمان “اللحوم” بـ0,8% و”الزيوت والدهنيات” بـ 0,1%. وفيما يخص المواد غير الغذائية، فإن الانخفاض كان من نصيب سعر “المحروقات” بـ 3,6%.
بالمقارنة مع الشهر نفسه من السنة السابقة، سجل الرقم الاستدلالي للأثمان عند الاستهلاك ارتفاعا بـ8,2% خلال شهر مارس 2023، ناتجا عن “تزايد أثمان المواد الغذائية بـ 16,1% وأثمان المواد غير الغذائية بـ 3,0%”.
“ترسيخ تضخم محلي”
رشيد ساري، محلل اقتصادي، قال إن معطيات المندوبية السامية للتخطيط “مؤشر على أن ما كان يُلاحَظ هو بصدد أن يتأكد حاليا، ويُرسخ حقيقة أن التضخم الحاصل هو بفعل عوامل داخلية وليست خارجية”.
وشرح ساري فكرته، في حديث مع هسبريس، قائلا: “يعني أنه لا يمكن اليوم الحديث عن تضخم مستورد، لأن جلّ المواد غير الغذائية عرفت انخفاضا، بينما باستقراء بسيط لمعطيات المندوبية، فإن المواد الغذائية، خاصة المنتوجات الفلاحية ومواد أخرى مرتبطة بها (مثل البيض والحليب…) دليل ومؤشر واضح على أن ما نعيشه، بالنسبة لي، هو تضخم داخلي محض”.
وفسّر ساري ارتفاع سعر بعض المواد الاستهلاكية المستوردة بـ”ارتفاع الإقبال عليها، نظرا لتزامن شهر مارس مع شهر الصيام”، مشددا على أن “شهر مارس كان شهرا استثنائيا للارتفاع الكبير لأسعار مجموعة من المواد الغذائية أو ذات المنشأ الفلاحي”، مؤكدا أن “آثار تضخم أسعار المواد الطاقية كان ساريا رغم انخفاض ملموس في سعر المحروقات”.
ارتفاع الرقم الاستدلالي دليل يدحض معطيات سابقة كانت تتحدث عن التضخم باعتباره نتاج أسباب مستوردة، مع استثناء نسبة قليلة من مواد غذائية مصنعة أو من الخارج، لأن نسبة كبيرة منها تُنتج محليا.
وقرأ ساري في دلالات الأرقام أعلاه أن “الإجراءات الحكومية لخفض التضخم غير ناجعة، لاسيما في حالة المنتوجات الفلاحية بعد نقص في الإنتاج جراء تداعيات الجفاف وإعلان عدد من الضيعات إفلاسها”، منتقدا ما وصفه “سوء التدبير لإشكالية المضاربين الجشعين الذين استغلوا الظرفية لمضاعفة أرباحهم”.
وخلص المحلل الاقتصادي ذاته إلى أن “الحكومة عوض أن تذهب رأسا إلى الميدان الفلاحي عبر أسواق الجملة وناقلي البضائع، اكتفت بمراقبة الأسعار في المحلات فقط”.
“وقع محدود جدا”
بدر الزاهر الأزرق، أستاذ علوم الاقتصاد، أكد، من جهته، أن “الإجراءات المتأخرة التي اتخذتها الحكومة بخصوص تأمين السوق الداخلية ومراقبة الأسعار وتحفيز الواردات عبر تعليق الرسوم الجمركية على المواشي وعدد من المنتجات الفلاحية، كان لها وقع جد محدود على التحكم في أسعار المواد الغذائية التي واصلت ارتفاعها”.
وأضاف الأزرق، في تصريح لهسبريس، أن “هذا يحتّم على الحكومة المضي على النهج نفسه خلال الأشهر المقبلة، وتوسيع دائرة المواد المشمولة برفع الرسوم الجمركية، إلى جانب ضبط وتيرة الصادرات، خاصة تلك الموجهة نحو إفريقيا جنوب الصحراء”.
“أثر هذه الإجراءات على أسعار المواد الغذائية قد يستغرق زمنا إضافيا، وهو أثر في غالب الأمر لن يتجاوز تراجعا محدودا لن يعود بالأثمنة إلى مستوياتها السابقة قبل الأزمة”، يسجل المتحدث لهسبريس، لافتا إلى “عواقب هذا الأمر بأثر سلبي على القدرة الشرائية للطبقات الفقيرة والمتوسطة على المديَيْن القريب والمتوسط”.
وتوقع الأزرق أن “يتفاقم هذا الأثر السلبي خلال السنة المقبلة في حالة حلّ صندوق المقاصة وسحب الدعم لما تبقى من المحروقات والمواد الغذائية”.
المصدر: هسبريس